مبادرة العبادي ..مناورة سياسية أم عرض جاد؟ – مقالات – كوفند شيرواني

مبادرة العبادي ..مناورة سياسية أم عرض جاد؟ – مقالات – كوفند شيرواني

تشهد الازمة النفطية بين الحكومة الفدرالية العراقية وحكومة اقليم كوردستان (شمال العراق) فصولا ومشاهد جديدة بين الفينة والاخرى, وفي كل فصل تتقدم خطوة نحو الأمام ثم تتقهقر خطوات الى الخلف . وهكذا  تستمر الازمة التي صارت عصية على الانفراج شأنها شأن أزمات العراق الاخرى .الفصل الأخير من الأزمة بدأ في مقابلة مع قناة العراقية يوم 15/2/2016 ، تقدم فيها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بمقترح الى حكومة الاقليم يعرض فيه استعداده لدفع رواتب موظفي الاقليم اذا قامت  حكومة الاقليم بتسليم كامل انتاجه النفطي البالغ 600 الف برميل يوميا الى الحكومة الاتحادية (المركزية) ليتم تسويقها عن طريق شركة سومو المرتبطة بوزارة النفط في بغداد.هذه المبادرة تلقت الرد سريعا , ففي اليوم التالي , يوم 16/2/2016   تحديدا, أعلنت حكومة الاقليم في بيان رسمي موافقتها على مقترح العبادي وأبدت استعدادها لتسليم النفط المنتج من قبلها في حال قيام المركز بتسديد رواتب مليون و400 الف موظف في الاقليم , تبلغ مجموع رواتبهم 890 مليار دينار (تعادل 740 مليون دولار)  منها 336  مليار دينار رواتب قوات البيشمركة (حرس الحدود) . ثم جاء تأييد هذا البيان في اليوم ذاته على لسان السيد قباد الطالباني نائب رئيس حكومة الاقليم . وعلى الرغم من قبول المبادرة, فان البيان أعرب عن استغراب حكومة الاقليم لتقديم المبادرة من خلال مقابلة تلفزيونية وعدم تقديمها من خلال القنوات الرسمية أو اثناء زيارة رئيس وزراء الاقليم نيجيرفان بارزاني الى بغداد في الشهر الفائت , أو خلال مقابلة العبادي للسيد مسعود البارزاني رئيس الأقليم على هامش مؤتمر الامن الذي عقد في ميونيخ بالمانيا في بداية شهر شباط الحالي. البيان في الوقت ذاته نوه الى أحتمال ان يكون المقترح (أو المبادرة)  ليست الا مناورة سياسية وليس عرضاً جادا. هذا التوصيف للمبادرة تكرر لاحقاً على لسان عضوا البرلمان العراقي (خسرو كوران) الذي أعتبر المقترح رسالة سياسية تخلو من الجدية ولن تتحقق على أرض الواقع .وفي يوم 20/2/2016 وخلال تضيف البرلمان لرئيس الوزراء, تحدث السيد العبادي حول الشأن النفطي والأقتصادي, وصرح بأن انخفاض أسعار النفط تدعو الى خفض النفقات العامة والى البحث على موارد اخرى عدا ألنفط الذي تستمر اسعاره بالهبوط , وأقر في الآن ذاته ان الحكومة العراقية أرسلت في الفترات السابقة فقط 50% من استحقاقات الاقليم المالية اعتمادا مايتوفر من نقود الموازنة العامة. وبين السيد العبادي كذلك عن عدم وجود نية لعقد اتفاق نفطي جديد مع الاقليم (مماثل لاتفاق شهر كانون الاول عام 2014   )، الا أنه أبدى استعداده للعمل بموجب قانون موازنة العام 2016 والذي ينص على قيام الاقليم بتسليم 550  الف برميل من النفط يوميا مقابل الحصول على 17  بالمئة من النفقات الفعلية ( وليس من الموازنة العامة كما ينص قانون الموازنة !! ). واللافت للنظر, أن المقترحين المقدمين من قبل العبادي في 15/2  و20/2  يتضمنان أعباء مالية متباينة على حكومة المركز !! فالاول يكلفها قرابة 350 مليون دولار, بينما الثاني كلفته حوال مليار دولار شهريا . والملاحظة الثانية أن هاتين المبادرتين أو العرضين بينهما فاصلة زمينة قصيرة (خمسة ايام فقط) !! هذا الأمر يطرح تساؤلات عدة , أهمها ما الذي حصل أو تغير خلال هذه الفترة القصيرة ؟يضاف الى ذلك البون الشاسع بين (الاستعداد للتطبيق) و(القدرة على التطبيق) لأية مبادرة تخص أي شأن نفطيا كان أو غيره . يبرز تسائل آخر هل تتوفر هاتان الركيزتان لأنجاح  المبادرات في كل من بغداد و أربيل؟ أن التحليل المتأني لكل هذه  الجوانب سيرجح الرأي القائل بان جميع هذه المبادرات  (وربما الردود عليها كذلك) هي رسائل سياسية الى حد كبير أكثر منها مشاريع مدونة بتفاصيل وأرقام ومعلومات فنية لاتنقصها الدقة. هذا المنحى في التفكير (قد لا يجمع عليه المراقبون) هو ترجمة لجملة من الملاحظات :

1-   تاتي المبادرات كلها في فترة تكثفت فيها مساعي رئاسة الاقليم لتنظيم استفتاء عام حول تقرير المصير في الاقليم ، ربما يتبعه بفترة قصيرة (أوطويلة ) اعلان الاستقلال (أو الانفصال) , وبالتالي فأن هذه المبادرات (وماسيعقبها ربما) تمثل الجزرة التي قد تثني الاقليم الذي يمر بازمة مالية واقتصادية عن هذه التوجهات وتظهر له فوائد البقاء ضمن العراق الموحد .

2-   الوضع المالي -الاقتصادي في العراق ربما لايتسم بالقوة الكافية لتحمل اعباء مالية اضافية في ظل موازنة تعاني عجزا” قدره 30 مليار دولار اً, كونها احتسبت على اساس سعر 45  دولار لبرميل النفط ، فيما سعره الحالي بحدود 30 دولاراً !!. يضاف الى ذلك الاعباء المالية للمواجهة العسكرية ضد داعش على جبهات مترامية الأطراف في غرب العراق وشماله .وقد أكد هذا الأمر مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي ،الذي أفاد ان الاوضاع المالية ليست جيدة الى الحد الذي يمكن الحكومة الاتحادية من تسديد رواتب الاقليم .

3-   والوضع المالي الصعب (في الاقليم والمركز) وصل الى مستويات لايمكن اخفاؤها أوالتقليل من شانها , وقد افاد عضو في لجنة النزاهة في البرلمان العراقي ان رئاسة الوزراء سحبت مبالغ من الاحتياطي النقدي تقارب 33 مليار دولار من اجل تسديد الرواتب ، وان المتبقى من الأحتياطي  لايتجاوز 47  مليار دولار حاليا” !  وهذا الاجراء يماثل ما أنتهجته حكومة المالكي السابقة تجاه الاحتياطي النقدي الذي يفترض بموجب القانون أن يسخر كغطاء وحماية للعملة الوطنية (الدينار) وأن يعزز باستمرار من فائض عائدات الدولة وليس العكس.

4-   اتخذت الحكومة المركزية عدة اجراءات أهمها :عدم تسديد المستحقات المالية لمزارعي الحبوب من الاقليم لموسمين زراعيين 2014- 2015 والبالغة 768 مليار دينار , وفرض حظر على استيراد اللحوم والدواجن من الاقليم بحجج منها التشكيك بوجود خلط للحبوب المحلية مع حبوب هولندية مستوردة ، ووجود اصابات مرضية في بعض حقول الدواجن في الاقليم . اضافة الى تهميش دور الكورد في المؤسسات العسكرية والامنية (وربما في الوزارات الاخرى). كل تلك الأجراءات يمكن تفسيرها كرسائل سياسية تفصح عن ضغط متزايد تمارسه الحكومة الاتحادية على الاقليم ، الامر الذي يرجح أن تكون مبادرة مقايضة النفط بالرواتب التي أطلقها السيد العبادي تقع ضمن السياق (النهج) ذاته !

يتفق الكثير من المتابعين والمحللين للشأن العراقي ان العلاقة بين الاقليم والمركز قد تصدعت بما فيه الكفاية وأضعفت الثقة بينهما ، فيما يرى بعضهم أن الفرصة لاتزال سانحة (ولمصلحة الطرفين) لرأب التصدع في العلاقات من خلال اتفاق مستقر وعادل وواضح لايقبل التفسيرات المتبانية لتنظيم العلاقة النفطية- المالية بينهما، ويحول دون تأزم وتاثر الملفات الاخرى العالقة (ملف البيشمركة والتسليح , المادة 140من الدستور).المتفائلون في هذا الوطن (ولعلهم قلة) , يرون ان الوشائج والروابط التي تربط المواطن الكوردي (في الاقليم) وأخاه العربي في الوسط والجنوب يجب ان تبقى علاقة أخوة طيبة (وان كتب لها ان تصبح لها تصبح جيرة طيبة مستقبلا”) وأن لاتعكر صفوها حسابات الربح والخسارة في موازين الساسة ورجال المال والاقتصاد، والأهم من ذلك ان لايلوثها هذا الضيف الطارئ الأسود الذي اسمه النفط مهما أرتفع سعره أو انخفض .

مشاركة