كلام على الماشي نصب عراقي
حسن النوّاب
عدت قبل دقائق من مشغل الفنان اياد القره غولي، وهو يضع اللمسات الأخيرة لنصبه المدهش الذي سيقام منتصف تشرين الثاني في منطقة سبياكو المهمة لمدينة بيرث الأسترالية، وكان بصحبتي الشاعر الإسترالي بيتر جفري، حضرنا لكي نكتب قصائدنا على النصب الذي يحمل دلالات ميثيولوجية بروح عراقية، حيث المنبر الشاهق الذي يطير على ركنيه ملاكان مذهلان.. وعلى ظهر المنبر كتبت بيدي مقطعاً من قصيدة مطر خفيف للشاعر الكبير سعدي يوسف .. من ديوان طنجة يقول فيها
مطر باريسي يسّاقط اهون من ريش
لا وقْعَ
ولا سمْعَ …
ولكن النبتة في الغرفة تهتزُّ قليلا قرب النافذة
النبتة تعرف مثلي، ان المطر الأول يأتي بملائكة ٍ
لا وقْعَ
ولا سمْعَ
اذاً، فلأرهف أذنيّ
لعلّي أحظى بالموسيقى السرية
ثم دونت قصيدتي الصغيرة التي اقول فيها
الهي هذا منبرك على الأرض
متى تجيء ..وتجلس عليه
حتى يهتف العالم بحضورك
ايامك سعيدة
بينما كتب الشاعر الأسترالي بيتر جفري قصيدته الجميلة التي تتحدث عن البراءة والأطفال وان هذا المنبر لا يسمح بالجلوس عليه للقتلة .. انما للإنسانية فقط، كما دوّن قصيدة اخرى لشاعر استرالي معروف هو دنيس كلي، يحمل شهادة بروفسور بالأدب الإكليزي وله عشرة دواوين شعرية آخرها حاز على جائزة رفيعة في سدني .. بالطبع كان لابد من الاتصال بالشاعر الكبير سعدي يوسف للاستماع الى آخر ملاحظاته عن القصيدة التي اخترتها قبل نقشها على النصب..وكان حديثا يقطر حبا وتواضعا منهُ، وقد اخبره الفنان القره غولي ان قصيدة اخرى له ستنقش على نصبه الذي اختير مع سبعين فنان عالمي ستعرض على سواحل مصيف كوتسلو الشهير في آذار القادم .. واثار انتباهي وجود شخص بغاية الوداعة وملامحه تشير الى ان اصوله تعود الى مدينة آسيوية، كان هذا الشخص شعلة من الحركة وهو يدور حول النصب كنحلة تغازل زهرة وبيده طين النحت الذي يميل لونه الى الحمرة، يضع لمسة منه هنا ولمسة هناك على كيان النصب المدهش كمن يحاول ان يقدم خدمة للفنان القره غولي، وحين قدمت له سيجارة هز رأسه مع ابتسامة رقيقة وعرفت انه لا يتعاطى التدخين، ثم اخبرني الفنان القره غولي ان هذا الشخص انما هو فنان تشكيلي من اليابان تعرف عليه في سفرته الفنية الأخيرة الى هناك، وفوجئ بقدومه قبل ايام الى مدينة بيرث، ولما تحدثت مع الشاعر الأسترالي بيتر جفري عن فكرة قصيدتي كان الفنان الياباني يصغي بأناة لنا، ولم انتبه الى اعجابه بالقصيدة التي قرأتها للشاعر جيفري ولما اكملت كتابة قصيدة الشاعر الكبير سعدي يوسف مع قصيدتي على ظهر المنبر الذي جعله القره غولي بأرتفاع شاهق، مثلما انتهى الشاعر جيفري من تدوين قصيدته وغادرنا المشغل، بعد ساعة ارسل لي القره غولي الصور التي التقطها بغية نشرها على صفحتي بالفيس بوك ثم كتب لي قائلا الفنان الياباني اعجب بقصيدتك ولكن الخجل كبلهُ، كان يتمنى ان يلتقط صورة معك للذكرى، لانه لم يصدق ان شاعرا عراقيا يقرأ امامه في تلك اللحظات، الواقع دهشت من ذلك وقلت لصديقي الفنان لم انتبه الى ذلك لأن الأطفال لا ينتبهون كثيرا الى التفاصيل ..ثم اردفت قائلا له ترى ماذا كان سيفعل الفنان الياباني لو قرأت له قصيدة الشاعر الكبير سعدي يوسف، من المؤكد ستعقد لسانه الدهشة والذهول لعمق تلك القصيدة؟ أليس من حقي ان اقول الآن طوبى للإبداع العراقي اينما كان حاضرا .
/9/2012 Issue 4294 – Date 3 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4294 التاريخ 3»9»2012
AZP20
HSNO