ماذا بقي من الربيع العربي؟
عادل الجبوري
من الطبيعي انه بعد عامين على اندلاع شرارة الربيع العربي ان تطرح وتثار مثل تلك التساؤلات، سواء بين اوساط النخب السياسية والفكرية والثقافية، او في الشارع العربي على وجه العموم.
والتساؤلات في مؤداها ومجملها يمكن ان تعكس قدرا غير قليل من خيبة الامل والاحباط اكثر مما هي تعبر عن رضى وارتياح وقبول بما تحقق حتى الان. فثورات الربيع العربي التي اشعل شرارتها الاولى المواطن التونسي محمد البوعزيزي في التاسع عشر من شهر كانون الاول»ديسمبر من عام 2010، حينما اضرم النار في جسده احتجاجا على الواقع الحياتي السيء الذي كان يرزح تحت وطأته هو والالاف ــ وربما الملايين ــ من ابناء جلدته في تونس وغيرها، اصطدمت بواقع ينطوي على ازمات واشكاليات وعقد كبيرة وكثيرة، سياسية واجتماعية وقيمية.
صحيح ان ما فعله ذلك الشاب التونسي اليائس قلب الموازين في العالم العربي رأسا على عقب لانه حطم كل حواجز الخوف والتردد النفسية لدى ملايين الناس في شرق العالم العربي ومغربه، بحيث ان الجماهير الغاضبة والتي تراكم لديها الرفض والاستياء على امتداد عقود من الزمن نجحت في الاطاحة بأنظمة ديكتاتورية استبدادية ربما لم يكن في خلد الكثيرين ان سقوطها ممكنا ومتاحا على المدى المنظور ووفق الحسابات المادية الملموسة والمحسوسة، بيد ان ذلك لم يكن نهاية مسيرة الاستبداد والتسلط والطغيان، وبداية عهد الحرية والعدالة والديمقراطية والازدهار.
وبعد سقوط النظام التونسي جاء الدور على النظام المصري، ثم النظام الليبي، واهتزاز النظام اليمني، وانظمة اخرى. لتنفتح الابواب مشرعة على عهد جديد يختلف عن العهد السابق، او هكذا يفترض و هكذا ينبغي ان يكون.
وبدلا من الديكتاتورية والاستبداد والتسلط والطغيان والاحكام البوليسية ومصادرة الحريات وحكم الحزب الواحد، لاحت افاق الحرية والديمقراطية والتعددية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، كما حصل في العراق قبل مايقارب العشرة اعوام.
وطبيعي ان كل ذلك لايمكن له ان يتحقق بيسر وبسرعة وسهولة، وانما هناك استحقاقات كبيرة لابد من تحملها، فعملية البناء والتصحيح قد تكون اصعب واعقد بكثير من عملية الهدم والتفكيك.
واذا كانت ثورات الربيع العربي قد افلحت في اسقاط انظمة ديكتاتورية استبدادية، وستفلح في اسقاط انظمة اخرى مستقبلا، فأنها في هذه المرحلة وفي المراحل اللاحقة ستكون امام تحديات كبيرة وخطيرة، تتمثل في كيفية المحافظة على المنجزات المهمة التي تحققت، من خلال تجنب الصراعات والحروب الداخلية الاهلية، وترسيخ اسس ومفاهيم وركائز الحرية والديمقراطية وصيانة حقوق الاقليات وتكريس مظاهر التعايش السلمي وعدم الانجرار وراء الاجندات والمشاريع الخارجية، والعمل الجاد والمخلص لازالة كل مخلفات الانظمة السابقة، والحرص على عدم تكرار الاخطاء التي ارتكبتها والسلبيات والكوارث التي خلفتها.
ولان تركة الانظمة الديكتاتورية الشمولية كبيرة وامتدت لعقود من الزمن، ولان الاجندات والمؤثرات الخارجية حاضرة على طول الخط، ولان مقومات النهوض والتطور والاصلاح مازالت غير مكتملة ولامتكاملة، ولان القوى الجديدة لم تستوعب بعد كل حقائق العصر ومتطلباته ومقتضياته، فأنه من الطبيعي جدا ان تغيب مظاهر الاستقرار والازدهار، وتتعثر مشاريع التغيير والاصلاح هذا اذا كانت فعلا هناك مشاريع من هذا القبيل وتطل الصراعات والحروب الاهلية برأسها، وتعود منهجيات التهميش والاقصاء ومعها التكفير والتخوين لتحدد مسارات ومضامين الثقافة السياسية لبعض ــ او معظم ــ القوى الجديدة.
ما نشهده اليوم في مصر وتونس وليبيا واليمن، وكذلك في بلدان لم تتكلل حركات الرفض والثورة فيها حتى الان عن نتائج نهائية كما هو الحال في البحرين وسوريا والاردن، يبعث على الكثير من القلق، لانه لايعني سوى اعادة انتاج ثقافة النظم الاستبدادية، واعادة تفريخ الازمات والمشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية تحت عناوين ومسميات اخرى، وفي ظل بيئة قد لاتختلف عن البيئة السابقة في الكثير من ابعادها وجوانبها، ولايعني سوى دوران في ذات الحلقة المفرغة.
ليس بالضرورة ان ينجح ضحية الامس في اصلاح الواقع وتصحيح مساراته، فضحية الامس ربما يتحول الى جلاد اليوم، ومؤشرات ذلك راحت تلوح في الافق السياسي وتتبلور وتتجلى مصاديقها يوما بعد اخر.
قلنا في وقت سابق وكنا نستعرض بعض اشكاليات التجربة المصرية الجديدة في مقال تحت عنوان نزعات التطرف في الواقع العربي.. مصر نموذجا ان نزعات التطرف، ستولد صدامات وتقاطعات مزمنة على مستوى الطبقة السياسية العليا، تخلف لا استقرار سياسي، تستتبعه اضطرابات امنية، واختلالات اجتماعية عناوينها ومضامينها دينية ومذهبية وايديولوجية وتدخلات خارجية. هذه هي الحقائق الماثلة .. انها حقائق مؤلمة وصادمة، ولكن لابد من مواجهتها عاجلا ام اجلا .
وبالفعل فأن الحراك الجماهيري في الشارع المصري وغيره يؤكد تلك الرؤية، لاسيما وان مستوى العنف فيه خطير للغاية، مضافا اليه اتساع الهوة بين اتجاهات سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية يفترض انها تتوافق فيما بينها وتبحث عن نقاط الالتقاء وتقر بحقيقة ان ادارة شؤون الدولة والمجتمع لايمكن ان تتحقق عبر اتجاه واحد يلغي الاتجاهات الاخرى ويقصيها.
لعل من بين ابرز واهم الحقائق التي اثبتتها ثورات الربيع العربي هي ان الحاكم المستبد يمثل جزءا من المشكلة وليس كل المشكلة، ورحيله خطوة واحدة في الطريق الصحيح، ولن يكون لها جدوى مالم تتحقق الخطوات اللاحقة.
AZP07