لغات ستنقرض ـ عوّاد ناصر
وسط عالمنا المتصارع، المضطرب الذي يتزايد فيه العنف ويضعف التواصل بين البشر، من بين أسباب عدة تهدد لغات البشر وتعيق تطورها، بل بقاؤها قيد التداول إن لم نقل محافظتها على نشاطها التعبيري وإن تبقى لغات حية.
جاء في تقرير المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو الأخير، أن في مقدمة دعم التعليم باللغة الأم يستلزم دعم انتاج الكتب باللغات المحلية بالنظر إلى روابط الوحدة بين اللغة والكتاب .
جعلت اليونسكو من الكتاب حارساً أميناً للغة المحلية، ووضعته عنصراً أساساً لتطور التعليم، وعند ضعف صناعة الكتب وترويجها ووضعها بين أيدي السكان المحليين فإن أي عملية تعليمية تعد فاشلة ولا تحقق أي تقدم معرفي» ثقافي في المجتمع، أي مجتمع.
التقرير أولى الكتب أهمية قصوى بصفتها قوة دافعة نحو تحقيق السلام والتنمية وقالت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في رسالة وجهتها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم تحت شعار الكتب من أجل التعليم إن الاهتمام باللغة الأم يمثل فرصة مميزة لإبراز أهمية اللغات في تأكيد هوية الجماعات والأفراد وإلى الأسس التي تقوم عليها كل حياة اللغات اجتماعية واقتصادية وثقافية وأضافت أن حماية اللغات تضمن وتصون المعارف النادرة للسصكان الأصليين ونقلها عبر الأجيال .
ومن هنا كشف التقرير إلى الجانب الخطر في واقع اضمحلال النتاج الثقافي الذي تحمله الكتب وقارن، استناداً إلى علماء متخصصون، بين زوال اللغة واختفاء الثدييات إذ أن معدل زوال اللغات الأميعادل ضعف معدل اختفاء الثدييات وأربعة أضعاف اختفاء الطيور ما جعلهم يتوقعون اختفاء 90 في المئة من اللغات بحلول 2100.
ونوه التقرير بمواقع الاتصال الاجتماعي مثل الفيسبوك واليوتيوب والرسائل القصيرة عبر الهواتف النقالة منقذاَ لكثير من لغات العالم المهددة بالاندثار مستشهداً، وفق العلماء، بقبائل أمريكا الشمالية التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لجذب الشبان إلى لغتهم الأم.
يبدو أن دور وسائل التصال الحديثة، وبحكم انتشارها الواسع وسهولة تداولها من قبل شرائح كبيرة من الناس، تعوض التراجع الواضح في دور الثقافة والتعليم وضعف مسؤوليات الدول والحكومات المعنية في دعم وتشجيع القراءة ونشر الكتب وتطوير التعليم.
كنت أشرت في عمود سابق، هنا، إلى دور الكتب والمكتبات متاحف حية لحفظ كنوز الشعوب الأدبية والفنية واللغوية لأنها كنوز حية قدر ما تحمله من ثقافات متجددة وتختزنه من طاقات كبيرة لنشاطات الأمم والمجموعات، كبيرة أو صغيرة، وتضع بين ايدي الأجيال المتعاقبة منتوجات تاريخها وجغرافيتها في مختلف النشاطات الاجتماعية.
أعتقد أن ما جاء في التقرير المذكور ينطبق على الشعوب العربية أسوة بمثيلاتها المتخلفة أو المُخلَّفة والمهملة حيث الثقافة والتربية والتعليم والصحة في أسوأ مستوياتها، وبالجملة صار الكتاب العربي يمثل معضلة بدلاً من أن يكون أحد الحلول لصيانة بغتنا العربية الثرية ويوقف اندثارها في حال استمر حال الأمية وعدم قدرات الناس على شراء الكتب واقتنائها والتمتع فيها والاستجابة لما تحدثه من تغيير في العقول والأذواق والعيش والتفكير.
ثمة ما يشير إلى احتمال أن تكون اللغة العربية، لغتنا الأم المسكينة، واحدة من اللغات التي ستندثر عام 2100، أي بعد أقل من مئة عام، عندما سيكون أحفادنا في حال من الفقر الروحي والثقافي لأن أجدادهم لم يعملوا ما فيه الكفاية لحماية مستقبلهم من الأمية والفقر الثقافي والتعليمي.
إنه جرس إنذار علينا الانتباه له إذا كنا جديرين، حقاً، بأن نكون أبناء صالحين في عالم صالح للعيش.. عالم يمكن بناؤه بعقول مثقفة وأجسام صحيحة ومكتبات هي مستلزمات البيت والعائلة.
AZP09