متمردة القدر
أعتقد أنك حامل بتوأم لأن جنينك كبير لدرجة اعتقادي إنه توأم ،ماذا ؟؟!!
نعم هذا ما اخبرك به الآن لذا اقول لك أن تستعدي جيدا .
بعد مضي اسبوعان كان من المفترض أن تنجب لكن يبدو أن ذلك الكائن لا يود ان يخرج للحياة الآن لم يكن مستعدا بعد و كأنه يعلم ما سيواجهه..
حان موعد ولادة تلك المرأة و قد تعذبت و عانت الكثير بحملها هذا فهي تحمل كائناً عنيداً لدرجة إنه تأخر على موعد خروجه لهذا العالم اسبوعين كاملين ، و لم يكن خروجه سهلا الا بإجراء عملية عذبت و آلمت والدته كثيرا .
ها هو يخرج ويلتقط انفاسه الاولى في هذا العالم و يطلق اولى صرخاته
لكن عيناه كانتا مفتوحتين لأنه تأخر على موعده المفترض لرؤية الحياة ،
إنه كبير و ظنه الاطباء توأما ؛ يا لسذاجتهم لا يعلمون كم يحب ان يكون فريدا و مميزا في كل شيئ فكيف ليسمح أن يكون من يشاركه يوم ولادته ، إنه يحب الانفراد لهذه الدرجة ، يا للجمال إنها فتاة و ذات عينان زرقاوين كبيرين مفتوحتان الى اقصاهما تنظر بدهشة الى من حولها تنظر الى هذا العالم الغريب و المثير للريبة تحاول ان تتعرف عليه ، ان تفهم غموضه و سلطته عليها التي ترفضها كثيرا فتمردت عليه فلم يعد يعنيها ، إنها مزاجية للغاية ، تحصل على ما تريد ولو بعد حين ، تستقتل من اجل احلامها حتى وإن كلفها ذلك حياتها ، فهي لا تعرف المستحيل ولا الاستسلام و لا فوات الأوان ، وذلك الوجه الطفولي الممتلئ بالبراءة وعيناها اللتان سطا لون البحر عليهما التائهتان و الغارقتان بخيبات الحياة و ابتسامتها خاطفة القلوب وباهرة العيون ، لكنهم لم يلاحظوا الشقوق الحمراء التي شقت طريقها في عينيها ولم يتمكنوا من قراءة حزنهما و مللهما من تلك المشاهد المكررة للحياة وهالات الظلام التي التفت حولهما.
فهي غامضة للغاية وخادعة لاولئك الذين يرونها، تعلم جيدا كيفية اخفاء كل تلك المظاهر التي تعري ما تشعر به وما إن تخرج حتى تبدأ بإطلاق سراح ضحكاتها و تخفي تلك الشقوق الحمراء في عينيها وذلك الظلام الذي اعلن سطوته حول عينيها تطلق عليه ذلك البياض الذي يخفيه ويحطمه مؤقتا ، توقف كل ما يحزنها ويكسرها فتخرج فتاة كأنها لم تبك ولم تعان بحياتها مطلقا ، فتاة قوية لا تعلم ما هي الخيبات فهي تتطاول عليها وتمضي قدما ، إنها ماكرة ماهرة وتتقن جيدا لعبة اخفاء ضعفها لم يتمكن احد منها فكل ما يرونه سعادتها فقط لم يعلموا بتلك الليالي التي قضتها بكاء و تضرعا لرب السماء لكي يبقيها قوية و تقف بوجه الحياة مجددا ، وتلك الايام التي قضتها في فراشها مضربة عن الطعام ووجها الذي اقتحمه الشحوب ؛ وقلبها المحطم من شدة قسوة الحياة التي صفعتها بأعنف ما لديها واسمة خدوشها على قلبها المتعب من شدة الصدمات ؛ لكنها تمردت عليها ومحتها من على وجهها تاركة للجميع ظن فرحها المكابر والمزيف تدعس على حزنها امام الملأ فيعاقبها عند خلوتها منتقما منها ، خلف صدى ضحكاتها صراخ يدوي جوفها يمزقه فينزل سيل حزن ملتهب يعكس حرارته على وجهها فيشتعل احمرارا وحرارة وقلبها المسكين يعتل الما ؛ تدفن حزنها عند خروجها ويدفنها عند عودتها ويمارس سطوته عليها حتى يغلب عليها النعاس وعلى حافة عينيها آثار دموع شقت طريقها أذن لها الحزن ذلك.
وضعت اقفالاً وقيوداً على غموضها ولم تدع احداً ما بدخول تلك المملكة الا ان كان يعلم ما هي قوانينها ؛ فهي متاهة و سرب اسرار لا نهائي تمارس لعبتها المقامرة فهي تخفي كل اوراقها وبعد ان ظن الجميع بهزيمتها تلقي بأوراقها صفقة واحدة لتصيبهم بصدمة فوزها تاركتهم في خذلانهم وتاركة لنفسها التلذذ بتعابير وجوههم تلك التي رسمتها طويلة في سيناريو لعبتها اللغز التي اثارتهم كثيرا لكنها لم تكشف عنها الا في موعدها المعهود ، تنفست هواء الانتصار الذي لم تذقه منذ فترة طويلة فدللت رئتيها بذلك الاوكسجين الذي هجرها طويلا وابتسامة وضحكة حقيقة غير مزيفة تفتح صدرها داعية سعادة العالم تدخل اليه بعد ان أصفدت عليه ابواب زنزانة الأسى وفرح قد زارها بعد مقاطعة طويلة معها داعيا لها التحليق فيه و معانقته واستنشاق رائحته التي اشتاقتها كثيرا ، وصفق لها القدر بعد أن اجتازت اختباره المرهق و المضني لها ، فها هي تستحق سعادة العالم الذي أشاح بنظره عنها وادار ظهره مكتف يديه غير مبال بها ، كافأها القدر لصمودها الطويل و صبرها المعتق الذي ارتدته لتعبر به برودة الايام ، فبارزته واعتنقت عنادها الذي تملكها منذ ان خرجت من رحم امها ، فأثارته قوتها التي فاقت سنها فما كان منه الا ان يمنحها ما تمنته طويلا أثر خوضها منازلته التي تركت ندوبها في عمقها المرهق و لكنها انتصرت رغم ذلك القتال الدامي ، فأبتسم لها القدر ووضع في يديها جائزتها التي انتظرتها منه و ابتسمت هي مبادلة ابتسامته الفخورة بها فقد كان معلما قاسيا ورغم ذلك علمها الكثير و ترك اثرا فيها لن تغبره السنين ..
إباء الوكاع – بغداد