
ماذا بعد الإنسداد ؟ – عدنان نعمة سلمان
مضت ثمانية أشهر على الإنتخابات التي قيل بأنها إستثنائية والتي مرت بأنفاق التشكيك بنزاهتها ثم مرت في متاهات المحكمة الدستورية التي رفضت كل الاعتراضات على تلك النتائج ثم توقفت تلك المحكمة عن تفسير معنى ( الكتلة الأكبر ) الى اليوم وبسكوت غريب وعجيب أبقى العملية السياسية تعيش صراعا سياسيا كبيرا أسموه هم أنفسهم بالإنسداد السياسي ، ثم جاء طرح جماعة الإطار بأنهم يدافعون عن حق المكون الأكبر في العراق متناسين بأن العراق كان وما يزال وبكل قومياته وأديانه وطوائفه وقومياته هو المكون الأكبر وبأن البرلمان يجب أن يمثل كل العراق وأن لا تنبري كل كتلة للدفاع والبحث عن مصالح أتباعها فقط وإلا فقد سقطت عنها صفة التمثيل النيابي وحسب الدستور الذي هم من شرعوه وأقسموا على الالتزام بنصوصه وحيثياته ، ثم جاءت مبادرة زعيم الكتلة الصدرية بتنازله عن تشكيل الحكومة الى جماعة الإطار بعد هذا الانسداد بعد أن كان قد اتفق مع القيادات السنية والكردية على تشكيل الإئتلاف الوطني الثلاثي ليقف ضد مطالب الإطار التنسيقي التي تتحدد بوجوب تشكيل حكومة إئتلافية محاصصاتية رافضين شعار الكتلة الوطنية بعد أن صرح زعيم الكتلة الصدرية رفضه المطلق لإشراك جماعة الإطار في تشكيلة الحكومة المزمع تشكيلها بعد اجراء الخطوات الدستورية التي تسبق اختيار رئيس الوزراء وحكومته المقبلة .
إن التقاطعات الفكرية والوطنية والشعاراتية التي تحدث في الساحة السياسية العراقية والتي ولدت هذا الإنسداد السياسي لا يتحدد بإعلان من هي الكتلة الأكبر في البرلمان الجديد المعطل ولا بشعار لا شرقية ولا غربية بقدر ما تتعلق بعوامل أخرى كثيرة أولها هو التدخل الايراني – الأمريكي في وجوب تشكيل الحكومة القادمة كل جهة وحسب رؤيتها ومصالحها في العراق ، حيث رأينا العديد من المسؤولين الإيرانيين ، عسكريين ومدنيين ، قد زاروا العراق والتقوا بكل أطراف العملية السياسية من أجل تقريب وجهات نظرها في طبيعة الحكومة الجديدة ومقدار قربها أو بعدها من الفكر السياسي الإيراني ومديات تمثيلها للمصالح الإيرانية لا المصالح العراقية ، فكانت زيارات قاآني المستمرة بعد اعلان نتائج الانتخابات مكوكية ما بين طهران وبغداد فيما كان مسجدي وهو سفير ايران في بغداد الحاضر الدائم في كل هذه اللقاءات السرية او المعلنة منها ، فيما كانت لقاءات سفراء أميركا وبريطانيا متواصلة مع زعماء الكتل السياسية وكذلك مع الرئاسات الثلاثة التي ما تزال تدير البلاد تحت مسمى ( حكومة تصريف الأعمال ) .
أما غير المعلن في هذا الصراع السياسي فلم يعد خافيا على الشعب أبدا والذي يعكس تمسك أطراف الإطار التنسيقي بالسطة وعدم استعدادهم لأن يكونوا في صفوف المعارضة ، فيما يريد الصدر أن يبعدهم عن السلطة بعد أن قادوها وتحكموا بكل مجرياتها طوال 19 عاما مضت من حكمهم الذي زاد من تخلف وفقر شرائح وطوائف الشعب الذي يدعون بأنهم يدافعون عن مصالحها ، مع تدني كل الخدمات المقدمة للشعب بشكل كبير ومؤلم وخطير كانت إحدى نتائجه هي قيام تظاهرات تشرين التي عمت العراق كله وبخاصة في بغداد وكل المحافظات الجنوبية التي يدعون بأنهم بدافعون عنها وعن وجودها ومصالحها وحاضرها ومستقبلها … !
لا نريد القول بأن حكومة الكاظمي قد حققت للشعب ما يطمح له من أنموذج حكومي مطلوب ، فانجازات أية حكومة لم ولن تتحدد بعمل عامين ، رغم ان الحكومة الحالية ليس لها ظهر يحميها في البرلمان ، بل بالعكس ، فقد تعرضت الى الكثير من الاعتراضات والحركات المتحدية لها في عقر المنطقة الخضراء الجامعة لها ، بل أن حتى منزل رئيس الوزراء وصوره لم يسلما من هذا التحدي الذي أستخدمت فيه الطائرات المسيرة والقذائف الصاروخية والتحديات المسلحة التي قامت بها أطراف تقع ضمن تنظيمات الحشد الشعبي الذي تقوده شخصيات هم قادة في الإطار التنسيقي .. !
إن ما يؤرق بعض الجهات السياسية المتنفذة التي شاركت في حكم العراق طيلة العقدين الماضيين وبنفس الوجوه والبرامج والسياسات الفاشلة في عدم توفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم لشرائح كبيرة وكثيرة من الشعب ، هو أن تمسكها في البقاء في السلطة وبأي شكل من الأشكال هو خوفها من أن تأتي حكومة جديدة تفتح كل ملفات الفساد والإخفاق والفشل وتتعرض الكثير من شخصياتها الى المسائلة القانونية الحقيقية التي ستكشف المخفي في طبيعة عمل الحكومات السابقة وإثراء الكثير منهم بشكل كبير على حساب المال العام وعلى حساب من يدعون بأنهم قد أتوا الى السلطة (وسيأتون كما يزعمون ) لخدمة الطائفة التي ينتمون لها … !
ثروات العراق
ويأتي الصراع الكردي على منصب رئيس الجمهورية وهو لا يختلف عن الصراع بين الصدريين والإطار وأيضا بحجة الدفاع عن مصالح الأكراد وليس عن مصالح الطرفين الكرديين المسلحين والعائلتين اللتان تحكمان شعبنا الكردي منذ عام 1991 والى اليوم والتي أثرت وبشكل كبير جدا من خلال سيطرتها على ثروات العراق طيلة العقود الماضة والتي تتصرف بها وفق ستراتيجية تقوية السلطة في كردستان تهيأة لإعلان استقلالها عن العراق وزيادة ثرواتها العائلية في آن واحد بعيدا عن السلطة المركزية والدستور والقوانين التي تحكم العلاقة بين الإقليم والمركز والتي صارت وفودها تزور بغداد وتلتقي بمسؤولي الحكومة تحت يافطة الدفاع عن حقوق الكرد التي هي ذريعة من أجل اجبار الحكومة الاتحادية على الاذعان لمطالبهم العائلية الخاصة جدا !!
لقد فشل الإطار في تشكيل الحكومة رغم فترة الـ 40 يوما التي منحها لهم زعيم التيار الصدري ، وكذلك سيفشل المستقلون في تشكيل الحكومة خلال الـ 15 يوما التي منحت لهم ولأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن ، وستعود الكرة حتما الى ساحة الإئتلاف الثلاثي لتشكيل الحومة الجديدة التي نشك أيضا بأنها سوف تلبي مطالب الشعب ومطالب التشرينيين بأدنى حدودها وأولها تقديم قتلة المتظاهرين الى المحاكم المختصة وكذلك الكشف عن أسماء من ساهم في استشراء الفساد المالي والإداري ومحاكمتهم … وتلك لعمري أمور لن تتحقق الا بعد ليس أقل من خمسة دورات إنتخابية قادمة بسبب وجود الحكومات العميقة وكذلك بسبب كثرة الأجنحة المسلحة للكتل السياسية … والله من وراء القصد



















