مبدأ الأجر مقابل العمل ـ هشام ملاطي

مبدأ الأجر مقابل العمل ـ هشام ملاطي
أثير في الآونة الأخيرة على الساحة القانونية المغربية نقاش هام حول مدى قانونية اقتطاع أجور موظفي القطاع العام المضربين عن العمل تأسيسا على مبدأ الأجر مقابل العمل ، بين اتجاه أول يؤكد قانونية الاقتطاع على أساس المبدأ المذكور الذي لا يقتصر ــ حسب رأيهم ــ على العلاقة الشغلية لوحدها بل يتعداها الى علاقة الموظف بالادارة.
1 ــ واتجاه ثان يرفض تطبيق مبدأ الأجر مقابل العمل على علاقة الموظف بالادارة باعتبارها علاقة نظامية لا تعاقدية تحكمها مبادئ القانون العام.
2 ــ وفي خضم هذا النقاش القانوني المطروح وبعيدا عن الجدل الفقهي والقضائي الذي عرفته مسألة تحديد طبيعة العلاقة التي تجمع الموظف بالادارة على خلاف ما عرفته مسألة تحديد طبيعة العلاقة الشغلية .
3 ــ من علاقة تعاقدية في اطار القانون الخاص الى علاقة عقد في نطاق القانون العام ثم الى علاقة نظامية4، يمكن القول على أن مبدأ الأجر مقابل العمل . يعتبر من الناحية القانونية محــل التزام لكل علاقة قانونية بين طرفين مهما كانت طبيعتها تعاقدية أو نظامية…. يلتزم بموجبها مقدم الخدمة بأداء العمل المتفق عليه مقابل التزام طالب الخدمة بدفع المقابل له، وأن تعليق مقدم الخدمة التزامه بتقديم العمل أثناء الاضراب يترتب عنه حق طالب الخدمة بدوره في ايقاف التزامه بدفع الأجر المقابل للمدة التي توقف فيها مقدم الخدمة المضرب على اعتبار أن الأجر هو الالتزام المقابل للالتزام بالعمل.
وما يبرر أن الأجر يؤدى مقابل مزاولة العمل العمل المنجز كمبدأ عام في جميع العلاقات تعاقدية كانت أم نظامية، لجوء المشرع الى تأكيد المبدأ سواء في اطار الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر بتاريخ 24 فبراير 1958 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الفصول 15 و17 و26 مكرر أو ضمن أحكام المرسوم الملكي عدد 330ــ66 بتاريخ 12»04»1967 بشأن النظام العام للمحاسبة العمومية الفصل 41 ، أو في اطار القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل المادتان 6 و32 أو في ظهير الالتزامات والعقـود الفصل723 ، مع وضع بعض الاستثناءات على سبيل الحصر يؤدى فيها الأجر رغم عدم القيام بالعمل سواء في علاقة الموظف مع الادارة أو في اطار علاقة الأجير مع المؤاجر لم تــرد ضمنها حالــة الاضراب5، و ذلك في الحالات الآتية
ــ في اطار قانون الوظيفة العمومية يستفيد الموظفون من الأجر رغم عدم قيامهم بالعمل وفق شروط وضوابط حددها القانون في الحالات الآتية
ــ الرخص لأسباب صحية الفصل 39 .؛
ــ الرخصة السنوية الفصل 40 .
ــ الرخص الاستثنائية أو حالات الاذن بالتغيب الفصل 41 ؛
ــ المرض المثبت بصفة قانونية الفصل 42 .
ــ رخصة الولادة الفصل 46 .
ــ حالة الموظف المستفيد من التفرغ النقابي الفصل 46 مكرر ثلاث مرات ؛
ــ حالة الموظف الذي تعذر اعادة ادماجه من طرف ادارته الأصلية بعد قضائه فترة الالحاق بادارة أخرى الفصل 51 .
ــ الموظف المقرر توقيفه مع الاحتفاظ بمرتبه كاملا أو بعد الاقتطاع منه الفصل 73 .
ــ في اطار قانون الشغل يستفيد الأجراء من الأجر رغم عدم قيامهم بالعمل وفق شروط وضوابط حددها القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل في الحالات الآتية
ــ مدة تغيب الأجير للبحث عن شغل آخر أثناء أجل الاخطار المادة 48 ؛
ــ استراحة الوضع الخاصة بالأم الأجيرة المادة 161 ؛
ــ العطلة السنوية المؤدى عنها المادة 231 ؛
ــ الراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها وفي العطل المواد من217 الى230 ؛
ــ الاجازة بمناسبة الولادة المادة 270 ؛
ــ الغياب بسبب المرض المهني أو حادثة الشغل المادة 273 ؛
ــ التغيبات بسبب أحداث عائلية كالزواج والوفاة والختان والعملية الجراحية، أو لاجتياز امتحان أو لقضاء تدريب رياضي أو وطني، أو للمشاركة في مباراة رسمية دولية أو وطنية المواد 274 و275 و276 ؛
ــ فترة غياب مندوبي الأجراء لأداء مهامهم داخل المؤسسة أو خارجها المادة 456 ؛
ــ فترة غياب الممثلين النقابيين لأداء مهامهم المادة 472 .
و من خلال ما تم توضيحه أعلاه يتبين أن المشرع أكد مبدأ الأجر مقابل العمل كقاعدة أساسية لجميع العلاقات القانونية تعاقدية كانت أم نظامية أو ذات طبيعة خاصة، مع وضع استثناءات حصرية يؤدى عنها الأجر في غياب العمل المقابل اقتضتها دوافع صحية أو اجتماعية أو تمثيلية أو ادارية لمقدمي الخدمات أجراء كانوا أم موظفيــن لا تدخل ضمن زمرتها الغياب بسبب الاضراب7، اذ يتحمل مقدم الخدمة الأجير والموظف تبعات اضرابه تضحية للتعبير عن مطالبه ولا يمكن للخزينة العامة للدولة أن تتحمل ذلك، وهو ما أكده القضاء الاداري المغربي في أحد أحكامه حينما أشار الى أن وحيث انه طالما أن الطاعن تغيب عن العمل طيلة يومي 28 و29 دجنبر 2005 للسبب المشار اليه أعلاه فان من حق الادارة حرمانه من المرتب عن الفترة المذكورة احتكاما لضوابط الفصل 41 من مرسوم 67 المتعلق بالمحاسبة العمومية الذي ينص بكون الأداء هو العمل الذي تبرئ به المنظمة العمومية ذمتها من الدين ولا يمكن تنفيذ هذا الأداء قبل تنفيذ العمل. 8
هذا، وقد أكد القضاء المغربي في عدة مناسبات مبدأ العمل مقابل الأجر في مجال الوظيفة العمومية أسوة بمجال العلاقة الشغلية9 من خلال قرارات متواترة نذكر من جملتها الأحكام والقرارات القضائية التالية10
ــ وحيث ان عقد التوظيف هو اتفاقية تجعل الموظف في وضعية نظامية تجاه الادارة يضع بمقتضاها الموظف نشاطه في خدمة الادارة التي تكون لها السلطة القانونية عليه وتؤدي له مرتبا مقابل تفرغه للعمل لديها.
وأنه تفريعا عن ذلك، فإن من واجب الموظف أداء عمله بنفسه وبدقة وأمانة واخلاص ودون اهمال أو تقصير أو تماطل لتأمين حسن سير المرفق العام وانتظامه ورعاية لحقوق ومصالح المواطنين.
1 ــ تمثله بالأساس الحكومة.
2 ــ انظر على سبيل المثال بخصوص أنصار هذا الاتجاه، عبد العزيز العتيقي الاقتطاع من أجور موظفي العدل خارج التغطية المشروعة ، جريدة الاتحاد الاشتراكي 06 و07 نونبر 2012 العدد 10.238.
3 ــ نظرا لطبيعة العلاقة غير المتوازنة بين الأجير والمؤاجر أصبحت العلاقة الشغلية تتخذ صبغة خاصة بفعل تدخــل المشرع بشكل كبير في تنظيم كافة جوانبها وتضييق حرية التعاقد من خلال تطبيق أحكام مدونة الشغل بالأولوية مع مراعاة الأنظمة الأساسية وعقد الشغل واتفاقيات الشغل الجماعية والعرف، وهو ما يستشف من مقتضيات المادة 11 من مدونــة الشغل التي نصت على أنه لا تحول أحكام هذا القانون دون تطبيق مقتضيات الأنظمة الأساسية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، أو ما جرى عليه العرف من أحكام أكثر فائدة للأجراء .
4 ــ يراجع بشأن الجدل الذي عرفته مسألة تحديد طبيعة العلاقة بين الموظف والادارة
ــ محمد حامد الجمل الموظف العام فقها وقضاء ، دار الفكر الحديث للطبع والنشر، الطبعة الأولى 1958م، ص72.
ــ عبد القادر بايــنة الموظفون العموميون في المغرب النظام الأساسي العام ، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى 2002، ص 33 وما يليها.
5 ــ على خلاف قانون الوظيفة العمومية نصت مقتضيات المادة 32 من مدونة الشغل صراحة على أن مدة الاضراب تؤدي الى التوقف المؤقت لعقد الشغل.
6 ــ يمكن للموظف الحصول على رخص بدون أجر مرة واحدة كل سنتين لا تتعدى شهرا واحدا غير قابل للتقسيط الفصل 46 مكرر من قانون الوظيفة العمومية .
7 ــ تجدر الاشارة الى أن لجنة الحريات النقابية في مجلس ادارة منظمة العمل الدولية سبق أن أكدت مبدأ العمل مقابل الأجر حينما أقرت شرعية الاقتطاع من الأجور أيام الاضراب، ونصت على أن ذلك لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية، يراجع التقرير 230، القضية 1171، الفقرة 170، والتقرير 297، القضية 1770، الفقرة 73 الحريات النقابية موجز المبادئ والقرارات الصادرة عن لجنة الحريات النقابية في مجلس ادارة منظمة العمل الدولية، مكتب العمل الدولي بجنيف، طبعة 1996. الصفحة 170 . 8 حكم المحكمة الادارية رقم 918 بتاريخ 29»11»2006 في اللف عدد 286 غ »2006، منشور بالمؤلف المنجز على اثر أشغال الندوة العلمية المنعقدة بجامعة القاضي عياض بمراكش بتاريخ 28 »02» 2009 حول موضوع الاضراب والاغلاق بين التقييد والاطلاق، سلسلة الندوات والأيام الدراسية ــ العدد 29، المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات بمراكش 2010، الصفحة 51؛9 أكد القضاء المغربي في عدة مناسبات مبدأ العمل مقابل الأجر في العلاقة الشغلية، ونذكر على سبيل المثال قرار محكمة النقض رقم 1581 الصادر بتاريخ 10 يونيو 1991 في الملف الاجتماعي عدد 1»5»2003»124، الذي ورد فيه ما يلي اغلاق المؤسسة بسبب الاضراب يجعل الأجير غير مستحق للأجرة لكونها لا تؤدى الا عن العمــل الفعلي ، منشور بموقع البوابة القانونية والقضائية لوزارة العدل والحريات عدالة . http://adala.justice.gov.ma/AR/Recherche.aspx .
يراجع في نفس الاتجاه قرار محكمة النقض رقم 259 الصادر بتاريخ 11 مارس 1985، منشور بالمجلة المغربية للقانون، العدد 5 نونبرــ دجنبر 1986 الصفحة 273.
ولمزيد من الاطلاع حول مفهوم الأجر في العلاقة الشغلية والضمانات المقررة له وحالات الاقتطاع، يراجع
ــ Protection du salaire : normes et garanties relatives au paiement de la r mun ration des travailleurs , conf rence internationale de travail 91e session 2003. p 212 et Sv.
10 لمزيد من الاطلاع حول توجهات العمل القضائي المغربي في الموضوع، يراجع
ــ حميد ولد البلاد توجهات القضاء الاداري حول الاضراب في الوظيفة العمومية ، المجلة المغربية للادارة والتنمية، العدد 48 ــ 85 يناير وأبريل 2009، الصفحة 63 وما يليها؛
ــ محمد مومــن حق الاضراب في الاجتهاد القضائي المغربي ، مقالة قدمت بمناسبة الندوة العلمية بجامعة القاضي عياض بمراكش بتاريخ 28 »02» 2009 حول موضوع الاضراب والاغلاق بين التقييد والاطلاق، المرجع السابق، الصفحة 17 وما يليها؛
ــ محمد محروك الاطار القانوني لممارسة الاضراب بالقطاع العام ومدى شرعية الاقتطاع من الراتب ، مقالة قدمت بمناسبة الندوة العلمية بجامعة القاضي عياض بمراكش بتاريخ 28 »02» 2009 حول موضوع الاضراب والاغلاق بين التقييد والاطلاق، المرجع السابق، الصفحة 381.
AZP07

مشاركة