كوني كما أنت – وجيه عباس

      كوني كما أنت – وجيه عباس

إلى وجيه عباس

قضى المتنبي عمره وانتشرت شكواه لأنه لم يكن والياً، وكأن الولاية الإدارية أكبر من ولاية الشعر العربي، إن مئات من  الزعماء والرؤساء والأمراء، بل والملوك، مروا على الجسد الفاني بتعبيرك، فأين هم الآن؟ لكن المتنبي، من شعره، بقى المتنبي لأنه شاعر وليس لأنه كان يطلب ولاية، ماقيمة الولاية أمام ولاية الشعر؟ إن أمير الشعر أكبر من أي أمير يحكم إمارة، أو يتحكم بإمارة.وجيه عباس أنت تملك ما لايملكه الآخرون، قدرة شعرية هائلة ليس لها حدود، نقلة زمنية بعد 1500 سنة ترجعك للوراء، ويمكن أن ينسب أي أحد، شعرك إلى شعر عباسي، تأخذه الناس كشعر عباسي، وهم لايعلمون إنه شعرك، أنت الشاعر الذي لايحترم شعره، العبقري الذي لايحترم عبقريته، أنت فنان الكلمة، أنت موسيقار الكلمة، وإياك أن تبخس حقك، يُولد الانسان وتُولد موهبته معه، فهذا في علم الفلك وهذا في علم العروض مثل الخليل الفراهيدي، وهذا في علم النحو مثل مهدي المخزومي، استاذي الذي أحبه ولايحبني، أنت تراث أمة، اجتمعت فيك خصائص الجيد في الأمة، اعتقد ان لا أحد ينافسك في الشعر ويستطيع أن يحقق الغلبة لنفسه عليك أبداً، خُلقت شاعراً، وإياك أن تعمل بغير الشعر، فاخلص للشعر لأن الشعر مخلص لك، كن مع الشعر كما الشعر معك، كن مع الإبداع وليس مع الاتباع، أنت مخلوق من المبدعين، ربما أثرت عليك السياسة، ربما ممارستك للعمل النقدي الاجتماعي أثّر عليك، وأنت للآن لا أقول مغمورا، لكنك لم تأخذ حقك، وما بقي من عمرك يجب أن يكون ملكاً لك، لم ارك تعمل لنفسك، من الممكن ان تعمل لطائفة او لحزب او لمذهب، وعليك الان ان تعمل لوجيه، فوجيه عباس يحتاج إلى أن يعرف الناس وجاهته، انت مغدور، كثير من الناس يتصورون انك ضدهم، وانت طيب، ولا اظنك تكره أحدا، وشعرك سيردده من يحبك ومن لايحبك، وعسى أن تكون هذه الكلمات صادقة ومخلصة ومعبرة عن مجموعة من المثقفين العراقيين وليست وجهة نظر للمتحدث.

حسن العلوي

بعض الطفولات وحي  منك في الصغر

وبعض شيبك طفلٌ فيك بالكبر

كالماء تعلو سماواتٍ بغيمتها

ويوم تثقلها، تأتي مع المطر

كانت حياتك أن الشعر بدء صدى

وكان خاتمة الدنيا إلى خبر

الغيم ظلك، بعض الضوء يسكبه

فيستطيل سماواتٍ بلا قمر

هذا الدخان دمٌ، أعواد مشنقةٍ

ودون عيسى صليبٌ قُدَّ من حجر

يااين تدفعني البيداءُ ظامئةً

وليس تسقيك منها بلغة الاثر

{{{

لعزلتي وحي شيطانٍ ومأدبةٌ

ضيّفت فيهن أيامي على كِبَرِ

أنّثتُ ناري بثلج الشيب ناحيةً

فيما تركت لقلبي حصةَ الذَكَرِ

اني أنادم حقاً لست أنكره

كمن يلوذ بوقد الجمر عن شررِ

وانها شرعةٌ، لكن يعاجلني

فيها بأني غريبٌ أو على سفرِ

يا أين؟ والرملُ فيما بيننا قدرٌ

وقد أقمت ضراعاتي على قَدَرِ

الطين يعثر بي وجهاً، ومئذنتي

هذا التراب، وأهدابي بلا صور

{{{

ياابن الحياة ومادرت محالبها

رضيع حاضرةٍ فيها ومندثرِ

كنت الوجود بما آليت تبعثه

حتى كأنك فيه خازنُ الصررِ

وان بعضَ يدٍ بذرٌ لحاصدةٍ

الجودُ بعض أياديه على الغِيَرِ

ويارقيما على إيمانه سطرت

شتى الديانات فيما جاء في الأثرِ

كفاك منه يقيناً إنه بشرٌ

لوكان فيه سواه الخلق من بشر

وعلّةٍ كُتبت، في الذر أوّلُها

واخرياتٌ لها في عالم البصرِ

انى توزّعَهُ شكٌّ يؤوب به

وترجمانُ تقاه بُلْغَةُ العِبَرِ

{{{

ويا محجة اورادٍ ترددها

كمن يردد آياتٍ من السور

إني أعيذك من جنيٍ، أواخرُهُ

مما به، علقمٌ ينمى إلى الثمرِ

وإنّه موردٌ لابدَّ وارده

يُسقى بكأس له فيها من الضرر

الكل فيها نبي كاذبٌ وفمٌ

وماسواها أساطيرٌ من الفِكَرِ

كنت الغريب بها لكن غرائبها

بأنها وطنٌ زاهٍ من الحُفَرِ

ورب قافيةٍ روّضت وحشتها

حتى أستحال بها عسرٌ الى يسر

كأنني بين أعراس فواحدةٌ

قامت لتسلمني أخرى…. إلى أخَرِ

وهكذا كنت لا صومٌ فيسغبني

وكان ثم صلاة الشعر في السُررِ

{{{

وياصبورا على البلوى تنادمها

ومانديمك الا الوخز في الإبر

تكاد تسخر منها وهي ناشبة

شدقي ثعالبها بالناب والظفر

ترفّعت أن يكون الوجهُ في قُبلٍ

حتى تحول في عينيك للدبر

وما تراءت أسوداً في منازلة

الا ونسبتها كانت إلى البقر

كانوا  أسوداً إذا صالوا عليك بها

لكن اصلهُمُ يُنمى إلى الهررِ

 تقرّن الجلد حتى بت تنسبه

لغير ماخلق الرحمن في البشر

هم الأوائل في بدوٍ وفي حَضَر

وهم أواخر من زُفوا إلى الحضرِ

لا يفقهون حديثاً قد خبرت به

وذاك أوّلُ ماتجلوه في السُتُرِ

لك السماء جناح لو مددت بها

فخلِّ ارضك فيما دونها، وَ طِرِ

حلّق فدونك أضغاثٌ ومملكةٌ

كانت  تموج بها الدنيا على وطر

وخلِّ دونك من يعبا بنائرة

ماضر قدرك لو جوزيت بالكدر

{{{

ياابن التراب حقيقاتٍ يقلبها

معنى وجودك بين الانجم الزهر

دارت فدرت بها في موطن تربتْ

فيهِ لياليك لو عُدَّت من العُمُرِ

وإنما الوطن ُ الإنسانُ يسكنُهُ

ودون ذلك معدودٌ من الجُدُرِ

يكفيك ان طغام الخلق سائبةٌ

وانت في الغيب تتلو آية النُذُر

ولايحيقك مرعى السوء تنكره

ولايضرك ان جاهرت بالضرر

وأنت ياوطناً منفاهُ غربتُهُ

شيّدت فيه بلادَ الروح من كِسَرِ

عيناه نافذةٌ ترنو لنافذةٍ

والقلبُ بابُك أعمتهُ يدُ القدرِ

ستون ذاهبةً في إثرها هَدَرٌ

لوكنت ممن تخطّاها بلا هَدَرِ

وعراً مشيت بها، لم تقتصدْ زمناً

إلا مخافة مرجوٍّ ومُنتَظَرِ

أدرت مسبحة الغفران نافلةً

وهيكل الجسد الفاني من العِبَرِ

“وما أبرّيءُ نفسي” في مجادلةٍ

لو أنها وقفت مني على حَذَرِ

{{{

أقولُ للنفس؛ يانفسي، وربتما

كانت ألدَّ خصاماً فيك من عَثَرِ

كوني كما أنت، إنَّ الدهر ذو عجبٍ

أبقاك شاهدةً في غيبة العُصُرِ

إذ أنت شاهد صدقٍ ليس يعدله

ماصحَّح السندُ المرقوم في الزُبُرِ

وجوِّدي إن بعض الصمت يعزفه

ماناب عنك عزيفُ اللحن في وَتَرِ

الصوت بعضُ ثياب الحرف يخلعها

والأرضُ عاريةٌ إلا من الأُزرِ

جدوى ظلالك في معنى شرقتَ به

تموتُ أرضُك في ليلٍ من الضجرِ

وُ هَبْ قيامتُك الصغرى ستوقظها

هذي يتاماك تنعى وحشة الشجرِ.

     شاحبا

         يقضمك الذهول

تحذر كل شيء

تتلمّس نفسك

مشاركة