كور بابل
هناك كلماتٌ عدة نتعاملُ معها يومياً، نحسبُ أنَّ معناها الصحيح هو المتداول فيما بيننا لكن بعدَ أنْ نتفحصَ الأمرَ أكثر نجدُ أنَّ المعنى الذي ذهبتْ إليهِ غيرَ دقيقٍ، وبعيد عَنْ مَا نتصورهُ، وهذا مَا يتركَ غصة ًفي نفسيةِ الباحثِ عن حقيقةِ الشيء، فطبيعةُ الأمرُ تقتضي أنْ نصححَ ما أُفسد هذه الكلمات بالمعنى الذي دَبَّرَ بعقليةِ الهاوي أو الفاشلِ الذي يعلقُ أردانَ حياتهُ على فشلٍ لا تمحوهُ الأيام، حتى أُهل الأختصاص لم يتقدموا خطوةً واحدةً إلى الأمام وتركوا كلماتنا ومعانيها تتأرجح مع الريح.
مِن هذهِ الألفاظِ مفردة “كربلاء” فالمعروفُ بيننا إنها جاءت من “الكرب” و”البلاء” لكن في البحثِ والتقصي يتبين عكس ذلك فيعود تاريخ هذه المدينة إلى العهدِ البابلي فهي مقبرةٌ للنصارى قبلَ الفتحِ الأسلامي، وعَن معنى “كربلاء” قالَ ياقوت الحموي في معجمِ البلدانِ (فأما اشتقاقها فالكربلة رخاوة في القدمينِ يقالُ: جاء يمشي مُكربلاً ويقالُ: كربلت الحنطة إذا هززتها ونقيتها وينشدُ في صفةِ الحنطة:
يحملن حمراء رسوباً للثقل قَدْ غُربلت وكُربلت من القصلِ فيجوز أنْ تكون هذه الأرض ِ منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك.
يقول هبة الدين الشهرستاني: إنَّ كربلاءَ منحوتةٌ من كلمتي “كور بابل” بمعنى مجموعة قرى بابلية، وإذا فسرنا “كرب” بالعربية أيضاً دلَّ على معنى (القرب) فقَدْ قالتْ العربُ:( كربَ يكربُ كروباً أي: دنا) وقالتْ:( كربَ فلان يفعل وكربَ أن يفعل أي كاد يفعل وكاد تفيد القرب)، أما إذا فسرنا (ال) كان معناه (الإله) عند الساميين، ومنهم من قالَ بأنها مركبةٌ من كلمتين الأشوريتين (كرب) أي: حرم و(أيل) أي الله ومعناها “حرم الله” لكن هناك من يرد على هذا الرأي فلم يرد في التاريخ إنَّ موضعَ كربلاء كانَ حرم الله أو مكان مقدس في تلك الفترةِ، أو مِن المحتملِ أنَّ المسلمينَ خففوا لفظ (كربلاء) من “كور بابل” وهذا الكلام يقالُ إنهُ صحيحٌ وهو ليس لهبةِ الدينِ الشهرستاني، ومنهُمْ مَن قالَ إنها نباتٌ حمضي من الكربل.
إنَّ مَن يزعمُ على إعتبارِ مفردة (كربلاء) هي مِن الكربِ والبلاءِ فليسَ هنالك ما يدلُ على ذلك إذ كانتْ المدينة تأريخياً قبل مجيء الأسلام فمن أين أتى البلاءُ، ولم نسمعْ بحادثةٍ تستحقُ أن تسمى بهذه التسميةِ لكن علينا أنْ نقفَ وقفةً صغيرةً أمام ذلك ونقولُ هناك من يؤسس على إعتبارِ الفلسفةِ الأسلاميةِ قائمة على المأساةِ وعلى الدينِ الأسلامي أنْ يظهرَ عند الآخر بأنه مظلوم ومسلوب حقه من الغير وهذه الفكرة باقية في عقول كثيرة من عامةِ المجتمعِ وغيرهم ومن يعتبر نفسه أمتداداً وناشراً للأسلام.
الأسلامُ دينٌ بُني على المساوةِ بين الناسِ وأخذ العقلُ دوراً فاعلاً في قضاياهُ، ولا يبخسُ حقوقَ الأخرينَ سواء من أبنائه أومن باقي الأديان الأخرى، فالمأساة التي يريدون منها أن تأخذ مساحة أوسع من ذلك في سبيلِ نشرِ الأسلامِ أنها جاءت على عكس ِ ذلك.
حيدرموان ـ ديوانية