د. نزار محمود
يحصل أحياناً كثيرة أن لا يفهم المرء مواقف وسلوكيات سياسية لبعض الدول أو الجماعات أو حتى الأفراد. وأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن هذه المواقف والسلوكيات هي نفاق، أو ربما الهروب بالقول: أنه تخبط سياسيين. لكني احاول أن أجيب: إن ذلك لا يصح دائماً!
كما أني لا أريد أن أبرر ذلك، مستنداً على حجة النبي خضر (ع) مستذكراً قوله تعالى: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا”
يتوزع العالم في خرائط صاغتها القوة في التاريخ، وشرعنتها ظروف ودوافع الهدنة بين البشر، لتقوم على رعايتها معابد يخدمها مجموعة أجيرة من العرافين والسدنة!
سياسات الدول تهدف، عموماً، إلى تحقيق أكبر ما يمكن من مصالح لشعوبها، سلماً أو حرباً، صدقاً أو نفاقاً، عدلاً أو ظلماً. هذا اذا كان السياسيون مخلصين لأوطانهم وشعوبها الواعية.
ومن أجل ذلك تعمل تلك السياسات على توفير شروط تحقيق تلك الأهداف وفق امكاناتها وتحالفاتها ومناوراتها.
والسياسة الحاذقة تستحضر في يوميات عملها قول الشاعر:
ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن
وأقوال وحكم أخرى غيرها. كما يفهم السياسي المحنك أن ما يصلح لغيره قد لا يصلح له، وأن ما صلح بالأمس قد لا يصلح ليوم غد.
وفي هذه الغابة المتلاطمة أشجارها والعاجة بوحوش أليفة ومتوحشة على السياسي أن يتلمس دربه إلى كوخه الصغير أو قصره النيف! في العتمة أو تحت الأضواء. زاحفاً، ماشياً، مهرولاً، راكضاً، يحفه التصفيق أو تطارده الشتائم والمسبات!
فالساحة الدولية حلبة صراع دامية، ترفرف فوقها حمامات سلام! يلتقي الساسة وهم يبتسمون جميعاً. لكن الشاعر فيهم يقول:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
وللسياسة في تحقيقها لأهدافها دروب وفنون، فليس في السياسة أصدقاء دائميون وأعداء دائميون… هناك مصالح دائمة، كما قالها تشرشل يوماً.
ولا يتوانى البعض في سياسته عن اتباع القول:
اليد التي لا تقدر على قطعها، صافحها!
أنا لا أتحدث الآن عن سياسة مبادىء ومثاليات، وإنما عن سياسة واقع معاش.
فعندما يقتضي الأمر أن تغلف كذبك من أجل مصالحك فلا بأس في ذلك من أجل سياستك! وإذا تراجعت بلباقة وكياسة عن أمر لم يعد يخدمك، فذلك براعة منك! هكذا هي حال السياسة.
وهكذا في أمر ازدواجية اللعبة السياسية. فالسياسي ذو وجوه وأقنعة متعددة، وفي طاقمه السياسي ممثلون لأدوار مختلفة، وعلى مستوى التحالفات ينسقون في ترتيبات توزيع الكعكة بينهم، ومع خصومهم الأقوياء يتفاهمون لمنع التصادمات والتقاطعات، عادة.
جميع تلك “التكتيكات” السياسية يستعرضونا على ملاعب شرقنا العربي والإسلامي، وهم في ذلك ما هجروا قاعدة فرق تسد!: مع القوميين وضدهم، ومع اليسار اذا اقتضى الأمر، وفي مناصرة الإخوان هنا، وتجريمهم هناك. للعسكر يبيعون السلاح، وللمتظاهرين يافطات الحرية وحقوق الإنسان. المهم تبقى النار مشتعلة، تقيهم من البرد وتزيدهم من الدراهم!
الشاطر الذي يفهم اللعبة، وصاحب الحظ من رضي الله عنه وفهمه شعبه وأعانه على الفوز في مباراة الدوري!!
برلين