فاتح عبدالسلام
بعد أن ارتاحت أعصاب نقابة الصحفيين في العراق بحفلة اللبنانية مادلين مطر بالتزامن مع عيد الصحافة العراقية ذات الثلاثمائة شهيد. وليلة النصف من شعبان المباركة، ينبغي أن يكون هناك الآن متسع من الوقت لدى النقابة للالتفات إلى مشروع أخطر قانون ضد حريات التعبير وحرية المعلومات ومصادرها وتداولها، تعتزم الحكومة العراقية أن تذهب به إلى البرلمان لاقراره. حيث العقوبة مغلظة في هذه القانون المنتمي إلى قوانين العقوبات السياسية والاعلامية والأمنية بامتياز، وتمر العقوبة تحت ستار مظلم من نصوص فضفاضة لتجريم أية وسيلة اعلامية أو مدونة شخصية تتعرض لمعلومات قد لا تكون الأجهزة الرسمية راضية عنها أو قد تزعج بأثر نشرها أحداً.
وما معنى القول بعقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة لمن ينشر معلومات و مقالات أو وثائق تعمل على النيل من استقلال ووحدة وسلامة البلاد ومصالحها العليا أو مصالح اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية .
أية جهة ستفصل في مقال يحتمل معينين أو ثلاثة معانٍ ومَنْ يفصل في مقال ساخر ضمن أدب السخرية الذي تنفتح عليه شهية عشرات الكتاب كلما نظروا إلى ما يجري في بغداد وجنوبها وشمالها.
هنا باب الاجتهاد في التفسير والتأويل والرضا والسخط على درجة من السعة المخيفة بما يشبه ما كانت تراه الميلشيات والمفارز الخاصة من قوانين عائدة لها عندما تعاملت مع خصوم على الطرف الآخر وقررت محاكمتهم فوراً وتنفيذ الأحكام بهم على قارعة الطرقات قبل سنوات، وبعضها لا يزال.
كما إنَّ هذا النص الكبير الذي كان ينبغي أنْ يضمّه بند الأمن الوطني في دستور لبلاد حرة لم يرض أصلاً ماسكو الحكم فيها أنْ تدنس بالاحتلال الأجنبي الذي روحه مبثوثة في دستوره وقوانينه ومساراته واتفاقيته الأمنية.
وليس أن يوجه هذا النص العقابي العظيم ضد مدونين وكتّاب أحرار.. أو لم يبق لهم من الحرية في بلاد اللون الواحد واللحية الواحدة والعمامة الواحدة سوى هذا الأثير الذي ظنّوا أو حلموا انّه لا يخضع لبند الإذلال تحت قانون اضطهاد الحريات.
إنّ البرلمان العراقي الذي طالما كان في وضع المتخبط والمشلول والمتردد والمتغيّب والتبعي لسلطة كتلة أو سلطة حكومة أو سلطة مليشيات، سيكون في مواجهة حقيقية وتاريخية مع العراقيين إذا تمَّ إمرار قانون تعسفي هو أقرب إلى ارهاب الفكر والاعلام والثقافة منه إلى تشريع تنظيم الحريات.
أعرف انَّ التصدي لقوانين اضطهادية للاعلام ليست محصورة في نقابة صحفيين لكن ينبغي أنْ تمارس النقابة دورها في حمل لواء الدفاع عن الحريات وليست معفاة من واجب وطني لصيق بمهماتها، إلاّ إذا كانت لا تزال في سكرة حفلة مادلين وماجاورها وما كان فيها وعليها.
/7/2012 Issue 4250 – Date 14 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4250 التاريخ 14»7»2012
AZP20
FASL