ماذا قدمت الدهاليز لموتاها؟

عرض جلسة الاحتفائية

 

ماذا قدمت الدهاليز لموتاها؟

 

كريم جبار الناصري

 

 

حميد الربيعي قاص وروائي عراقي عاش في الغربة مذ عام 1979 متنقلا بين الكويت وبلاد المغرب العربي والنمسا وحط رحاله ثانية على ارض الوطن بعد 30 عاما من الغربة.

 

 وقد احتفى نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق يوم الأربعاء 4- 6 – 2014 بالروائي حميد الربيعي بمناسبة صدور روايته- دهاليز الموتى – أدار الجلسة الشاعر والإعلامي( عمر السراي) الذي بدا بالترحيب بالمحتفى به : ” قال اليوم نرفع راية لا تشير إلى السماء فقط بل ترفع إلى يوم غد، فالحياة لا طعم لها ألا بوجود الآداب والفنون، واليوم نتواعد- مع المعرفة – مع الروايات..حيث يشرق الروائي ليظهر المروي له.

 

وأضاف مدير الجلسة : اليوم نحتفي بكاتب أتقن لعبته القصصية والروائية وما يزال ينبض بالحياة..وقدم سيرة عن الروائي فهو-

 

عضو اتحاد الأدباء في العراق وعضو نقابة الصحفيين وقد غادر العراق عام 1979 إلى الكويت وعمل محرر لجريدة الوطن ومجلة الطليعة في الكويت، كتب أول قصة له عام 1976، عمل مسؤولا للبيت الثقافي في النمسا، ومن أعماله:

 

– تل الحرمل – مجموعة قصصية

 

–           سفر الثعابين – رواية عام 1987

 

–           تعالى وجع مالك- رواية 2010

 

–           جدد موته مرتين – رواية عام 2012

 

–           دهاليز الموتى – رواية عام 2014

 

وقدم مدير الجلسة الروائي حميد الربيعي، ليتحدث عن روايته فقال: ” كل الترحيب بالحضور وأنا سعيد جدا، لا أريد أن تكون احتفالية فقط بالرواية، بل بالسرد العراقي، الذي اخذ مساحته في الساحة العربية والعالمية.اكتب الرواية من اجل الفرد العراقي واعتقد ا ابذل أقصى جهد في هذا الإطار.

 

دهاليز الموتى استغرقت كتابتها 22 عاما، مذ غزو الكويت وهي موضوعة الرواية..وأنهيتها عام 2013 وقد قدم الروائي ورقة باسم – فصل خارج النص- قال فيها -إلى كفؤ البابلي، والدي،

 

بودي أعلامك إلى أني شكلت مع عمتي المنشدة، وجد، والعمة الأخرى، أنوار، النازلة من جبال الألب، فريق بحث لتقصي حكاياتك على ارض الواقع، فكتبنا عدة فصول، كلها تحت عنوان (ما حدث)، لقد زرنا أمكنة الحكايات، يبدو الفرق جليا بهذه المناطق، بما آلت  أليه من خراب.

 

في فصل زرت منطقة المهدية، في أثناء بحثي عمن صنع أول برغي في العراق، ذاك البرغي الذي نط إلى يافوخك وشكل قضية دولية، على أثرها أعلنت دولة الكويت استقلالها، لقد استعرت الجدات الثلاث الأتي صنعن البرغي من ( رواية سيرة ظل) بموافقة السيدة نضال القاضي.

 

 أيضا كتبت إلى الأستاذ جاسم عاصي في مدينة كربلاء، اسأله عن شخصية حمدان، المعلم الأول الذي عبر نهر الكارون هاربا من الخليفة العباسي، بسبب اعتراضه على بناء بغداد مدورة، والذي أدى إلى اختلاط قيم البداوة مع أهل الحضر، لقد دلنا جاسم عاصي على المصادر عن شخصية حمدان.

 

كذلك كتبت فصلا، تعقيبا على ذهابك، أنت وخلف الشطي والبحار، إلى الخليج، عندما وجدتم البحر مطوق بالدبابات، بعدما حصلت على آذن إسماعيل فهد إسماعيل، لأنك كما أخبرتني قد ماهيت شخصيته بشخصية خلف الشطي.

 

 هذه الفصول كتبت بسرد يختلف كليا عما ورد في الحكايات، إذ استعملت ثلاثة أزمنة للفعل في الجملة، بحيث اختلف زمن القص عن زمن الروي وكذلك عن زمن الحدث، التقنية مرهقة، لكنها جاءت سلسة، لقد وضعت الأفعال بصيغة المستقبل لتروي مشاهدات من الماضي أو توصف حركتنا، نحن فريق البحث.

 

لأكن أمينة وانقل لك ما يقال بخصوص ( دهاليزك )، احدهم وصفك بالساحر، معتبرا أن صهرك للتاريخ مع صور المخيلة كان ممتعا، بيد أني أرى بأنك قد تمثلت التاريخ بعدما جردته من وشائجه الاجتماعية فأعدت بناءه وفق مخيلة خصبة، تماثلت مع ذاتية الشخوص وكأننا لا نقرا التاريخ، كما وقعت أحداثه، بل انعكاس لانفعالات الشخصيات، فلم يعد هو الحدث العام، أنما أصبح جزءا من واقع متخيل، وان استعمالك للموروث الشعبي في هذا الإطار قد أمد إعادة أنتاج الواقع بنوع من النسق التصاعدي.

 

في أثناء تجوالنا، نحن فريق البحث، وجدت مدينة بغداد، وكنت أتحرق شوقا لرؤيتها، ليس كما وصفتها، فهي تبدو آيلة إلى الخراب، الإهمال يأخذ بتلابيبها وكأنها امرأة هرمة ومنسية، لكني وللحقيقة يجب القول في هذه المدينة شيء خلاب، ثمة رابط خفي يشدك دون أن تراه، فخلف أكوام القمامة ومناظر القبح تجد جمالا مستترا، تبصره العين الثقابة، في شوارعها وحاراتها وأزقتها ترى وشائج العلاقات تتسرب بهدوء تمسك بي وتشعرني بالألفة.

 

وللحضور كانت مداخلاتهم النقدية، ومنهم الأستاذ فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق الذي قدم كلمة عن منجز الروائي حميد الربيعي ” – حميد الربيعي يمتلك طريقة سردية، شعرت فعلا ادخل غابة متشابكة، يصعب علي الولوج فيها..وحميد في جميع رواياته يتجنب الخط المباشر، ولكنه مولع بالإيهام، ولهذا لايستطيع القارئ أن يدرك ذلك وهو يقص بمقص ذكي من المقاطع، للاسترسال بالكتابة.

 

ثم عرج الأستاذ فاضل على روايات المحتفى به، :فقال- ” هناك شخصيات غريبة ولديه رمزية في كشف ممارسات النظام الدكتاتوري، ولديه الغموض وقال أيضا نحتاج أن نكون واقعيين أكثر، وأنا أثق بقدراته السردية وبذكائه ووعيه، وأتوقع أن يكون له اسما في السردية..

 

القاص والروائي الأستاذ احمد خلف له وجهة نظره في الرواية المحتفى بها وقال-: ” كلامي هذا ليس بنقد، بل انطباعات وأولها باركت حميد الربيعي، واعتقد لم يكن هناك روائي أن يتجرأ ويقتحم موضوع الرواية هذه – غزو الكويت، ففي الرواية المصرية لم يكن هناك موضوعا ألا ودخلت فيه، في حين توجد هنا مواضيع طرحت بخوف، وتناول حميد الموضوع وموقفه على الحياد، وهذه صفة من صفات الكاتب الناجح، يحسب له، لقد دخل في روايته بالواقعية الحديثة.

 

انا مولع بها بقراءتي وحين اكتشفت شخصية مياسة في صفحة 126 شكلت عنصرا ورؤيا إلى السارد الأول، وبحثت عن قناعة فوجدت في صفحة 15 – جملة “الغد على الأبواب “، وجدت فيها فعل مستقبلي، وكنت أتمنى على حميد أن يبدأ من هذه الصفحة كبداية أولى للرواية..، تشير الرواية إلى أن حميد يرسو نحو روايته المرتجاة والمنتظرة، وسوف نقرا إلى حميد نصا ممتعا، برغم أن نصه هذا كان ممتعا…

 

تداخلت الناقدة أشواق النعيمي فقدمت ورقة نقدية عن الرواية زاوجت فيها الموروث الحكائي لالف ليلية وليلة واستلهام الاسطورة فأشارت إلى أن شخصيةالمراة في الرواية تعكس معاناة الضياع.

 

الروائي خضير فليح الزيدي كانت له مداخلته فقال- الرواية فيها الواقعية السردية السحرية ساردة الحدث التاريخي والغير تاريخي وقد افلح حميد، حين لم يجعل الحدث التاريخي يأخذ منحا في الرواية، ليكون سيرة ذاتية، ولم تكن كذلك. حميد في أعماله لم يقم على تقنية معينة، فموضوعة التجريب قائمة في كل رواياته، ولغة هذه الرواية لم تكن لغة شعرية أو تقريرية..

 

تداخل الناقد عبد العزيز لازم بورقة نقدية أشار بها إلى أن الروائي يستخدم لغة فيها تعقيد، برغم المتتبع يستطيع متابعته، وان حميد بذل جهدا جبارا، لإعطاء الجمالية في عمله السردي ونقترح على الأستاذ فاضل ثامر أن يضع هذه الرواية مستقبلا في موضوعات الميتا سرد. الزمن في الرواية لم يكن زمن محصور، بل هو زمن ممتد، ليكشف عن أحداث المنطقة من غزو الكويت إلى حين انتهاء كتابة الرواية.. الدكتور سعد مطر تداخل فأكد أن هناك من لا يتناول الفكر في الرواية، ( دهاليز للموتى ) مجموعة من الخطوط تتحرك اتجاهات عدة،،قد تكون سوداوية أو غيرها، المكان أنتج ألم لذلك تتطلب هذه الرواية قراءة معمقة فهي تتعامل مع فكر، لتصنع الثقافة في الوعي، لدى الثقافي والسياسي وغيره….

 

أما الناقد علي حسن الفواز بدا بقوله : أن مهمة المثقفين هنا كي ما يتحاورا، برغم الاحتفاء بالرواية، في قضايا النقد الثقافي الذي طرحته الرواية، لقد حاول الروائي أن يتعامل بمنظور سردي تاريخي، وكذلك أن يقدم من خلال رؤية مثقف، يعاني من إرهاصات لإحداث مست وعيه. الروائي ذكر بشخصية ” المتوكل”  ليس كشخصية عابرة، فهي تمثل الاستبداد.

 

 حميد الربيعي يبن محنة الإنسان، من خلال وجود البطل المثقف، وعلينا أن نتساءل: هل استطاع حميد أن يزاوج أو يناغم بين الحدث التاريخي والبنية السردية ؟، أظن أن حميد بدا إلى محددا، فروايته فيها شيء من الجراءة، لقد أخذنا إلى فضاءات وتوصيفات وتجنيسات مهمة في السرد، والحفر في التاريخ يعني تأسيس السرد، وعلى حميد أن يدرك هذه القدرة…

 

وختاما كان للروائي المحتفى به رد على مداخلات الحضور واختصر قوله – أنا لم انتقل من الخيال إلى الواقعية أو أكتب سردا واقعيا، والدهاليز ليس دهاليز للموتى بل لإعادتهم إلى الحياة..فهل عادوا إلى الحياة ؟! هذا ما سيجده القارئ في الرواية.