لهم هوية أخيراً
التغيير في العراق كان مبنيا في أساسه على تلك الثورة الشيعية الدائمة ضد كل ما هو باطل، حتى النضال الكردي لم يكن سائرا باتجاه التغيير، بل باتجاه الانفصال . لذلك لم تكن جهود الدول الكبرى بإسقاط نظام العبث في 2003 لعيون العراقيين خالصة، وإنما لإيقاف مد وتصحيح معادلات كانت تخشى نتائجها على مشاريعها، والدليل ان هذه الدول كانت الحليف الاول لطاغية العراق ونظامه، كما انها هي من أبقته في السلطة فيما يجوع شعبه، والساذج فقط من ينسى كيف انها دمرت كل بنى العراق الصناعية والزراعية فيما تركت للنظام الطاغي نقاط القوة، وكيف سمحت لطيران العبث ان يقصف مدن الجنوب العراقي، بينما منعت ذلك الطيران من التحليق في سماء كردستان . من هنا كان المتوقع ان يتحصل الشيعة على الكثير من الامتيازات، ولا اقل من استحصال الحقوق المسلوبة منهم بالقوة، لكن المفاجأة انهم حتى الان ليست لمدنهم بنى تحتية ولا مؤسسات تحفظ كرامة الانسان، فيما تأكل مدن غيرهم الفقيرة الموارد بخيرات هؤلاء الشيعة وتقتل أبناءهم وتستحيي نساءهم، ويجني الكرد ثمار تضحياتهم ويستخلصون القوانين التي توفر لهم الامتيازات دون غيرهم، ويبنون مدنهم بخيرات الجنوب، وقادة الشيعة كانوا يعيشون حالة من الهستيريا السياسية!. يمكننا القول ان الشيعة حتى اليوم لم يستشعروا وجود قانون تم سنه لإعطائهم شيئا من حقوقهم في هويتهم وثقافتهم، فضلا عما يمكنهم من الانتفاع بخيراتهم. نعم كان لفقرة (البترو دولار) الاقتصادية ان تعيد لهم مكانتهم الاقتصادية وتسير بهم نحو النماء والارتقاء، ومن ثم حفظ كرامتهم المهدورة على يد حكومات البدو – رغم ان كفاءاتهم وأبناءهم هم المتواجدون في مفاصل العمل -، لكن للأسف تم سن هذا القانون بعد فترة من الزمن غير مناسبة، حيث تم تخريب النفوس والنوايا، وتصدر الواجهة من سمحت لهم السياسات الجديدة المتنفسة بنفس البعث المقيتة ان يصلوا الى مراكز القرار رغم ضحالتهم المهنية والفكرية . فكان سن هذا القانون عندئذ اقل إنتاجية، لكننا استبشرنا خيرا بالقانونين الجعفريين الذين طورهما وطرحهما وزير العدل امام النخب الدينية والسياسية الشيعية، وشعرنا ان شيئا من هويتنا كفيل بان يعيد لنا شيئا من الاعتداد بالنفس، ويكون وفاء لدماء أهلينا وأجدادنا، ولم يخطر في بالنا ان هناك مكونا عراقيا سيعارضه خجلا امام تضحياتنا ومعاناتنا، فضلا ان يكون هناك شيعي يملك الجرأة او الدافع للاعتراض عليه. لكن كان ما كان من موقف مؤسف، تم تصحيحه وتجاوز خطأه في مجلس الوزراء أو خارجه، وكما أدنّا الموقف السلبي السابق للمعترضين على تمرير القانونين فإننا نشكر لهم اليوم موقفهم التصحيحي، والاعتراف بالخطأ فضيلة تحسب لهم لا عليهم . ولعل الموقف الجديد بتمرير القانون يكون شافعا لهم عند ربهم عن غيره، وربما يكشف للجمهور انهم قادرون على التصحيح ولهم نوايا أفضل. والكرة اليوم في ملعب البرلمانيين من الشيعة او غيرهم، فالنواب الشيعة بينهم وبين قول (ارجع يا ابن فاطمة …) خذلان القانونين وعدم سنهما فقط . اما غيرهم من نواب المكونات الاخرى فبينهم وبين طعن هويتنا حد الإبادة ان يعارضوا المشروع الوحيد الذي فيه شيء من حقوقنا الدينية والثقافية والتاريخية المهدورة، وعندها يعلنون انهم لا يعترفون بوجودنا أساسا، فيما ان القانونين ذاتهما لم يمسا شيئا من حقوق الآخرين من غير الشيعة، كما هي عادة الشيعة باحترام حقوق وهويات الآخرين. اما من (شطح) باتهام القانونين بالشطحات فكان عليه معالجة تلك الشطحات التي يراها ذهنه هو وحده داخليا، لا ان يهاجم القانونين إعلاميا، في خطوة وطريقة لا يمكن تغطية عورتها التنافسية والهجومية. وعلى كل شخص غير عراقي يسكن فوق ارض العراق ويأكل من خيراتها ان يحترم خصوصية أهلها وحقوقهم ومعاناتهم وتضحياتهم، وإلا يتاجر إعلاميا على حساب مآسيهم . وكل من لم يقدم للشيعة شيئا عمليا ينفعهم رغم تصديه لدعوى قيادتهم عليه ان يحفظ ماء وجهه باحترام ما يقدمه غيره، هذا اذا لم يشأ ان يكون داعما له .
وأخيرا .. هذان القانونان فيهما شيء من هويتنا وحقوقنا والوفاء لدماء أهلينا وأجدادنا، وعلى كل مكونات العراق ان تحترم ذلك احتراما لذاتها هي .
علي الإبراهيمي