لماذا ماركيز يكره توم وجيري؟

لماذا ماركيز يكره توم وجيري؟

نوزاد حسن

أربيل

في مقال بعنوان درس فيرجينيا وولف قلت:هل توقعت الكاتبة الانكليزية الكبيرة يوما ما أن تحدث صفحة من روايتها السيدة دالاواي كل ذلك التأثير في ماركيز.لكن لنقرا ما قاله عن ذلك:كنت ربما سأغدو كاتبا مختلفا عما انا ألان لو لم أقرا وأنا في العشرين هذه الجملة في السيدة دالاواي حيث يستشهد ماركيز بجملة لا أجد من المناسب إيرادها.لكنه يعلق ان وولف غيرت مفهومه عن الزمن.وأنا اعتقد ان اعتراف ماركيز يفتح أعيننا على قضية ليست شخصية في المقام الأول.وعلى النقد ان يكشف ما هو إنساني فيما قال.

لكن الم نفعل بماركيز ما هو غير عادل..؟اعني الم نقل انه احد الممثلين لرواية الواقعية السحرية.واعتقدنا أننا أنصفناه بهذا الكلام.إن الواقعية السحرية هي توصيف نقدي لا أكثر يقوم على إحصاء ما هو ظاهري ومباشر من فن ماركيز.فعلنا هذا لاننا لم نحاول ان نقرا ذلك الروائي مدفوعين بهاجسه.اعني لم نقم بكتابة نقد يتامل ما هو قابل للكسر في هذا العالم.وهنا اجد ان النقد الذي تحدث عن واقعية ماركيز السحرية هو نقد تصوري اكثر منه تخيليا.اعني اننا لم نحاول ان نفرق بين الغشاء الرقيق الفاصل بين الخيال والوهم.في الحقيقة هذه هي قضية او هدف ماركيز.وحين قلت ان فرجينيا وولف ربما لم تتوقع ان شابا كولومبيا سيقرا روايتها بعد اعوام طويلة ثم تحدث فيه كل ذلك التاثير اقول حين قلت ذلك قصدت ان اقف على حقيقة مهمة هي:ان الخيال لا يقف في وجه الوهم فحسب لكنه يتاثر كثيرا بمسالة الزمن.هذا هو درس السيدة وولف. لو تأملنا ما كتبه ماركيز او ما قاله لأدركنا دون وعي اننا شوهنا جانبا كبيرا من قوة المنظر الساحر في كلماته.إذن علينا أن نهتم بتلك اللحظة التي دخل الزمن فيها الى عالم ماركيز دون ان يشوهه شيء.وبلا مبالغة اقول ان هذه هي هدية السيدة دالاواي. لقد غير ماركيز يقيننا البارد عن أشياء كثيرة.وحذرنا من أشياء أخرى أهمها الوهم.لكننا رغم كل ما قلناه لم نهتم بذلك العنصر المخرب لبراءة الخيال:اعني الوهم.وقد أشار في إحدى ملاحظاته الى ما هو كريه في متع نعتقدها بارعة.

حين يعتقد الانسان ان مركزه خيال لا عقل تولد الحقيقة في شكلها البريء الصادم.لكن الخيال يبني نفسه بهدوء.احيانا يكشف ان الوهم ليس الا وهم.هذا الكشف الشعري هو ما فعله ماركيز لتقريب حقيقة ان توم وجيري ابتكار متوهم كريه.يقول:اني اعتقد ان الخيال ليس سوى اداة لاعداد الواقع.لكن منبع الخلق في النهاية هو الواقع.والوهم اعني الابتكار الخالص على طريقة والت ديزني بلا أي مقبض في الواقع هذا الابتكار هو اكره شيء يمكن ان يوجد.رائحة الجوافة-محمد العشيري-الموسوعة الصغيرة-بغداد-1990ص57).  في الواقع لا أريد مناقشة موقف ماركيز المبني على كراهيته للوهم.لكن يمكن الإشارة إلى موقفه يتعلق أساسا بحياته كانسان يبحث عن ما هو بريء في هذا الوجود.في الوهم،ربما هذا ما عناه ماركيز،تنسى الحياة بطولها وعرضها.كما أن الوهم يخلو من الإثارة.والإثارة هي جوهر الواقعية السحرية. ان ملايين الأطفال يجلسون أمام الشاشات لمتابعة توم وجيري.يضحكون وهو مستغرقين في وهم مبتكر.أحيانا يأخذني مرحهم البادي للعيان فيشدني من الداخل للمشاهدة معهم.اوزع نظراتي بين نظرة القيها على الأعيب الفار او القط ونظرة اتامل بها استغراقهم المبهج.لذا أقول بلا أدنى شك ان طريق الخيال او  منهج التخيل لو صحت العبارة يفتح نفقا للانسان جديدا يتجاوز ما هو تصوري من جهة،ويتجاوز ما هو ابتكاري أي ما يقوم على الوهم من جهة اخرى.  لماذا كان ماركيز يكره الى هذا الحد ذلك الابتكار العنيد في كارتون توم وجيري..؟اقول بكلمة واحدة ان الوهم يفتقد الاحساس بالزمن.وينسف براءة الواقع.وهذه مشكلة وجودية قلما ينتبه اليها كثيرون.

مشاركة