كاريزما السلطة وهامش المعارضة
هاشم لعيبي
تتمتع السلطة بشبكة مغرية من الامتيازات يحجب بريقها نظرة السياسي عن رؤية الثمن الفادح الذي يتوجب دفعه للوصول أو محاولة الوصول الي الظفر بها ويمكن أنسنة السلطة عبر تصورها كائناً يحمل مستويً متقدماً من كاريزما الحضور الاستثنائي وتعبئة الاتباع والمريدين من خلال سحبهم الي بؤرة هيمنتها في رؤية تعتمد الخداع المتبادل حيث يعتقد الساسة أنهم يحركون أحجار السلطة من أعلي جبال القرارات فيما تثبت السلطة في النهاية الدائمة للكائنات السياسية المؤقتة أنها كانت تخدع من يحاول خداعها لذلك لم يكن من السهل علي المتصدين للشأن السياسي بضرورة الاقتناع بترويض الذات السياسية علي قبول الابتعاد عن الأضواء وما يرافقها من القوة والقدرة والتأثير والتحكم”.
وهذا الأمر يعني الذهاب الي هامش المعارضة بما يتضمنه من الضوء الباهت والرضا بمنطقة الظل وخسارة الشعور بأهمية التأثيرات المترتبة علي التواجد في عوالم الظل وهذا المعني قد لا يكون كبيراً في تطورات التجارب الديمقراطية وتقسيم ادوار الأهمية بين الفرقاء لكنه يتوضح ويتجلي ويبدو أكثر ضراوة في التجارب الناشئة ومن هنا تتشظي صراعات البحث عن السلطة وتبرير مختلف السلوكيات للوصول اليها وقد نخطئ الظن حين نعتقد انه بالامكان الزهد تماماً بما تتضمنه السلطة من اغراءات ومكاسب تتحدد في الجانب السياسي فقط فالنزوع نحو الاستئثار بالسلطة بشتي أنواعها طبيعة انسانية أو كما يعبر عنها ميشيل فوكو في أن ” السلطة ليست في مكان واحد انها في الحارس الذي يراقب السجن بحرص شديد وفي صاحب الفرن الذي يبيع الخبز للسجن ويشعر بالفرح لأن السجن موجود ” أو حتي تلك النظرة التي يقدمها للنوع الأناني في الاستحواذ علي السلطة في رؤية السياب لحفار القبور وغير ذلك الكثير من الرؤي المختلفة التي تتمحور حول نقطة تبئير واحدة هي السلطة لكن وعلي الرغم من هذه المستويات السلوكية المنتظمة في الطبيعة الترنسندنتالية للسلطة الا انه بالامكان تهذيبها وتنظيمها من خلال خلق الموازنة ما بين تقاسم الأهمية في السلطة ورقابتها”.
ومهما تكن الظروف فإن نمط الحياة السياسية هو الذي يمنح الأدوار استقلالها وترتيبها ضمن درجات سلم الأهمية مع أن العملية تكاملية تخضع لضمانة الفصل بين السلطات وتجنب التداخل في الصلاحيات غير أن طبيعة المجتمع العراقي عموما تنجذب بصورة تلقائية نحو القطب المغناطيسي لمركز السلطة الذي هو الآخر- أي المركز ــ يعمل علي ترسيخها من خلال تقزيم الأطراف وحصر مصادر القوة والقرار في قبضته يساعده في ذلك الفهم الخاطئ لدور المعارضة البناءة في اللهاث خلف فتات الامتيازات التي توفرها الشراكة غير المنسجمة التي لم تقنع أصحاب السلطة مثلما لم تقنع الفئة المرشحة للعب دور المعارضة وقد نجد العذر في أن الساحة العراقية ليست مهيئة لتقبل العمل المعارض السلمي ولكن من الجانب الآخر تقع المسؤولية علي المتصدين للعمل السياسي في بلورة المفاهيم الخلافية وتغذية الشارع بالفهم الحقيقي لأهمية المعارضة بوصفها المشروع البديل عن اخفاقات السلطة والرقابة التي تحول دون التمادي في الانحراف وتصحيح الخطوات الخاطئة بذات المستوي الذي يتم فيه دعم واسناد الخطوات الناجحة والصحيحة فألامر في نهاية المطاف هو الوصول الي السلطة عبر طرقها المشروعة وهي جعل الحياة أجمل والتنافس حول ايجاد الطرق ألأقصر والأفضل لتحقيق الحياة المناسبة للجمهور”. إن اعادة ترتيب طرفي المعادلة » السلطة + المعارضة « وخلق حضور كاريزمي للمعارضة ليس بالأمر الصعب لكنه بحاجة الي ايمان السياسي أولاً بحاكمية التداول السلمي للسلطة وبعد ذلك تفعيل برامج العمل المعدة لمعالجة الملفات ومد جسور التواصل مع المواطن باعتباره الجهة التي ترجح عمل كل فريق وتمنحه المشروعية التي تترجمها صناديق الاقتراع حيث أصبحت سلاح الشعب الذي من خلاله يثيب أو يعاقب وبهذا تتشكل ملامح خارطة سياسية تعتمد الانجاز المستند الي الرؤية الواضحة والاخلاص في تنفيذ الوعود وفي مقابل ذلك فلن يهنأ المنشغل بملذات السلطة ليس فقط عند نهاية فترة حكمه المحدودة بل وحتي أثنائها بعد أن أخذت المظاهرات تمثل ضغطاً يطيح بأقوي الادارات وبعد أن استوعبت الجماهير من تجارب الماضي درساً مفاده أن الحرية تستحق جميع التضحيات مثلما تمادت السلطات في نسيان أو محاولة نسيان التهديدات الشعبية بواسطة الرهان علي تنفيس الأزمات وسياسة تسويف الوعود والاعتناء باعداد سياسات كبيرة وضخمة تجري علي شاكلة النسق ” السستام ” الذي يُشعر الفرد بعبثية مواجهة النسق لأنه يمتلك القدرة علي احتواء الأزمات مهما كان نوعها وأن بامكانه تحويل الاخفاقات الي مميزات والعيوب الي محاسن من خلال سيطرته المطلقة علي المضمار وقوانينه التي لا تسمح بالخروج عن تلك المعايير بما تحمله من هوامش حركة ضمن اطار المسموح به أو كما يعبر عن ذلك نعوم تشومسكي في رؤيته الساخرة ” افعل ما تريد ما دمت تفعل ما نريد ” وبذلك فأن مستوي متقدماً من افراغ مفهوم المعارضة من المحتوي يجري العمل به لا يمكن تجاوز تأثيراته في المنظور القريب حيث ما تزال معظم القوي السياسية تعمل وفقاً لعقلية المعارضة وتقتضي عملية تغيير الذهنية السياسية الي المزيد من الوقت لاعادة التأقلم المتوازن مع معطيات المرحلة الجديدة بما تستلزمه من ضرورة الاعتماد علي الخبرات الادارية والمهارات الدبلوماسية ووضوح وجهة النظر ازاء مفاهيم معقدة مثل الهوية، الشراكة، الاختلاف، المصالح”.. الي غير ذلك مثلما تتطلب المرحلة الحرجة من مستقبل الدولة العراقية الي اعادة روح الاتفاق حول مفاهيم السيادة، الحرية، حقوق الانسان، العدالة”.. والشق الثاني يتضمن قضايا جوهرية تستند اليها فلسفة الدولة فيما ترتبط مفاهيم الشق الأول بالأداء الحكومي والفارق بينهما يؤشر الي الفاصل بين الاستراتيجيه بمعناها الأعم وبين الخطط التي تهدف الي تحقيق تلك الرؤية في الوقت الذي يشير اليه واقع الحال العراقي الي تشبث القوي السياسية بالحفاظ علي امتيازاتها التي استحقتها عن طريق تضحياتها في مواجهة الدكتاتورية ابان مرحلة الاستحقاقات الثورية مع أننا هنا نؤشر حالتين أولهما أن النخب السياسية قد حصلت طوال الفترة التي أعقبت سقوط الدكتاتورية ولحد الآن ما يوازي تكريمها علي ذلك التاريخ المشرف سيما وأن تجارب عملاقة من تاريخ المواجهات التي انتهت الي نصر المستضعفين تركت مقاليد الحكم لغيرها لتقدم نموذجاً عملياً للتداول السلمي للسلطة ولعل تجربة جنوب افريقيا ورائدها نيلسون مانديلا كانت الأكثر تميزاً في هذا المجال، أما الأمر الآخر فان تسارعاً تكنولوجيا واقتصادياً وأساليب ادارة حديثة تتناسخ يوماً بعد آخر وثورات متلاحقة في عوالم الاتصالات وتقنيات تبادل المعلومات التي تؤسس تبادلاً للأدوار وما تلعبه وسائل الاتصال الاجتماعي لذلك فأن جميع هذه المفردات وغيرها أصبحت تشكل قاموس اللغة الجديدة في اطار عولمة لا تصمد النظم الثابتة أمام انهيارات وتحولات ومخاضات الولادات لعالم يشهد تغييراً مجنوناً تتحرك فيه الأحداث وفق سياقاتٍ أخري غير تلك الحركات التقليدية وتخترق الأساليب القديمة ولا يمكن للنظريات الراكدة أن تتواصل مع تغيرات المد والجزر السياسي وهنا لن تكون الأمور تحت طائلة الاختيار وسوف يكون من المتعذر حتي في اطارعملية الحفاظ علي التدهور مثلما نراه الآن يجري في سوريا علي سبيل المثال وتأسيساً علي هذا الفهم فأن النخب السياسية الحاكمة في العراق لم تستطع أن تكتسب مثل هذه المعطيات التي تؤهلها في التماهي ومد الجسور مع الحركة المتسارعة فلم تشفع الموازنة الخرافية لأكثر من عام أن تصلح الأوضاع المتفاقمة وفشلت الدبلوماسية العراقية في تحقيق الحد الأدني من الخطاب الموحد لدولة العراق حين نجحت في رفع أكثر من علم علي سارية سفارة واحدة وبقي العراق مكبلاً بقيود الفصل السابع من العقوبات الدولية وغير ذلك الكثير مما لا يتسع المقام لذكره ذلك بأننا مازلنا نجهل طريقة وقوانين اللعب في العالم الجديد بعد أن دخلنا مضاميره حاملين عدة الذهول فهذا العالم المستنفر للفوضي جعل سلاحه الجديد الهاء الشعوب وحكامها بالاشغال المتغطرس للفتن وزرع فيروسات الشقاق والخلاف وتحريك الجمر الراقد تحت رماد الهدوء النسبي وربما تشير هذه الاخفاقات الي ضرورات التغيير. اننا وبعد مرور سنه علي المظاهرات ومن خلال مراجعة فاحصة للوضع العراقي نجد اننا نعود دائماً الي ” تيه سيناء ” فالعملية السياسية تفزع الي المؤتمرات والاجتماعات والمصالحة الوطنية تكتسب المزيد من الجماعات المسلحة فيما يزداد الشارع عنفاً والخدمات تتراجع لأن ما يعطي من الحكومة باليد اليمني يأخذه الفساد باليد اليسري وهذه العملية التي احترفها اللصوص الأتقياء أصبحت تشكل مؤسسة تواجه مؤسسات الدولة والياتها وعما قريب ستنطلق المظاهرات من جديد مطالبها الأمن والخدمات والرفاه وبالمقابل سوف تطلب الحكومة فرصاً جديدة لتنفيذ برامجها وهكذا واذا أردنا أن نفهم حقيقة ما يجري في العراق فما علينا سوي أن نقرأ بمزيد من الاهتمام مسرحية ” الدوامة ” لجان بول سارتر.
/2/2012 Issue 4125 – Date 18- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4125 – التاريخ 18/2/2012
AZP07