لعبة المكعّبات – نصوص – شيماء المقدادي

لعبة المكعّبات – نصوص – شيماء المقدادي

لم يعتبر الأمر أكثر من تسلية يقضي فيها أوقات فراغه بدل أن ينخر الفراغُ جسدهُ ويعيث الملل في أرجاء تفكيره الخراب ،هكذا بدء الأمر حين أحب أن يلهو بلعبة المكعبات ، لكنه أراد شيئا يقضي فيه أطول فترة ممكنة يسلي فيها نفسهُ ، لذا لم يجد افضل من الكرة الأرضية – ليفككها ويعيد ترتيبها – وبرقت في مخيلته فكرة أخرى وهو يفكك هذه الكرة شبه الدائرية ( التي تدور حول نفسها ولا تشعر أن هناك دورانا يصيب بعضا من ساكنيها بسبب لا مبالاتها في مسيرتها ) انه سيكون السيد الأول ، لأنه الوحيد الذي سوف يعرف مخازن الثروات بعد أن يوزع الخيرات على البلاد كما يحلو له ، ثم فكر أن يجعل الأرض مستطيلة أو مربعة الشكل ليضيف من ابتكاراته شيئا أخر للبشرية ويرتاح المصابون بالدوار الأبدي .هكذا عقد عزمه ليعيد التشكيلة الجديدة التي أشعرته بأنه السيد المطاع ، لذا رفض أراء من حوله في نظرية إعادة الترتيب بصورة مختلفة عما ألفوها، كما رفض مقترحاتهم حول توزيع الدول والقارات والمحيطات بالنسبة لخط الاستواء بالطريقة الجديدة التي يحاول ابتكارها . والأعجب من ذلك انه قرر ( أن لا خط استواء بعد اليوم ) وغضب كثيرا لتدخلاتهم – فيما لا يعنيهم – قالوا له  frown رمز تعبيري لا تغضب ،اختلاف وجهات النظر لا يفسد للود قضية ) لكنه أجابهم بحدة اكبر من غضبه ( من قال ذلك ، اختلاف وجهات النظر يفسد للود كل القضايا ، ويقتله ) .ارتاب الناس منه ، لكن المكعبات بين يديه ولا مفر من الصبر حتى ينجز الرجل عمله أو .. لعبته .

بدء بالترتيب ، هذه هنا .. وتلك هناك ، وأخرى سوف يغير مكانها . ثم يتأمل ترتيبه الجديد للكرة ، يحمل هذه ويضع تلك ، ( لماذا لا يتغير شكلها ، كيفما وضعت القطع استدارت الأرض ! لماذا تأبى أن تغير شكلها الكروي ؟) هذا ما كان يهمس به لنفسه بينما يعصر الخوف قلوب الناس وهم يتساءلون ( ماذا لو لم يعد الأمر كما كان ؟ ماذا لو فقدت الأرض هويتها ولم يعد لدينا مكان يتسع لنا ؟ أين نرحل وسط المجرات والكواكب التي لا حياة لنا فيها أو مكان ؟؟ بل كيف نستغني نحن عن أرضنا ؟؟ ) لكن الرجل ظل يصم أذنيه عن مخاوفهم متمتعا بالنشوة كونه الآمر الوحيد بينهم ،وحين يحاول احدهم أن يساعده ليعود الأمر كما كان يصرخ بهم : ارحلوا عن ارضي إن لم يعجبكم الأمر .هكذا تحولت الكرة إلى قطعة ارض يملكها رجل مجنون لم يتنبهوا لجنونه إلا بعد فوات الأوان ، لذا كانوا يلوذون بالصمت لأنهم يعرفون انه لا مكان لهم غير هذه الأرض التي احتكرها لنفسه بلعبة لم يوقفوه عنها أول الأمر حتى تمكن منهم . زلزال وبركان وطوفان يتوالون عليهم كلما وضع قطعة في غير مكانها ، وفي كل مرة تُحصد أرواح وتتناثر أشلاء، تتعالى الأصوات طالبة منه الكف عن اللعب فالأمر أصبح اخطر مما تصوروا ، لكنه لا يأبه للأصوات الراجية ، يجثو على ركبتيه .. يبحث عن قطعة تلائم هذا الفراغ لتليها قطعة أخرى تسد فراغا أخر يبدأ داخل نفسه وينتهي عند أخر نقطة في اللانهاية لجنونه الذي ينتشر فوق رؤوس الضعفاء الذين يئسوا منه فرموا بأنفسهم بين المجرات ، وضاعوا بين الكواكب . أما الذين فارقت أرواحَهم أجسادُهُم فقد قيل انهم تحولوا إلى نيازك ترمي بشررها كلما شدها الحنين إلى أرضهم التي أصبحت لعبة راقت للرجل الذي يخلط المكعبات بعد أن يفككها مرة أخرى كلما قاربت لعبته على الانتهاء ليبقى السيد الأول في ارض المكعبات .