مؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906 وتداعياته على المغرب 3- 3

45

مؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906 وتداعياته على المغرب 3- 3

الحكومة المغربية تطيح بمشروع الحماية الفرنسية وتدفع لتدويل قضيتها

محمود صالح الكروي

أستاذ العلوم السياسية / جامعة بغداد

صادق أحمد حامد

ماجستير تاريخ حديث/ جامعة بغداد

المقدمة:

كان المغرب يشكل في بداية القرن التاسع عشر دولة كاملة السيادة ، معترف بها من طرف المجتمع الدولي آنذاك وعلى الأخص المجتمع الأوربي، والدليل على ذلك هو كون المغرب يتبادل السفارات مع العديد من الدول ويبرم المعاهدات ويلتزم ببنود الاتفاقيات الدولية ، فضلا عن إن المغرب كان أخر دولة أو كيان سياسي خضع لنظام الحماية الفرنسية في الثلاثين من اذار عام 1912 ومن ثم الحماية الاسبانية في السابع والعشرين من تشرين الاول من السنة نفسها.

المحور الرابع : تداعيات مؤتمر الجزيرة الخضراء على المغرب

كان للمقررات الصادرة عن مؤتمر الجزيرة الخضراء أثار وخيمة على السيادة المغربية في كافة الجوانب وخصوصا الجانب الاقتصادي، في الوقت الذي كانت مقررات هذا المؤتمر توحي بالخير بالنسبة للمغرب، وذلك من خلال نجاحها في فرض منافسة بين عدد من الدول الاوربية، وبالتالي تجنب المغرب انفراد فرنسا وإسبانيا به ولو إلى حين، خصوصا مع رفض المانيا للممارسات الفرنسية وتأكيدها على ضرورة احترام السيادة المغربية واحترام السلطان، وذلك لخلفيات المانية خاصة، لكن الحقيقة ان بنود هذا المؤتمر أكدت على مبدأ الحرية الاقتصادية في المعاملات التي تجريها الدول مع المغرب، مع وجوب مراعاة المساواة بين جميع الدول دون تمييز، وتتجلى مسألة انتهاك السيادة المغربية من خلال ما تم التأكيد عليه في المؤتمر والتي تتضح في الإجراءات الاتية:

1- أنشاء البنك المغربي والذي عوض ببيت المال، ومساهمة الدول الاوربية وبنسب مختلفة في رأسمال البنك ومنح الحكومة المغربية الاسبقية في حالة أراد الاقتراض، وكتكريس لانتهاك السيادة المغربية فإن هذا البنك كان يدار حسب القانون المالي الفرنسي، على إن يختص القضاء السويسري في النظر في المنازعات التي قد تحدث بين الحكومة المغربية والبنك.

2- تدويل المرافق العامة المغربية واخضاع سلطة الحكومة المغربية عليها لرقابة دولية، وهو ما أعتبر بدايات سياسة التدبير المفوض في المغرب.

3- المعاهدة اوجدت مبادئ وامتيازات جديدة لصالح الدول الأجنبية تحصل بموجبها على حقوق تمس سيادة الدولة المغربية.

4- منح الأجانب حق تملك الأراضي في بعض المناطق من المغرب، وان كانت محدودة من حيث المساحة والمكان، إلا أنها شكلت سابقة في تاريخ المغرب، وذلك مقابل أدائهم لضريبة الترتيب . إما على المستوى السياسي، فأن التدويل الجديد للمسألة المغربية تحت شعار الوحدة الترابية، وسيادة السلطان، بهذا العنوان يمكن وصف ما جاء به ميثاق مؤتمر الجزيرة الخضراء لعام 1906، مع إن معظم مقتضياته لا تتعلق بأمور مالية واقتصادية، إلا أن هذه الاتفاقية الدولية المتعددة الاطراف تضمنت تدويلا حقيقيا للمسألة المغربية، عن طريق تكريس تدخل السلك الدبلوماسي الأجنبي في معظم المسائل والاعتراف بحقوق خاصة للدول الموقعة على مقررات المؤتمر،  وعلى الرغم من اجماع الدول المشاركة في المؤتمر بضرورة ادخال اصلاحات على النظام في المغرب، على ان تكون مبنية على ثلاثة مبادئ هي : سيادة السلطان والوحدة الاقليمية لدولته والحريات الاقتصادية بدون تمييز، إلا أن هذا الاجماع بخصوص السيادة ووحدة التراب المغربي كان يخفي تنوعا لأسباب ومبررات خاصة بكل دولة مشاركة وصلت إلى حد التناقض والتصارع فيما بينها.

مجموعة قرارات

فرضت اتفاقية الجزيرة الخضراء مجموعة من القرارات ساهمت في تأزم الوضع السياسي الداخلي للمغرب، وفي الوقت نفسه فتحت الباب أمام القوى الاجنبية لفرض أرادتها على الإرادة السياسية المغربية، لذلك جوبهت هذه القرارات بمعارضة شعبية تزعمها العلماء، نتج عنها ان أصبح السلطان عبد العزيز بين مطرقة الأوربيين وسندان اغلب ابناء الشعب المغربي.

إما على المستوى الداخلي المغربي فقد عجلت اتفاقية الجزيرة بانقسام السلطة السياسية في المغرب، لذلك عقد مؤتمر وطني في المغرب  عام 1908 وقد أعلن من خلاله عن مبايعة السلطان عبد الحفيظ، سلطانا على المغرب عام 1908 والتي عرفت بالبيعة المشروطة بكونها مقيدة بشروط والتي تنص اهم بنودها على عدم الالتزام بمقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء التي وافق عليها السلطان عبد العزيز وكذلك الغاء ديون الاجانب المترتبة على المغرب واعتبارها ديوناً شخصية يسأل عليها السلطان عبد العزيز، وتحرير المناطق المحتلة ورفض كل تدخل اجنبي وكذلك المطالبة بتحقيق استقلال القضاء، وكذلك عدم تدخل الاجانب في الامور التي تخص الدولة، وعدم التوقيع على اية اتفاقية مع الدول الاجنبية إلا بعد الرجوع إلى الشعب. وقد أيد اغلب علماء فاس وأعيانها هذه المبايعة واعلن في هذا المؤتمر الجهاد ضد السلطان عبد العزيز، وفعلا تم خلع السلطان عبد العزيز بعد إن أثبت عجزه، وقد شكل هذا المؤتمر نقطة تحول مهمة في السياسة الداخلية والخارجية للمغرب بحيث تم رفض بنود مؤتمر الجزيرة الخضراء، وفي الوقت نفسه اعلنوا عن مبدأ استشارة الشعب في جميع الامور التي تمس السيادة المغربية، وقد ادت هذه القرارات إلى ظهور الفكر التعاقدي بين السلطان والعلماء ونخبة المجتمع المغربي، لكن اختلال موازين القوى للدول الأوربية الأمر الذي جعل السلطان عبد الحفيظ في مواجهة مباشرة مع الأمر الواقع الذي فرضه أتفاق الدول الاوربية على تقسيم الامتيازات المغربية فيما بينها.

تهديد أوربي

إما على المستوى الاجتماعي فقد ادى التهديد الأوربي إلى ظهور نزعة مغربية شمولية وشعور بالوحدة الوطنية، إذ لم يقبل المغاربة ما ال اليه الوضع من نتائج في مؤتمر الجزيرة الخضراء، فقد تأثرت العلاقة ما بين المغاربة والأجانب عموما والمغاربة والفرنسيين على وجه الخصوص، وقد ازداد العداء لهم في جميع انحاء المغرب، ففي السابق كان الأوربيون يتمتعون بالأمن التام في الموانئ المغربية، لكن بعد المصادقة على بنود مؤتمر الجزيرة الخضراء بدئوا يتعرضون لعمليات الاعتداء والقتل، وقد انصب الغضب الشعبي المغربي على الفرنسيين خصوصا، ومن النتائج السلبية لمقررات مؤتمر الجزيرة الخضراء على الوضع الاجتماعي المغربي هو تسريح عدد كبير من جنود المخزن بحجة عدم صلاحيتهم لنظام الجندية الحديث لاسيما بعد قرار تكوين جهاز شرطة حديث، وبغية توفير النفقات أيضا لدفع مرتبات البعثة الفرنسية.

يتضح مما سبق ذكره، أن فرنسا ومن خلال ما آلت إليه الأوضاع في المغرب بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء  قد تمكنت من الحصول على انتداب كامل لإدارة الاقتصاد المغربي، إذ عدّ الفرنسيون نتائج المؤتمر بمثابة إشارة البدء لاحتلال المغرب واقتسامه وهو ما حدث فعلا بعد سنوات قليلة.

الخاتمة

من خلال دراستنا لموضوع مؤتمر الجزيرة الخضراء عام 1906 وتداعياته على مجمل الأوضاع العامة في المغرب، وما خلفه من نتائج سلبية على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المغرب توصلنا إلى مجموعة من النتائج أبرزها:

1- تمكنت الحكومة المغربية بعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء من افشال مشروع الحماية الذي حاولت فرنسا فرضه على المغرب عام 1905 وجعلت من المؤتمر بمثابة تدويل للمسألة المغربية .

2- نجاح الحكومة المغربية إلى حد ما في مقاومة الدسائس الفرنسية وفك الحصار الذي حاولت فرنسا فرضه على المغرب، وتعزز ذلك بأن تعهدات الدول كانت جماعية وقد اصبحت الدول الاوربية ومن بينها فرنسا وإسبانيا وانجلترا وايطاليا، ملزمة بالمحافظة على سيادة السلطان ووحدة المغرب وضمان استقلاله.

3- اغتنمت الدول الاوربية فرصة انعقاد المؤتمر لتحديد علاقاتها بعضها ببعض بينما ضعف الحلف الثلاثي بين المانيا والنمسا وايطاليا.

4- يلاحظ إن أغلب الدول التي اشتركت في مؤتمر الجزيرة الخضراء كانت لها مطامع في المغرب باستثناء الولايات المتحدة وروسيا الوحيدتين بين الدول اللتين يمكن اعتبارهما بعيدتين عن المطامع في تلك المرحلة.

5- كانت المانيا من اكثر الدول الاوربية الحاحاً على انعقاد المؤتمر في محاولة منها للحصول على بعض المكاسب، الا أنها فوجئت بأن نتائج المؤتمر اثمرت عن فشلها  بالحصول على أي مكسب، ونتيجة لهذا الموقف تخلت المانيا عن المغرب وفقد بذلك حليفاً قوياً.

6- سجلت فرنسا انتصاراً سياسياً في هذا المؤتمر، اذ إن أغلب القرارات ومنها الاصلاحات التي اقرها المؤتمر من أنشاء الشرطة المغربية وتنظيم البنك المغربي كانت بمثابة فرض رقابة اجنبية عليه عهد في جانب منها إلى فرنسا، ومن هذا فأن أنعقاد المؤتمر كان في صالح فرنسا والأطراف الدولية، وحظوظ المغرب كانت فيه ضعيفة جداً.

7- لم يقدم المؤتمر شيء إلى ما كان يطمح اليه أغلب ابناء الشعب المغربي الذين كانوا يأملون أن تصب نتائج المؤتمر في صالح المغرب، إلا أنهم فوجئوا بنتائج عكسية كمنع تهريب الاسلحة للحد من نشاط المقاومة المسلحة الجزائرية والمغربية التي تستفاد من ذلك وكذلك في زيادة الضرائب التي أثقلت كاهل المواطنين.

8- تعد نتائج مؤتمر الجزيرة الخضراء خطوة كبيرة على طريق تعميق التغلغل الاقتصادي الاوربي في المغرب، ودلالة واضحة على فقدانه لاستقلالية قراره السياسي.

9- شكلت نتائج المؤتمر بداية التمهيد لاحتلال المغرب واقتسامه وهو ما حصل فيما بعد بتوقيع اتفاقية الحماية الفرنسية المغربية في 30/3/1912 .

مشاركة