زمان جديد
عبد الحق بن رحمون
في أيام الجمر والرصاص لما كانت تحترق براكة أو حي صفيحي بأكمله كانت قضية أسباب الحريق تطوى بسرعة، أو توجه التهمة إلى أيّ معتوه تشير إليه أصابع الاتهام بالباطل. وفي ظل التوجس السلطوي، والخوف النابع من أحذية تصدر الضجر في مطاردات بوليسية، كان ناهبوا أجود الأراضي من طرف “خدام الدولة“يتصيدونها بأبخس الأثمان، وينتظرون سعرها ليرتفع، ويشيدون عليها وأفراد أسرهم العمارات الشاهقة، والفيلات حتى يضمنوا مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وأحفادهم. ومع مرور الوقت صار الاعتقاد أن ممتلكات وعقارات “خدام الدولة” كأنهم ورثوها أو اكتسبوها عن طريق العمل وشقاء السنين.
وعجبي كل عجبي، من أراضي “خدام الدولة” التي فاضت أخبارها كما في الصيف حين يضيع اللبن. وعجبي من أحياء القاع والباع، وأحياء مثلث حزام الفقر، التي كانت ولازالت تعيش هامشا قاتلا، وصارت مرتعاً للإجرام، وإذا كان هناك من يزعم أن المتهم الأول في كل جرائم وخطورة “الكَريساج” التي تقع في كوكب كرتنا الأرضية هو الشيطان، لذلك نرى الإنسان في كل دقيقة وساعة، في نومه ويقظته، يلعن الشيطان في السر والعلن. ليبقى الإنسان بريئا من جرائم “الكريساج” بجميع أشكاله وألوانه. صحيح أن الشياطين تتسرب ما بين التفاصيل والسطور، وليس المقصود هاهنا بتلك الشياطين التي لا نراها، ولكن الشياطين التي في صور إنسان من لحم ودم. لذا فلاعيب ولا حرج، أن ينسب “الكَريساج” إلى الشياطين قبل أن ينسب لأصحاب الكاميرا الخفية المنتصبة في الطرق الوطنية من طرف الدرك الملكي، من أجل تسجيل وتقييد مخالفات كيدية، ضد بعض سواقي السيارات الخاصة، من الذين يصرون على احترام القانون ويرفضون النصب والكذب عليهم، بالموازاة تبقى غاية عناصر الدرك الرفع من عدد المخالفات اليومية لكي يرضى عليهم رؤسائهم المرابطين في ثكناتهم المكيفة.
ولما أسمع هذه الأيام هاشتاغ يدعو في المغرب إلى “زيرو ميكة”، أو هاشتاغ آخر يدعو إلى “زيرو كيرساج” أقول مع نفسي على من يضحك هؤلاء بهذه الحملات البئيسة الاشهارية التي تشبه إشهار فقاعات الصابون أو إعلان المبيدات المغشوش.
لأن كل شخص تعرض إلى “الكريساج” أو كان شاهدا على وقائعه المريبة عن كتب، صار يصفه بالفيروس، لدرجة أن أحداث الكريساج ببعض المدن المغربية كالدار البيضاء، وسلا، وطنجة، وبرشيد، وأكادير ونواحيها ، كلها، توصف باستديوهات ومسارح أفلام الرعب الواقعية. وللغرابة أن “محترفي الكريساج” من الجنس اللطيف والخشن يقلدون كل سيناريوهات حلقات البرنامج التلفزيوني الشهير “أخطر المجرمين” بالقناة الثانية (2M) الذي تم توقيف بته نظرا لمساوئه وتأثيره السلبي. من جهة أخرى، إذا أردت أن تتأكد وتعيش فيلم الرعب اليومي عليك أن تستقل حافلة للنقل العمومي انطلاقا من حي السالمية بالدارالبيضاء أو حي مولاي رشيد، أو محطة أولادزيان أو التشارك في اتجاه وسط المدينة أو عين الذئاب، وهنا كما قلت ستلاحظ صعود عصابات متخصصة في أنواع مختلفة من النشل بالعنف، ولا أحد من ركاب الحافلة يستطيع أن يفتح فمه ليقول “اللهم هذا منكر” ، أما إذا كنت تستقل سيارتك وأنت تقوم بجولة رفقة أسرتك إحذر أن تترك أبواب ونوافذ سيارتك مفتوحة. وكن حذرا ، إذ لا ينبغي لك أن تتوقف لأي شخص مادا يده ليسلم عليك، رأيته يستجديك، تكون صادفته في الطريق، طالبا تقديم المساعدة. اعلم أنه مخادع، واحذر أيضا من مقالب سيناريوهات النشالين ومحترفي الكريساج بواسطة السيوف والسكاكين الحادة في الشوارع والأسواق اليومية والأسبوعية، وفي كل الأماكن المعزولة التي بها تجمع وازدحام بشري. ولا تعتقد أنك حينما تصرخ عندما تتعرض للكريساج أن أحد السوبرمانات سيتطوع لنجدتك، أو يساعدك أو ينقدك، لذا اعتبر لحظتها أن الموت محدق بك وعليك أن تتخلى على كل أغراضك الثمينة واطلق ساقيك للريح إذا كنت من هواة العدو الريفي.
الكريساج في المغرب لايحتاج فقط إلى حملات أمنية وتمشيطات في مواسم عابرة، من أجل الزج بهؤلاء المجرمين في السجون، في انتظار توبتهم وإعطائهم “آخر فرصة” من أجل التوبة والاندماج في المجتمع، والتجارب أبانت عودتهم إلى اقتراف الكريساج من جديد، مباشرة بعد انتهاء المدة المحكوم عليهم بها في السجن. لذا تبقى معالجة خطر الكريساج هو اتباع مقاربة شمولية تتدخل في محاربته جميع الأطراف بالمجتمع.
ولنقولها بصراحة الكريساج سببه البطالة،وفشل منظومة التربية والتعليم، ثم قلة الشغل، وانعدام السكن اللائق، والعيش في الأوهام بسبب تناول القرقوبي والحشيش والهيروين والكوكايين، وأنواع مختلفة من المخدرات المهربة.
من جهة أخرى، صيفنا هذا العام جاء حافلا بالدعوة إلى الزيروات، فمن “زيرو ميكا” و “زيرو كريساج”، فاضت قضية جديدة في عز حرارة الصيف، أي ما صار يعرف بقضية زيرو “خدام الدولة” التي يقصد بها تلك الأراضي التي فوتت لعدد من المسؤولين، والشخصيات السامية، بأسعار لاترقى إلى الأسعار التنافسية الباهظة الثمن المعروفة في السوق، وخصوصا أن هذه الأراضي متواجدة في الأحياء الراقية بالرباط إذ تم تفويتها بأثمنة زهيدة جدا.
ولهذا سننتظر ما سيأتي به حصاد هذا الصيف من ” زيروات” ، ومعروف أن حِلاقة الزيرو، في اللهجة المغربية المحكية، تعني التخلص نهائيا من شعر الرأس بواسطة موس حلاقة، لتظهر صلعة تلمع، تعري كل الندوبات والجروح التي أدمت الرأس.
وأخيرا وليس آخر، فرأس الأقرع، كما يقول المثل المغربي “فين ما ضربتيه يسيل دمو“ .