لن ولا ولكن

Ali Sudani

مكاتيب عراقية

علي السوداني 

لا‭ ‬يُزعجني‭ ‬صياح‭ ‬الديك‭ ‬بباب‭ ‬الفجر‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬نباح‭ ‬كلبٍ‭ ‬مبحوح‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬الجلبة‭ ‬التي‭ ‬يحدثها‭ ‬شابٌ‭ ‬تعيسٌ‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬علبة‭ ‬ألمنيوم‭ ‬ببطن‭ ‬حاوية‭ ‬زبل‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬مواء‭ ‬قطةٍ‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هوى‭ ‬شباط‭ ‬يلعب‭ ‬في‭ ‬رأسها‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬خلع‭ ‬ضرس‭ ‬ولا‭ ‬رمد‭ ‬عين‭ ‬ولا‭ ‬طبل‭ ‬قلب‭ ‬ولا‭ ‬شحة‭ ‬رغيف‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬وجه‭ ‬طركاعة‭ ‬الثولة‭ ‬ولا‭ ‬عفطة‭ ‬تيس‭ ‬بباب‭ ‬الصباح‭ ‬ولا‭ ‬خطبة‭ ‬دجّال‭ ‬بحشد‭ ‬عميان‭ ‬دماغ‭ . ‬لست‭ ‬مهتمّاً‭ ‬بثرثرة‭ ‬سائق‭ ‬التاكسي‭ ‬ولا‭ ‬كمون‭ ‬جمال‭ ‬زهران‭ ‬بحلق‭ ‬درج‭ ‬الكلحة‭ . ‬لا‭ ‬ألطم‭ ‬على‭ ‬رأسي‭ ‬إنْ‭ ‬لم‭ ‬يقنص‭ ‬ريال‭ ‬مدريد‭ ‬كأس‭ ‬البهجة‭ . ‬ليس‭ ‬لديّ‭ ‬اعتراض‭ ‬على‭ ‬مشية‭ ‬جارتي‭ ‬البطة‭ ‬السمينة‭ ‬بثوب‭ ‬البكّيني‭ .‬

لن‭ ‬أنتحر‭ ‬على‭ ‬منظر‭ ‬ذبابة‭ ‬وهي‭ ‬تسبح‭ ‬بفنجان‭ ‬قهوتي‭ ‬المرة‭ . ‬لن‭ ‬أزعل‭ ‬إذا‭ ‬سقطت‭ ‬بحضني‭ ‬قنبلة‭ ‬ذرية‭ . ‬لن‭ ‬أموت‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أغلقت‭ ‬الحانات‭ ‬بيبانها‭ . ‬لن‭ ‬يقصر‭ ‬عمري‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بقيت‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬سينما‭ ‬بابل‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬ودَور‭ ‬العاشرة‭ ‬ليلاً‭ . ‬لن‭ ‬أتحسّر‭ ‬لو‭ ‬شفت‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬منامي‭ ‬وهي‭ ‬تقصّ‭ ‬شعرها‭ ‬الطويل‭ ‬وترميه‭ ‬بدجلة‭ . ‬لن‭ ‬أتلف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ضربتْ‭ ‬قلبي‭ ‬هزة‭ ‬قوتها‭ ‬تسع‭ ‬درجات‭ ‬على‭ ‬مقياس‭ ‬الفراق‭ . ‬لن‭ ‬يتخلخل‭ ‬بنيان‭ ‬حروفي‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬واصلتْ‭ ‬الدنيا‭ ‬شتلي‭ ‬خارج‭ ‬مائدتها‭ ‬الطيبة‭ . ‬لا‭ ‬أُكلّف‭ ‬صحبيَ‭ ‬إلّا‭ ‬وسعهم‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يوجعني‭ ‬ويحطّم‭ ‬روحي‭ ‬ويسخّم‭ ‬أيامي‭ ‬القاسيات‭ ‬،‭ ‬هم‭ ‬أصدقائي‭ ‬الأدباء‭ ‬الذينَ‭ ‬فضّلوا‭ ‬أثاثَ‭ ‬المعدةِ‭ ‬على‭ ‬أثاثِ‭ ‬الضمير‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬كروشهم‭ ‬المتهاطلة‭ ‬،‭ ‬قبوراً‭ ‬للحيوانات‭ ‬،‭ ‬فأكلوا‭ ‬ناراً‭ ‬وشربوا‭ ‬صديداً‭ ‬أُجاجاً‭ ‬،‭ ‬فلهم‭ ‬دينهم‭ ‬ولي‭ ‬ديني‭ . ‬

بمقدوري‭ ‬وحروفي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مثل‭ ‬جلّهم‭ ‬،‭ ‬محايداً‭ ‬خانساً‭ ‬ساكتاً‭ ‬عن‭ ‬الحقِّ‭ ‬،‭ ‬فاكتب‭ ‬شعراً‭ ‬منثوراً‭ ‬في‭ ‬شَعر‭ ‬حبيبتي‭ ‬،‭ ‬وطلاسم‭ ‬يقرأها‭ ‬الفقراء‭ ‬فيزدادون‭ ‬فقراً‭ ‬وموتاً‭ . ‬سأرسمُ‭ ‬قطعة‭ ‬بائسةً‭ ‬تصيح‭ :‬

‭ ‬أنينُ‭ ‬البواخرِ‭ ‬البعيدة‭ . ‬

تثاؤبُ‭ ‬منارة‭ ‬المَرسى‭ . ‬

حركةُ‭ ‬العمّالِ‭ ‬الزُرق‭ . ‬

حليبُ‭ ‬الذاكرة‭ ‬وناقوطها‭ ‬المُرّ‭ . ‬

رنينُ‭ ‬الأيام‭ ‬المخمَّرة‭ . ‬

قال‭ ‬ليَ‭ ‬الليلةَ‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الأبنودي‭ :‬

‮«‬‭ ‬في‭ ‬ايديَّ‭ ‬المزامير‭ ‬،‭ ‬

وفي‭ ‬قلبي‭ ‬المسامير‭ ‬

‭ ‬الدنيا‭ ‬غرّبتني‭ ‬وانا‭ ‬الشابّ‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬

يا‭ ‬عليّ

أما‭ ‬آنَ‭ ‬لهذا‭ ‬الحزن‭ ‬أنْ‭ ‬يَتَرَجَّل‭ ‬؟

مشاركة