لماذا الإساءة للرسول الكريم؟
عبدالله محمد القاق
بالرغم من الادانة الأمريكية للفيلم الأمريكي الاسرائيلي المسيء للرسول الكريم عليه صلوات الله الا ان هذا العمل الجبان الذي اودى بحياة السفير الأمريكي في ليبيا وثلاثة من موظفي السفارة يشكل عملا مهينا يحرض على الكراهية، ولا يندرج فى اطار حرية الرأي والتعبير. وهذا الفيلم الذي اجتاحت بسببه العالم الاسلامي تظاهرات عارمة تشجبه وتستنكره لا يندرج بأي شكل تحت بند حرية الرأي، بل انه يعد أحد اشكال الممارسات العنصرية في اوج صورها ضد العرب والمسلمين كما أن ذلك العمل الفاضح يؤكد ضرورة فتح الملف الخاص بحوار الحضارات وليس صدام الحضارات، خاصة وان الفيلم جاء خالياً من أي قيمة فنية، ما عدا ترسيخ الصورة النمطية المتوارثة عن المسلمين، ووصمهم بالارهاب، وأنه يجب علينا كمسلمين أن نسعى الى تغيير الصورة النمطية لكل طرف، على أساس من الاحترام المتبادل ونبذ الصور العنصرية والكراهية ضد العرب والمسلمين.
والواقع أن الفيلم المسيء للرسول يعتبر انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان، لان الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، والتي نصت على الزام الحكومات بأن تحظر تهديد الأشخاص، أو التهكم عليهما أو اهانتهم بسبب الجنس أو الأصل العرقي، بل وتلزم الحكومات أيضاً بمنع الدعاية المحرضة على الكراهية الدينية، والتي بدورها تثير التمييز، والعنصرية والعنف.
لقد خالف الفيلم نص المادة 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على وجوب احترام ومراعاة الأديان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي نص في المادة 18 3 علي وجوب أن تكون حرية التعبير حول الأديان مقيدة بضوابط الأخلاق العامة. كما انتهك اعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص الغاء جميع أشكال عنصرية الأديان والمعتقدات بموجب القرار رقم 55»36 1981 ، والذي يقضي في المادة 3 بأن اهانة واحتقار الأديان يعتبر خرقا لميثاق الأمم المتحدة، اذ هو يعتبر عائقا أمام تحقيق العلاقات الأخوية السلمية بين الدول الأعضاء، كما بينت المادة 4 من الاعلان السابق انه يجب علي جميع الدول أن تأخذ الخطوات الكفيلة بمنع وازالة التعصب المبني على أسس دينية أو عقائدية. وبالتالى فان المسؤولية القانونية الدولية للدولة تلزمها باتخاذ اجراءات معينة ضد الاهانات التي تلحق بالأديان.
وخالف ايضا اعلان مبادئ القانون الدولي الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 2625 1970 اذ نص على أنه ينبغي على الدول أن تتعاون فيما بينها لتعزيز الاحترام الدولي ومراعاة حقوق الانسان والحريات الأساسية للجميع ولازالة التعصب الديني.
وهذا الفيلم الذي قام القس الفاشي الأمريكي تيري جونز بدعمه والذي رفضته وشجبته المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول والشعوب الاسلامية يأتي بعد أن اقدم هذا الشخص على احراق القرآن الكريم دون تحرك ملموس من الفاتيكان لاتخاذ اجراء حازم ضد مسألة بحاجة الى اعادة النظر في حوار الاديان والحضارات والتي تسعى الدول الاسلامية لتجسيدها بطرق شتى..
وبالرغم من ان الرئيس الأمريكي اوباما أدان الفيلم واحراق المتطرف جونز نسخة من القرآن الكريم واعتباره هذا العمل بأنه لا ينم عن اقصى درجات عدم التسامح والتعصب الاعمى، بل وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية ــ بالعمل المقزز الا ان القس أكد انه سيواصل اعماله ضد الاسلام والمسلمين، وتوعد بتزعم احتجاج مناهض للاسلام أمام اكبر مسجد في الولايات المتحدة مبدياً عدم أسفه عن حرقه نسخاً من المصحف الشريف مؤخراً، مما اثار اعمال شغب دامية في افغانستان.
والواقع ان حوادث الاساءة للاسلام والمسلمين، عبر هذا الفيلم المسيء للدين الاسلامي ورسوله الكريم صلوات الله عليه وسلم وكذلك حرق القرآن الكريم الذي يقوم به بعض الحاقدين والمهووسين الأمريكيين وغيرهم لا يمكن ان تؤثر على الاسلام أو المسلمين، وانما تزيدهم صلابة في الايمان والثقة بالدين والعقيدة، لأن الله تكفل بحفظ كتابه.. وان مثل هذا العمل الجنوني لا يمت للراشد بصلة كما يعد جريمة عنصرية واضحة. فاذا كان هناك نظام عالمي يجرم معاداة السامية، فلماذا لا يكون هناك ايضا نظام عالمي يجرم الاساءة الى الاديان كما يقول الشيخ سلمان بن فهد العودة الداعية الاسلامي السعودي، مشددا على ان تعرض المقدسات للاستخفاف والاستهتار والرسوم البذيئة والصور القبيحة لا بد ان يتوقف بقانون دولي صارم.
فهذه الجريمة النكراء عبر هذا الفيلم وحرق القران الكريم التي اقدم عليها هذا القس الحاقد ومعدو ومنتجو هذا الفيلم يجب ان لا تذهب سدى، بل ينبغي اتخاذ كل الاجراءات الرادعة ضده، وان يمنع هو واتباعه من زيارة دول الاسلام والمسلمين ومحاسبتهم عربيا ودوليا وان يتم وقف حوار الاديان حتى يعتذر الفاتيكان والقس المجنون جونز عن هذه الخطوة الكريهة والجبانة.. ولعل هذه القضية الاجرامية المسيئة للدين الاسلامي الحنيف بالاساءة للرسول الكريم و بحرق القرآن.. سبقه في عمله التحريضي ضد الاسلام والمسلمين مؤخرا مساعد وزير الدفاع الأمريكي الجنرال بوتكين بتهجمه على الاسلام والمسلمين، بل واصل كل اركان الادارة الأمريكية المتصهينين حملاتهم ضد المسلمين، خاصة وان هذه الحملات الشرسة لا تستهدف القرآن الكريم والسنة النبوية فحسب، بل تسهم في كيل الاتهامات الخبيثة ضد المسلمين في الدول التي احتلتها الولايات المتحدة الأمريكية مثل العراق وافغانستان لأنها تهدف من وراء ذلك الى محو الشخصية الاسلامية من خلال الهجوم على الثقافة والحضارة التي قدمها المسلمون للعالم، والتي يصفها هؤلاء المتصهينون بأنها معادية لقيم الغرب والديمقراطية وحقوق الانسان .. فضلاً عن توفير مرتع للارهاب وتفريخ اجيال جديدة من الارهابيين. وهذه الحملات التي كان اكثرها بشاعة قضية حرق القرآن الكريم على يد هذا القس المخمور في ولاية فلوريدا الأمريكية اشتدت بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، بالرغم من ان الامة الاسلامية أسهمت في مد جسور الثقافات بين الثقافة الاسلامية وغيرها من الثقافات لخلق ارضية مشتركة للرد على كل من يشوه صورة الاسلام السمحاء.
وقد لعبت المنظمة الاسلامية والعلوم والثقافة ايسيسكو دوراً كبيراً وبارزاً لدعم التفاهم والتعاون بين الدول الاسلامية في مجالات التربية والعلوم والثقافة والاتصال، وتحقيق التكامل بين المؤسسات المتخصصة في هذا المجال بغية الحفاظ على معالم الحضارة الاسلامية وخصائصها وحماية الشخصية الاسلامية للجاليات المسلمة، حيث يرى الدكتور عبدالعزيز التويجري ان من اهداف هذه المنظمة نشر الثقافة الاسلامية واللغة العربية بصفتها لغة القرآن الكريم، وهي لغة غير الناطقين بها في جميع انحاء العالم، فضلا عن نشر الثقافة الاسلامية عبر باحثين متخصصين لدعم الثقافة والتعليم في هذه البلدان لتنمية الموارد البشرية ومكافحة الامية وجيوب الفقر والبطالة.
ويمكن القول ان الحوار بين الحضارات والثقافات والاديان، غير اليهودية، للوصول الى تفاهم مشترك يعتبر امرا ضروريا خاصة وان اليهود كما قال لي رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد على هامش القمة الاسلامية في المغرب انهم متعجرفون ويسيطرون على العالم .. وان رد الفعل على تصريحاته يثبت ذلك خاصة وانهم يتحدون العالم باسره حتى اذا قالت الولايات المتحدة لا.. يتوقفون قليلا.. لانها تشكل الداعم لهم.
فالاتهامات الامريكية للاسلام.. عبر هذا الفيلم لمسئ وحرق القرآن الكريم والاساءة للمقدسات الاسلامية في الولايات المتحدة واوروبا المسيء يتطلب وقفة جادة من كل الدول ووسائل الاعلام العربية للرد على هذه الادعاءات والافتراءات والاكاذيب التي يتعرض لها الاسلام والثقافة الاسلامية والقرآن الكريم بغية وقف مسلسل الكراهية والانتقاد الحاد ضد المسلمين والعمل على ترويج مضامين الاسلام الحنيف في التسامح والفضائل والقيم الانسانية والرد على هؤلاء المنتقدين لديننا ومعتقداتنا وحرق مصحفنا الشريف بكل قوة وحجة وبرهان.. والمطالبة بايجاد تشريع دولي يحرم الاساءة للاديان وخاصة الدين الاسلامي.
وكلنا ثقة في تضافر القوى الاسلامية والمحبة للسلام للرد على هذ الفيلم المسيء للديانات وكذلك ما يقوم به الجبان القس تيري جونز الذي امر بحرق القرآن الكريم وكذلك الافتراءات الامريكية والاسرائيلية التي لم ولن تتوقف ضد الاسلام والمسلمين ووضع حد لهذه الحملات العدوانية التي بدأت في افغانستان والعراق.. وشملت العديد من الدول العربية والاسلامية تحت حجج وذرائع واهية ومزاعم كاذبة.. تتخفى في اغلبها وراء هدف مكافحة الارهاب..
/9/2012 Issue 4304 – Date 15 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4304 التاريخ 15»9»2012
AZP07