متى يتقاعد الالم؟ – نهلة الدراجي
متى يتقاعد الألم؟ سؤال يطاردني كلما نظرت في عيون أم ثكلى، أو سمعت تنهيدة أب فقد أبناءه في حرب لا يعرف لماذا اشتعلت ولا متى تنطفئ؟
نحن جيل وُلد ليتعب وكبر على أصوات الانفجارات، وتعلم الأبجدية من على ألواح الحرب. من حرب الثمانينات إلى حصار التسعينات، ومن حرب 2003 إلى ما بعدها من فوضى وانتكاسات، والآن نعيش في هدنة هشّة وخوف لاينتهي ..
العراقي.. مصيره أن يكون على الدوام في حالة دفاع عن الوجود. يهرب من حرب فيقع في أخرى. ينجو من موت ليصادفه موت آخر . تتبدل الحكومات تتنوع الوجوه لكن الألم ذاته لا يتغير. كأن الحزن وظيفة دائمة في هذا البلد يُجدد تلقائيًا مع كل مأساة.
ومع ذلك، نحن لا نموت… لا نستسلم العراقي رغم كل شيء لا يزال يبحث عن فسحة ضوء. يكتب الشعر في قلب المعركة ويغني وهو يدفن أحبّاءه ويزرع وردًا على الأرصفة المخضبة بالدم كم مرة سُرق منا الحلم والفرح؟ ومع ذلك لا زلنا نحلم نحلم بوطن سالم معافى خالي من الحزن.في العراق، الحزن اصبح ثقافة يومية. يتحدث الناس عن الموت كما يتحدث غيرهم عن الطقس. يبتسمون وهم يروون قصص القصف، ويضحكون على ذكريات النزوح.. لقد تجاوزوا مرحلة التألم وصاروا يعتادون المصيبة كجزء من روتين الحياة. ويبقى السؤال متى يتقاعد الألم؟
هل سيأتي ذلك الصباح الذي يصحو فيه العراقي دون أن يسمع خبراً عن فاجعة أو اختطاف أو أزمة كهرباء أو فساد؟
نحن نستحق الحياة و الفرح وبلداً لا يُكتب تاريخه بالدم.
ليت الألم يجد من يُبلغه أن مهمته قد انتهت وأن عليه أن يرحل.. ليت العراق يُمنح فرصة واحدة فقط ليعيش كما يعيش الآخرون بلا خوف من مجهول، بلا فواجع بلا دموع.
ذلك اليوم الذي يتقاعد فيه الألم، سيكون اليوم الذي يولد فيه العراق من جديد.