لله درك يا بابل

لله درك يا بابل

 شاءت الاقدار ان تسافر روحي قبل قدمي الى مدينة النجف تلك المنارة العملاقة من المعرفة والعلم والحكمة ، لما تتميز به هذه المحافظة عن باقي محافظات العراق ، لانها مدينة الارث الديني والحضاري ، وحينما حططنا رحالنا فيها بشوق بعد غياب طويل ، لمسنا فيها حركة العمران ووجود الخدمات والابنية الملفتة للنظر، وتصورنا لوهلة باننا نتجول باحد احياء العاصمة طهران ، فنظافة الشوارع والتنسيق المنتظم ، والالوان الممتزجة التي شكلت لوحةولا اروع بشكل ملفت للنظر ، وصخب تلك التصماميم الهندسية المرتفعة ، كاد يحدث شرخا في العين لروعتها ، وتلك الجسور المتميزة التي تجعلك تشعر بان هنالك تسابقا مع الزمن وتحديا لغير الممكن ، وتم تهيأتها لتكون باروع صورة وخير مثال على العمران الحضاري والعمل الدؤوب من قبل مبدعيها كلا من موقعه .

 وانتابني الحزن وانا اضع صورها بموقع مقارنة بمحافظتي لعلي اجد نقاطا مشتركة بين هاتين المحافظتين ، ففي صور النجف تجد نفسك كانك تقلب كتلوك صوري لتصميم حضاري ، لكنه جسد في الوقت عينه الذي صمم به ، واما في محافظتي ذات الحضارات والتاريخ والمراقد المقدسة ، والاثار القيّمة ، والعلماء والكتاب والادباء والمثقفين ، وعلى الرغم من كثافة المحاولات في جعلها تراثا عالميا وهو حقها المشروع لكن في سجلات المنظمة ليس الا مجرد تدوين ، الا ان حقيقة احيائها ومدنها وشوارعها هي بالفعل تراث ، لانها تخلو منها رائحة العمران ، وان وجدت فالاخطاء التي تسجل تثير الضحك والاستهزاء ، فالمشاريع تباع في مزاد دواعش الاموال ولم يراعوا فيها صون الامانة والخوف من الله ، ناهيك عن المشاريع التي تتنازل عنها في كل مرة للمحافظات الاخرى بحجج واهية ، وتبجحات مستخفة بها ، ويشوبها التشويه المتعمد ، وتقبع فيها الاهواء حسبما ترتأي ، ولايخرج نطاقها عن جهد المتطوعين والقائمة تطول ، ولكي لانكون قد بخسنا شيئا لاحد فالحق يقال فان هنالك من قاتل ولايزال يقاتل بمعنى القتال الفكري العملي لاجل ان يرفع من قدرها وشأنها لكن دون جدوى فاليد الواحدة لاتصفق .

 في كل مرة ترتدي بابل فستانها لتزف ظلما لعريس لايتناسب مع جمالها وسنها ، فيجبرها دوما على الخضوع والاستسلام للمقايضات والتنازلات ، ويوم بعد يوم تفقد رونقها وبهجتها ، لان عريسها دوما يقضي غرضه منها ويرحل لتعود مطلقة مرة اخرى في سجلات النفوس المريضة ، وحينما نسأل عنها ما بها؟ وما الذي اصابها ؟ يكون الصمت المطبق جوابنا ، وتبقى تنتظر عريسا اخر لعله يكون من ابناء مدينتها ،يقدرها ويحترمها ينجب منها اولادا خارقي الجمال والابداع ، ترتمي باحضانهن دوما ، فيكونوا ملاذها الامن ، وسندها ، وسيقدرون على اعادت شباب زليخة وجمالها ،ولايدعون مجاال لعمرها ان يهرم فدوما سينطلقون منه لتكون منارة للتراث والعمران والثقافة ، وستكون محط الانظار والاهتمام ، وستهنأ وتنعم باطلالة كالاميرات ، في ظل اميرها الذي سيرعاها ويهتم دوما باناقتها وجواهرها لتغدو شعاعا وهاجا يعمي البصر والبصيرة لكل من كاد لها وحط من شأنها .

 وواجب علينا كابناء لها ، وان رغبنا الا نوضع اخرا ونسجل كابناء عاقين ، ان نشترك بقوة عملنا وقلمنا ، وعزمنا ومشاركتنا لتغيير واقعها المرير ، وايجاد عريس لها يكون مناسبا ومتوازنا معها في كل شيء ، يحقق لها مكاسب لاتعد ولاتحصى ، تجعل عيون العالم تتجه صوبها لزيارتها واكتشاف شخصيتها وثقافتها ، والتي ستعود بالتالي لمنفعتنا نحن ابنائها .

احمد جابر محمد – بابل

مشاركة