لم يعد المواطن يقبل بلغة الماضي – زيد الحلي

فم مفتوح .. فم مغلق

لم يعد المواطن يقبل بلغة الماضي – زيد الحلي

اضع يدي على قلبي، مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية،  حيث تتصاعد حدّة المشهد السياسي بشكل لافت، حتى غدا المواطن العراقي يرقب يومياً سيل التصريحات والتسريبات، وكأنها سهام موجهة إلى ما تبقى من صبره وأمله. إننا أمام واقع تتكرّر فيه الأخطاء ذاتها في كل دورة انتخابية، حيث تتحول المنافسة الطبيعية إلى معركة كسر عظم، يتغلب فيها التسقيط على الطرح، وتعلو أصوات الفتن على برامج البناء والإصلاح. وما بين الشدّ والجدب، يضيع المواطن في متاهة من الأخبار والاتهامات المتبادلة، فلا يدري أيصدق ما يسمع أم يكذّب، بعدما فقدت التسريبات شرف الخصومة، وانحدرت لغة الخطاب السياسي إلى ما يمسّ الأعراض والكرامات.

إن خطورة هذا المشهد لا تكمن في التلاسن وحده، بل في آثاره النفسية والاجتماعية على المواطن الذي أنهكته الأزمات. فالمواطن  الذي عاش الحروب والإرهاب والفساد، لم يعد يحتمل أن يرى من يُفترض بهم أن يكونوا ممثليه يتقاذفون التهم بألفاظ جارحة، بدل أن يقدموا رؤى واقعية لحل مشكلاته. ومن المؤسف أن يتسابق بعض المرشحين إلى بث الشائعات بدلاً من بثّ الأمل، وأن يتحول البرلمان المقبل، إن لم يحسن الناخبون الاختيار، إلى ساحة تجمع أولئك الذين تباروا في إلقاء الصفات غير الحميدة على بعضهم، ثم جلسوا معاً على المقاعد نفسها بعد أن تنتهي جولة الصراع.

أيها المتصارعون على كراسي البرلمان في دورته الجديدة: اتقوا الله في وطن أنهكته الجراح، وفي شعبٍ تعب من الوعود التي لم تجد طريقها إلى التنفيذ. إن المواطن لم يعد يطلب المستحيل، بل يطلب فقط أن يرى بصيصاً من الصدق في الخطاب السياسي، وأن يشعر بجدية النوايا في مشاريع التنمية والخدمات، وأن تُقدم مصالح العراق العليا على المصالح الشخصية والفئوية.

الانتخابات في كل ديمقراطيات العالم هي منافسة برامج وأفكار، وليست ميداناً لتصفية الحسابات أو نبش الأعراض أو تأجيج الفتن. فالسلطة ليست غاية بحد ذاتها، وإنما وسيلة لخدمة الناس وتحقيق الاستقرار. وإنّ ما يحتاجه العراق اليوم أكثر من أي وقت مضى هو خطاب وطني جامع، يردم الهوة بين المكونات، ويمنح الشباب أملاً بأن صوتهم قادر على التغيير.

لقد آن الأوان لأن يفهم المتنافسون أن المواطن لم يعد يقبل بلغة الماضي، وأن الوطن لم يعد يحتمل مزيداً من الانقسامات. فإن كنتم حقاً تسعون إلى خدمة العراق، فلتكن خطواتكم وطنية في طروحاتكم، صادقة في وعودكم، بعيدة عن التسقيط والتشويه. فالتاريخ لن يرحم، والشعوب لا تُخدع إلى الأبد.

Z_alhilly@yahoo.com

مشاركة