كلام أبيض
ليلة الگشرة تبين من العصرية – جليل وادي
أريد هذه المرة الاستعانة بحرف ( لو ) الذي يفيد التمني في واحد من معانيه كما يقول أهل اللغة الذين عقدّوا مناهجها حتى صار الكثير من طلبتنا ينجحون في جميع الدروس ويفشلون في لغتهم ، وبالرغم من أهميتها استهان بها بعض من الذين يفترض أن نتعلم منهم قواعدها واللفظ السليم واسلوب الالقاء ، وأقصد مقدمي البرامج الاذاعية والتلفزيونية الذين استبدلوا الفصيح باللهجة العامية ظنا من ادارات وسائل الاعلام ان التفاعل مع الجمهور يحدث بالكلام العامي أكثر من الفصيح ، او قل : هم غير متمكنين من اللغة التي تعد من أبرز أدوات العمل الاعلامي ، لكن للأسف ما عادت اللغة معيارا لاختيار المقدمين ، وتفوقت عليها معايير اخرى كجمال الوجه والجسد ، ومهارة الثرثرة ، وعدد المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي ، لاسيما بالنسبة لبعض الفتيات اللاتي صرن ديكورا لتجميل الاستوديوهات .
و ( لو ) التمني هذه يستنجد بها أيضا كتاب السيناريو ، بوصفها طريقة لتوليد الأفكار في أعمالهم الدرامية عندما تشح في بعض الأحيان ، وعلى غرارهم خطر في بالي اعتمادها ، مثلا : لو كنت من بين النواب الحاضرين في جلسة البرلمان الافتتاحية ، أعني الجلسة التي نُقل فيها المشهداني للمستشفى ، التي سادها الهرج والمرج ، واستشف منها الشعب ما لا أريد قوله ، فماذا سأفعل ( لو ) كنت من بينهم ؟، بالتأكيد أفكار كثيرة خطرت في بالي ، ولكن أبرز ما استعادته الذاكرة ، ذلك المثل الذي صاغه العراقيون بلهجتهم اللذيذة : ( ليلة الگشرة تبين من العصرية ) ، بينما ذهب بي ( لو ) التمني الى الديمقراطية التي شغلت أحلامنا بالتحرر من العبودية والخوف ، تلك التي تنتشل الناس من واقع مخجل وحرمان دام عقود ، تلك التي لا تمييز فيها بين العراقيين على اختلاف ألوانهم ، فجمال العراق وقوته تكمن في تنوع انسانه ، قوميا ودينيا ومذهبيا ، وكل من يقول غير ذلك واهم ، او لم يلق من المعارف سوى التي تحفل بها الكهوف ، الديمقراطية الحقيقة تلك التي نتبادل بها السلطة بلا قلق او رعب من المحتمل ، وليست ( الديمقراطية المسلحة ) بحسب وصف زميلي الدكتور كاظم المقدادي .
لو كنت نائبا لاقترحت على جميع زملائي القيام بزيارة نصب الشهيد قبل افتتاح الجلسة ، لنتذكر الشهداء الذين لولا تضحياتهم ما كان لنا أن نكون تحت قبة البرلمان ، هؤلاء الذين جادوا بحياتهم ، وعرضّوا عوائلهم لمصير مجهول ، لكي لا يدنس الأراذل تراب الوطن ، عسى ولعل ضمائر النواب السابقين تصحو من سباتها ، ويفيق الذين ما عادت كل القبب تستهويهم غير قبة البرلمان ، لا ليكون نائبا ممثلا للشعب أصدق تمثيل ، بل ليحصد من السلطة ما بوسعه حصاده ، او على أقل تقدير التمتع بنفوذ يتيح له تحقيق مصالحه الشخصية وبعدها الحزبية ، ومصداق ذلك ما مضى .
لو كنت نائبا لاقترحت اعادة النظر بما يسمى ( الكتلة الأكبر ) ، فهي بنظري لغم وضعه دهاة السياسة حائلا دون بلوغ الديمقراطية الخالية من المحاصصة ومسمياتها البراقة كالتوافق والشراكة الوطنية ، ذلك ان توافقات الوصول للكتلة الأكبر شرّعت الأبواب للفساد ، ومنحت خزائن الوزارات للأحزاب ، وفتحت النوافذ لتدخل الغرباء لحجز مقاعدهم في الحكومة عبر أذرعهم في الداخل ، وفي النهاية جعلت العراق يراوح في مكانه ، بل ويتراجع الى الخلف ، وينظر ملوك الشمع عند تشكيل الحكومة للخارج قبل الداخل .
لولا هذا اللغم ما تأخر تشكيل الحكومات شهور عديدة ، وما كان بمقدور الصفقات ان تفقد الفائز في الانتخابات حقه في ادارة البلاد ، وهذا ما حصل في تجارب سابقة ، ولو حصل في تجربتنا الراهنة ، وكان من بين الاحتمالات قبل انعقاد جلسة الافتتاح لانحدرت البلاد الى منزلق خطير . دعوا الفائز يشكل الحكومة والجميع في المعارضة ، ليكون مسؤولا عن الفشل ، وجانيا لثمار النجاح ، الحمد لله الذي لم يجعلني نائبا ، والا لكنت ( …. ).
jwhj1963@yahoo.com