ما العلاقة بين الخادمة والشروكي وأسكتلندا ؟ – منقذ داغر

ما العلاقة بين الخادمة والشروكي وأسكتلندا ؟ – منقذ داغر

ضج الأعلام العراقي ومواقع التواصل الأجتماعي مؤخراً بنقاش حاد وردود أفعال شديدة تجاه أكثر من حدث كان يمكن أن تمرّ بشكل أقل حدة في مجتمعات أخرى. كانت أحدى الكاتبات الكويتيات بطلة الحدث الأول أذ تضمن المسلسل الرمضاني الذي كتبته شخصية”عراقية” مفترضة تجبرها الظروف على العمل كخادمة لدى طلاب “خليجيين” يدرسون في لندن. أما بطل الحدث الثاني فكان مسلسل رمضاني آخر قيل أن فيه أستهزاء من الشخصية “الجنوبية-الشروكية”. وكان رئيس وزراء أسكتلندا الجديد هو بطل الحدث الثالث أذ عُدّ فوز “مسلم” بهذا المنصب الرفيع أنجاز”تاريخي” للأسلام وضربة كبرى لأعداءه!! لم يرَ سوى قلة بأن ما كتبته الكاتبة الكويتية يمكن أن يكون  حدث متخيل غير واقعي يُرمز به لشيء آخر ومختلف عن التفسير السلبي الشائع  كما صرحت الكاتبة بنفسها عن ذلك! بل لم يفكر سوى قلة أن كثير من المتميزين أكاديمياً وعلمياً وأقتصادياً وسياسياً سبق وعملوا كخدم في المطاعم أو أماكن أخرى،بل وفي مهن أقل أحتراماً” من حيث العرف الأجتماعي السائد” أثناء دراستهم لكي يتمكنوا من تغطية كلفهم الدراسية ويجنبون أهلهم-كما يفعل معظم الطلبة- أعباء مالية قد لا يطيقونها.وكم أفتخرنا بنساء ورجال ناجحين تمكنوا من التخرج من أرقى الجامعات في العالم وصاروا أيقونات في مجالات تخصصهم بعد أن كانوا “وأهلهم” لا يمتلكون قوت يومهم فأضطروا للعمل بشتى الوظائف كي ينجحوا في حياتهم! وعلى الرغم من عدم تأكدي من المقاصد الدفينة للكاتبة ،الا أن ما لفت أنتباهي أن غالبية المعلقين في وسائل الاعلام والتواصل لم يجدوا في شخصية الخادمة العراقية سوى أهانة “جماعية” للعراق ومجتمعه وثقافته وكرامته وليس تجسيد لقيم الجد والعمل الشريف والكفاح والمثابرة مثلاً!

انسياق للمؤامرة

نفس التفسير المسيء للثقافة الأجتماعية وجدناه حاضر في تفكيك مضامين العمل الدرامي الرمضاني الذي أثار حفيظة حتى بعض “السياسيين” و “ممثلي العشائر” ممن رأوا فيه أساءة لشخصية العراقي “الجنوبي” مع أن معظم المشاركين في العمل،كما يبدو،هم من الجنوب. الغالبية أنساقت للمؤامرة في تفسيرها “الجماعي” للمسلسل الذي تم أيقافه! لم ينتبه ويعترض كثيرون للتفاهة التي تملأ الدراما العراقية والأساءات الموجودة فيها لكثير من شرائح المجتمع وفي مقدمتهم المرأة والطفل وسواهم لكنهم ركزوا على الأساءة لشخصية جماعية نمطية ولم يفكر هؤلاء أن مثل هذه الشخصية قد لا تمثل سوى شخص فرد وليس جماعة أو مجموعة ثقافية كاملة. جماعية التفسير والتأويل والتنميط والأستنتاج هو ما يشخص معظم تفسيراتنا للظواهر الأجتماعية وهذا جزء من الثقافة الأجتماعية في العراق وفي كل المجتمعات المشابهة. مقابل هذا التفسير “المؤامراتي” المسيء “للجماعة” في المسلسلين السابقين، برز تأويل “جماعي” آخر لكنه أيجابي وفخور لتسنم أسكوتلندي “مسلم” لرئاسة الوزراء هناك وأمتلأ الأعلام العراقي بهذا الفتح المبين الذي أحرزه الأسلام على الكفر،والثقافة الأجتماعية المسلمة على الثقافة الأجتماعية الغربية الفاسدة والمتحللة. حتى أن صورة “البريطاني”حمزة يوسف وهو يؤم أسرته في الصلاة ما فتأت تطالعنا ليل نهار في وسائل أعلامنا منذ أيام. لم يتحدث سوى قلة ،مثلاً،عن عدالة وتسامح النظام السياسي-الأجتماعي هناك،ولا عن تصويت الناخبين الأسكتلنديين لمرشح مسلم يختلف عنهم دينياً ،ولا عن التعامل الأنساني للمجتمع الأسكتلندي مع الفرد كأنسان وليس كممثل لجماعة عرقية أو دينية،وأصرت الأغلبية عندنا على التفسير الجماعي الثقافي للظاهرة. فحمزة يوسف مثل الطالبة العراقية في لندن ومثل الفلاح الجنوبي في المسلسل يمثلون جماعة ولا يمثلون فرد بحسب نمط الثقافة الأجتماعية التي أسميتها في كتابي الأخير “المتصلبة”.

أن أهم مايميز الثقافات المتصلبة في العالم هو جماعية التفكير الذي يجعل الفرد جزء من جماعة وممثل لها وناطق بأسمها ويصعب علينا التفكير به ككيان مستقل بذاته. لذا حين يخطىء الفرد تنتقد الجماعة التي جرى تصنيفه بموجبها،وحين ينجز شيء فأن كل الجماعة تفتخر به وتعتقد أنه أنجاز لجماعتها. أن هذا ليس أنتقاداً لهذه الثقافة بل هو تفسير لكثير من الظواهر الأجتماعية والسياسية التي تناولتها في كتاب الثقافة الأجتماعية في العراق. فبحسب القياسات النفسية التي أجريت في أكثر من 60 دولة في العالم فأن الثقافة الأجتماعية العراقية هي الأشد تصلباً في العالم وذلك نتيجة ظروف أجتماعية وأقتصادية وسياسية وتاريخية كثيرة. وحتى الذين يفكرون فردياً في المجتمع لا يستطيعون سوى التصرف جماعياً كي لا يعاقبهم المجتمع. لذا كثيراً ما تجدنا نقوم بفعل،أو التظاهر، بفعل أشياء نحن لا نؤمن بها لمجرد أعتقادنا أن الجماعة أو المجتمع يريد منا ذلك،وهذا هو التفسير العلمي لما يعتقده البعض بأزدواج الشخصية العراقية. كما تكثر في مجتمعنا التفسيرات التنميطية التعميمية للسلوك الفردي فنقول “مو هذا شروكي أو معيدي،أو كوردي أو سني أو شيعي..الخ” وصعب أن  نتقبل فكرة السلوك الفردي،والشخصية المستقلة،والتفكير الشخصي المنفصل. لقد جرت تنشأتنا  وبرمجتنا أسرياً ومجتمعياً لكي تكون الجماعة ونظرة المجتمع هي الأهم. لذا نربي أولادنا ليكونوا معتمدين علينا لا مستقلين في تفكيرهم وسلوكهم. كما نهتم كثيراً بالضبط الخارجي،وليس الداخلي،لسلوكنا والأعتماد على الآخر،مهما كان مسمى ذلك الآخر، ليحدد لنا الأصلح لنا ولحياتنا ولمستقبلنا. أن للثقافة الجماعية كثير من المزايا والأيجابيات،لكنها في نفس الوقت تضع كثير من العبء على الأفراد وتقع في كثير من المطبات مثل التنميط أو الوصمة الأجتماعية، والطائفية، وعقلية القطيع،والمظهرية وسواها من الظواهر الأجتماعية التي نعاني منها. لذا فإن أقامة توازن بين أهمية الجماعة والفردانية هو أمر لا مفر منه لصحة الفرد والمجتمع.

مرشح مسلم

ما العلاقة بين الخادمة العراقية والشروكي وأسكتلندا؟ولا عن تصويت الناخبين الأسكتلنديين لمرشح مسلم يختلف عنهم دينياً ،ولا عن التعامل الأنساني للمجتمع الأسكتلندي مع الفرد كأنسان وليس كممثل لجماعة عرقية أو دينية،وأصرت الأغلبية عندنا على التفسير الجماعي الثقافي للظاهرة. فحمزة يوسف مثل الطالبة العراقية في لندن ومثل الفلاح الجنوبي في المسلسل يمثلون جماعة ولا يمثلون فرد بحسب نمط الثقافة الأجتماعية التي أسميتها في كتابي الأخير “المتصلبة”.

أن أهم مايميز الثقافات المتصلبة في العالم هو جماعية التفكير الذي يجعل الفرد جزء من جماعة وممثل لها وناطق بأسمها ويصعب علينا التفكير به ككيان مستقل بذاته. لذا حين يخطىء الفرد تنتقد الجماعة التي جرى تصنيفه بموجبها،وحين ينجز شيء فأن كل الجماعة تفتخر به وتعتقد أنه أنجاز لجماعتها. أن هذا ليس أنتقاداً لهذه الثقافة بل هو تفسير لكثير من الظواهر الأجتماعية والسياسية التي تناولتها في كتاب الثقافة الأجتماعية في العراق. فبحسب القياسات النفسية التي أجريت في أكثر من 60 دولة في العالم فأن الثقافة الأجتماعية العراقية هي الأشد تصلباً في العالم وذلك نتيجة ظروف أجتماعية وأقتصادية وسياسية وتاريخية كثيرة. وحتى الذين يفكرون فردياً في المجتمع لا يستطيعون سوى التصرف جماعياً كي لا يعاقبهم المجتمع. لذا كثيراً ما تجدنا نقوم بفعل،أو التظاهر، بفعل أشياء نحن لا نؤمن بها لمجرد أعتقادنا أن الجماعة أو المجتمع يريد منا ذلك،وهذا هو التفسير العلمي لما يعتقده البعض بأزدواج الشخصية العراقية. كما تكثر في مجتمعنا التفسيرات التنميطية التعميمية للسلوك الفردي فنقول “مو هذا شروكي أو معيدي،أو كوردي أو سني أو شيعي..الخ” وصعب أن  نتقبل فكرة السلوك الفردي،والشخصية المستقلة،والتفكير الشخصي المنفصل. لقد جرت تنشأتنا  وبرمجتنا أسرياً ومجتمعياً لكي تكون الجماعة ونظرة المجتمع هي الأهم. لذا نربي أولادنا ليكونوا معتمدين علينا لا مستقلين في تفكيرهم وسلوكهم. كما نهتم كثيراً بالضبط الخارجي،وليس الداخلي،لسلوكنا والأعتماد على الآخر،مهما كان مسمى ذلك الآخر، ليحدد لنا الأصلح لنا ولحياتنا ولمستقبلنا. أن للثقافة الجماعية كثير من المزايا والأيجابيات،لكنها في نفس الوقت تضع كثير من العبء على الأفراد وتقع في كثير من المطبات مثل التنميط أو الوصمة الأجتماعية، والطائفية، وعقلية القطيع،والمظهرية وسواها من الظواهر الأجتماعية التي نعاني منها. لذا فإن أقامة توازن بين أهمية الجماعة والفردانية هو أمر لا مفر منه لصحة الفرد والمجتمع.

مشاركة