متى‭ ‬يبزغ‭ ‬نجم‭ ‬إفريقية‭ ‬الشمالية‭ ‬من‭ ‬جديد؟-عزالدين مصطفى جلولي

من‭ ‬الطموح‭ ‬تولد‭ ‬الأحلام،‭ ‬وتولد‭ ‬من‭ ‬الأحلام‭ ‬الإرادات‭. ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وقد‭ ‬أضحى‭ ‬التنادي‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬مسوغا‭ ‬‮«‬مشروعا‮»‬‭ ‬للدول‭ ‬كي‭ ‬تتوسع؛‭ ‬فألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬استدعت‭ ‬تاريخا‭ ‬لتقيم‭ ‬جرمانيا‭ ‬الكبرى،‭ ‬وروسيا‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬مذكرة‭ ‬العالم‭ ‬بالاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬الذي‭ ‬ولّى‭ ‬من‭ ‬قريب،‭ ‬وتركية‭ ‬تزج‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬نائية‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬جغرافيا‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الصهاينة‭ ‬استباحوا،‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬بزعمهم‭ ‬أن‭ ‬حقا‭ ‬لهم‭ ‬فيها‭ ‬يمتد‭ ‬لآلاف‭ ‬السنين‭… ‬هي‭ ‬‮«‬موضة‮»‬‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬إذن،‭ ‬منها‭ ‬المقبول‭ ‬ومنها‭ ‬الممجوج‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬الدولية‭ ‬اليوم‭ ‬اعتادت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬فلِمَ‭ ‬يتعارك‭ ‬الأشقاء‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشمالية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬أراض،‭ ‬دان‭ ‬أهلها‭ ‬جميعا،‭ ‬عبر‭ ‬حقب‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬لسلطان‭ ‬واحد،‭ ‬وعاشوا‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬حضارة‭ ‬واحدة؟

ربما‭ ‬ملّ‭ ‬الساسة‭ ‬تركة‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬امتلك‭ ‬فائضا‭ ‬من‭ ‬القوة،‭ ‬فانبرى‭ ‬ليعيد‭ ‬رسم‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬لعالم‭ ‬جديد،‭ ‬لعله‭ ‬أن‭ ‬يصيب‭ ‬من‭ ‬غنائمه‭ ‬بحظ‭ ‬وافر‭ ‬أو‭ ‬يسير‭. ‬ترى‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬لا‭ ‬يلوي‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يلبي‭ ‬شرها‭ ‬نهما‭ ‬لا‭ ‬يشبع،‭ ‬وليته‭ ‬كان‭ ‬يلقي‭ ‬بالا‭ ‬لما‭ ‬اقترفه‭ ‬بحق‭ ‬المستضعفين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬وبيل،‭ ‬كأنما‭ ‬الأرض‭ ‬خلت‭ ‬من‭ ‬أهلها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬عبيد‭.‬

إن‭ ‬المساس‭ ‬بمنار‭ ‬الأرض‭ ‬يستتبع‭ ‬هرجا‭ ‬ومرجا،‭ ‬تسيل‭ ‬على‭ ‬جنابته‭ ‬دماء،‭ ‬وتتدحرج‭ ‬على‭ ‬أعتابه‭ ‬رؤوس‭. ‬لأنه‭ ‬يستبطن‭ ‬عدوانا‭ ‬على‭ ‬الملكية،‭ ‬يكون‭ ‬مرتع‭ ‬الظلم‭ ‬فيه‭ ‬وخيما‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬كما‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬والجماعات،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تداعى‭ ‬الناس‭ ‬للذود‭ ‬عن‭ ‬الحياض،‭ ‬ولبس‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬لأْمَة‭ ‬الحرب‭. ‬إن‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬يستشعرون‭ ‬فترات‭ ‬الضعف‭ ‬فيهم‭ ‬وفي‭ ‬جيرانهم،‭ ‬فيحبكون‭ ‬لذلك‭ ‬مكائد‭ ‬يختل‭ ‬بها‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬فيحدث‭ ‬التصادم‭. ‬ولست‭ ‬أدري‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬استشعر‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أخيه‭ ‬فبدأ‭ ‬يدق‭ ‬طبول‭ ‬النزال؟

هي‭ ‬مهلكة،‭ ‬يدرك‭ ‬مخاطرها‭ ‬الحكماء‭ ‬من‭ ‬الأمة‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬رأي‭ ‬مطاع‭. ‬أما‭ ‬وأن‭ ‬الأقطار‭ ‬في‭ ‬إفريقية‭ ‬الشمالية،‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس،‭ ‬قد‭ ‬انتصف‭ ‬عمرها‭ ‬الافتراضي،‭ ‬فما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬سياسة‭ ‬غوغائية،‭ ‬فقدر‭ ‬حادث‭ ‬يقود‭ ‬مصائر‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬إلى‭ ‬الفناء‭. ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وبأيدي‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادة‭ ‬مؤهلات‭ ‬البقاء‭ ‬والرخاء‭ ‬جميعا؛‭ ‬جوار‭ ‬متلاصق،‭ ‬وموقع‭ ‬جغرافي‭ ‬ممتاز،‭ ‬وتاريخ‭ ‬حافل‭ ‬بالأمجاد،‭ ‬وكتلة‭ ‬بشرية‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة،‭ ‬ومقدرات‭ ‬للعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬تكفي‭ ‬لمئات‭ ‬السنين،‭ ‬وثقافة‭ ‬متجانسة‭ ‬صهرها‭ ‬الإسلام‭… ‬يغفل‭ ‬الساسة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬ويندفعون‭ ‬بحمق‭ ‬إلى‭ ‬فتنة‭ ‬هوجاء‭ ‬لا‭ ‬تبقي‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬أتت‭ ‬عليه،‭ ‬لو‭ ‬قدر‭ ‬لنارها‭ ‬أن‭ ‬تشتعل‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭!‬

ومن‭ ‬سخف‭ ‬الحكام‭ ‬الضعفاء،‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬الجار‭ ‬لاسترداد‭ ‬‮«‬حقه‮»‬‭ ‬عنوة‭ ‬من‭ ‬جار‭ ‬له‭ ‬وضع‭ ‬سلاحه‭ ‬للتوّ‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬ضروس‭ ‬دحر‭ ‬بها‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ومن‭ ‬سخرية‭ ‬الأقدار‭ ‬أن‭ ‬تداوى‭ ‬تلك‭ ‬الحماقة‭ ‬بقطيعة‭ ‬دامت‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬فصولها‭ ‬قائمة‭ ‬بين‭ ‬الفئتين‭: ‬أزمة‭ ‬تعكر‭ ‬صفو‭ ‬الأخوّة‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الغربية،‭ ‬ومكايدة‭ ‬سياسية‭ ‬تعضد‭ ‬بها‭ ‬الجزائر‭ ‬الإسبان‭ ‬ضد‭ ‬الجيران‭ ‬في‭ ‬سبتة‭ ‬ومليلة،‭ ‬وقطع‭ ‬متعمد‭ ‬للغاز،‭ ‬واستئثار‭ ‬بالموارد‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مشورة‭ ‬أو‭ ‬استئذان،‭ ‬وحفر‭ ‬في‭ ‬الجراحات‭ ‬لعل‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يغري‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬بالانفصال‭ ‬في‭ ‬جرجرة،‭ ‬ونبش‭ ‬في‭  ‬مواجع‭ ‬التاريخ‭ ‬لعلنا‭ ‬نبعث‭ ‬حقا‭ ‬أهدر‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬الشرقية،‭ ‬وتبذير‭ ‬للأموال‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الدمار‭ ‬والخراب‭… ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الحصاد‭ ‬المر‭ ‬لأنظمة‭ ‬شاخت‭ ‬وتلبستها‭ ‬الرعونة‭ ‬والغباء‭.‬

ومما‭ ‬يشي‭ ‬بتدهور‭ ‬الأمور‭ ‬نحو‭ ‬المحذور،‭ ‬أن‭ ‬يستعين‭ ‬المغرب‭ ‬بالصهاينة‭ ‬للاستقواء‭ ‬على‭ ‬الجزائر،‭ ‬وتستعين‭ ‬هي‭ ‬بالشيعة‭ ‬مرصادا‭ ‬لذلك؛‭ ‬أما‭ ‬درى‭ ‬المغاربة‭ ‬بأن‭ ‬مرام‭ ‬الصهاينة‭ ‬هو‭ ‬إضعاف‭ ‬الجارين‭ ‬بدفعهما‭ ‬إلى‭ ‬التقاتل؟‭ ‬وأن‭ ‬مرام‭ ‬الشيعة‭ ‬بعث‭ ‬أمجاد‭ ‬الفاطميين،‭ ‬ترفدهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دربة‭ ‬درجوا‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬صعدة‭ ‬ولبنان‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق،‭ ‬إذ‭ ‬تكفيهم‭ ‬دعوة‭ ‬داع‭ ‬يدّعي‭ ‬نسبا‭ ‬لآل‭ ‬البيت‭ ‬لبلوغ‭ ‬القصد‭ ‬وخيمة‭ ‬تأويه‭- ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬لدى‭ ‬الصحراويين‭ ‬بتندوف‭- ‬وصبر‭ ‬‮«‬استراتيجي‮»‬‭ ‬وأناة،‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬الإغراء‭ ‬بالمال‭ ‬والمتعة‭ ‬وإرساليات‭ ‬إلى‭ ‬الحوزات‭. ‬إن‭ ‬ذلك‭ ‬سيحيي‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬الأطلسي‭ ‬ذكريات‭ ‬تعبق‭ ‬بالولاء‭ ‬لآل‭ ‬البيت،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تسهل‭ ‬البيعة‭ ‬لصاحب‭ ‬الزمان‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ينوب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭. ‬وهاتيكم‭ ‬فتنة‭ ‬هوجاء‭ ‬نائمة،‭ ‬لعن‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أيقظها‭!‬

تونس‭ ‬الخضراء،‭ ‬مهد‭ ‬الربيع‭ ‬العربي،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كسالف‭ ‬عهدها‭ ‬تسر‭ ‬الناظرين،‭ ‬وديمقراطيتها‭ ‬الرائدة‭ ‬ارتدت‭ ‬عليها‭ ‬ديمقراطيا،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬بالأمس‭ ‬القريب‭ ‬رئيسا‭ ‬أصبح‭ ‬طريدا،‭ ‬ورئيس‭ ‬أعلى‭ ‬سلطة‭ ‬تشريعية‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬مقره‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬الدخول،‭ ‬وصرح‭ ‬مهيب‭ ‬كالبرلمان‭ ‬أضحى‭ ‬مهزلة‭ ‬حقيقية‭ ‬على‭ ‬المباشر‭ ‬بفعل‭ ‬امرأة‭ ‬مسترجلة‭ ‬وجندي‭ ‬مجهول‭. ‬ألا‭ ‬يجرؤ‭ ‬قادة‭ ‬الرأي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬البوح‭ ‬بأن‭ ‬طريق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬طريق‭ ‬مسدود؟

كنت‭ ‬أرقب‭ ‬بحزن‭ ‬حماسة‭ ‬بعض‭ ‬الأساتذة‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬الدين،‭ ‬وهم‭ ‬يتقدمون‭ ‬ساستهم‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الجهاد‭ ‬لافتكاك‭ ‬تندوف‭ ‬من‭ ‬الجارة‭ ‬الجزائر،‭ ‬ثم‭ ‬أقرأ‭ ‬ردود‭ ‬بعض‭ ‬إخوانهم‭ ‬من‭ ‬الجزائريين،‭ ‬ممن‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬سانحة‭ ‬يتزلف‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬سلطات‭ ‬البلاد،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬توعز‭ ‬إلى‭ ‬أغلبهم‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬ذلك‭ ‬المغربي،‭ ‬وجميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬وأولائك‭ ‬عازفون‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬قادة‭ ‬بلدانهم‭ ‬بأن‭ ‬الوحدة‭ ‬مقصد‭ ‬شرعي‭ ‬بين‭ ‬الأقطار‭ ‬التي‭ ‬فرقتها‭ ‬أيدي‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وأن‭ ‬الخصومة‭ ‬السياسية‭ ‬المنتهية‭ ‬بالمواجهة‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬دين‭ ‬الإسلام‭. ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الصحوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬هزليا‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬رضي‭ ‬به‭ ‬القادة‭ ‬المستبدون،‭ ‬وليتها‭ ‬كانت‭ ‬شخصيات‭ ‬مصنوعة‭ ‬على‭ ‬أعين‭ ‬المخابرات،‭ ‬تهوى‭  ‬تضليل‭ ‬الناس‭ ‬وإزعاجهم‭ ‬بموضع‭ ‬الأقدام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صلاة‭.‬

إنه‭ ‬قلما‭ ‬يقترن‭ ‬نشوء‭ ‬دولة‭ ‬أو‭ ‬أفولها‭ ‬بسلاسة‭ ‬سياسية،‭ ‬فأكثر‭ ‬الحالات‭ ‬تحدث‭ ‬بهزة‭ ‬عنيفة،‭ ‬لذلك‭ ‬يولي‭ ‬الزعماء‭ ‬جلّ‭ ‬عنايتهم‭ ‬بالعسكرة‭ ‬لا‭ ‬بالسياسة‭ ‬لتوطيد‭ ‬أركان‭ ‬الدولة،‭ ‬ويرتكز‭ ‬أغلبها‭ ‬باطنا‭ ‬على‭ ‬العصبية،‭ ‬وظاهرا‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المدنية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬العصبية‭ ‬العلوية‭ ‬بالمغرب‭ ‬وبمثيلتها‭ ‬الشاوية‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭. ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬المغاربية‭ ‬اليوم‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬عصبيات‭ ‬له‭ ‬امتدادات‭ ‬دولية،‭ ‬ينذر‭ ‬بتضعضع‭ ‬هذه‭ ‬الكيانات‭ ‬في‭ ‬قابل‭ ‬الأيام‭ ‬والسنوات‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬لنهب‭ ‬ما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ثروات‭.‬

لا‭ ‬تمنعنّ‭ ‬صراعات‭ ‬دموية‭ ‬سجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬بين‭ ‬الأدارسة‭ ‬وبين‭ ‬جيرانهم‭ ‬الفاطميين،‭ ‬ولا‭ ‬يحولنّ‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬اقتتال‭ ‬بين‭ ‬المرينيين‭ ‬وبني‭ ‬عبد‭ ‬الواد‭- ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬إفريقية‭- ‬من‭ ‬أن‭ ‬نستذكر‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬المرابطون‭ ‬والموحدون‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي‭. ‬إن‭ ‬أجلّ‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬هؤلاء‭ ‬السادة‭ ‬أن‭ ‬وحدوا‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬الطاهرة‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬واحدة،‭ ‬وأقاموا‭ ‬العدل‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬قرونا‭ ‬مديدة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬ذكرياتها‭ ‬تروي‭ ‬للأجيال‭ ‬المتعاقبة‭ ‬مآثر‭ ‬حميدة‭.‬

يحب‭ ‬أن‭ ‬تجتمع‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬خيوط‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬كل‭ ‬محترف‭ ‬أعطى‭ ‬السياسة‭ ‬كل‭ ‬عمره،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استدارت‭ ‬العيون‭ ‬نحوه‭ ‬تسأله‭ ‬مخرجا‭ ‬من‭ ‬أزمة،‭ ‬فيشخّص‭ ‬الحالة‭ ‬بأنها‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬والحل‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬سياسيا،‭ ‬ثم‭ ‬يقترح‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أقطابها‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬للسياسيين‭ ‬عبرة،‭ ‬وأي‭ ‬عبرة‭! ‬فما‭ ‬رأى‭ ‬الموحدون‭ ‬ولا‭ ‬المرابطون،‭ ‬ومن‭ ‬كان‭ ‬قبلهم‭ ‬من‭ ‬الأمويين‭ ‬والعباسيين،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬جاء‭ ‬بعدهم‭ ‬من‭ ‬العثمانيين،‭ ‬بأن‭ ‬الأمة‭ ‬تحتاج‭ ‬إصلاحا‭ ‬سياسيا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬فساد‭ ‬السياسة‭ ‬عرض‭ ‬لأزمة‭ ‬أبعد‭ ‬غورا،‭ ‬تمس‭ ‬الأخلاق‭ ‬والتفكير‭ ‬في‭ ‬الصميم‭.‬

لذلكم‭ ‬يحسن‭ ‬بالساسة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬الإسلامي،‭ ‬أدناه‭ ‬وأوسطه‭ ‬وأقصاه،‭ ‬أن‭ ‬يفزعوا‭ ‬إلى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ويستنطقوه‭- ‬وهو‭ ‬الناطق‭ ‬بالحق‭ ‬الذي‭ ‬آمن‭ ‬به‭ ‬المغاربة‭ ‬جميعا‭- ‬من‭ ‬خلال‭ ‬علمائه‭ ‬المستقلين،‭ ‬ذوي‭ ‬الأحلام‭ ‬والنهى،‭ ‬وسيجدون‭ ‬عندهم‭ ‬خير‭ ‬طريق‭ ‬يحفظ‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‭ ‬من‭ ‬ملك‭ ‬قد‭ ‬ينتزع‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭. ‬وأجلل‭ ‬بالطريق‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬يحدوهم‭ ‬فيه‭ ‬أعلم‭ ‬الناس،‭ ‬وأصلح‭ ‬الناس،‭ ‬الخبير‭ ‬بدروب‭ ‬السياسة‭ ‬والحياة‭! ‬وأكرم‭ ‬بحكمته،‭ ‬في‭ ‬الإدارة،‭ ‬إن‭ ‬استند‭ ‬في‭ ‬ملكه‭ ‬على‭ ‬سيفين‭ ‬مسلولين‭ ‬بعبث‭ ‬اليوم‭ ‬للاقتتال،‭ ‬شاوي‭ ‬عن‭ ‬اليمين‭ ‬وعلوي‭ ‬عن‭ ‬الشمال‭.‬

مشاركة