
كاد المعلم ان يكون .. ترند – اميمة ابراهيم السامرائي
(حيدوري!) تصرخ الطالبة وهي تضحك، يلتفت المعلم بدهشة, وتنهمر الضحكات فيتردد صداها بين جدران الصف وترفع الهواتف لتوثيق اللحظة لتنشر على المنصات ويتحول الدرس إلى عرضٍ هزلي تكون فيه المدرسة مسرحا، والعلم مادة للتسلية وضياع الوقت, وتدهس هيبة المعلم في زمن الترند وحصد الإعجابات. نحن لا نتحدث عن مشهد عابر بل عن صورة سوداء لانحدار تربوي قاس وآخر بقايا الوقار والقيم. في بلد طالما ردد ( قف للمعلم وفه التبجيلا ..ورفع المعلم الى مرتبة تكاد توازي القداسة، صرنا نرى أبناءنا يخترقون حواجز الآداب واللياقة العامة ساخرين من الذي يعلمهم، ينادونه باسمه يصورونه وينشرونه دون علمه ويختزلون كل معايير المنظومة التعليمية في لقطة فيديو ومعظمنا يضحك على المزحة الثقيلة وشقاوة المراهقة. لا أحد يسأل من أين بدأ هذا الانهيار، من البيت أم من المدرسة ام المنصات الرقمية؟ من شاشة الموبايل وغياب دور الأب والأم؟ ؟؟ في الحقيقة لا فرق، فالمحصلة واحدة . والأسوأ من ذلك أن بعض المعلمين أنفسهم يشاركون بالضحك، تحت سقف المرونة والتقرب من الطلبة ليكون الاستاذ المحبوب ، ولا يدرك ان الضحك على هذا المشهد ليس خفة دم، بل استخفاف بالمسؤولية. التربية تبدأ من البيت، لكن البيوت اليوم باتت عاجزة عن تربية ذاتها, فالأب والأم اصبحوا عبيد الشاشات كأولادهم ونسوا دورهم كسلطة عليا تضع خطوطا حمراء لسلوك أبنائها. حتى المدارس المكملة لدور البيت ومجالس الآباء والأمهات التي كانت يوما تتابع سلوك الأبناء، تحولت إلى اجتماعات لجمع التبرعات، واولياء امور (يدورون واسطة حتى ينجحون اولادهم ) وودع الجميع المفاهيم ، وصار التهريج يحسب جرأة والاستهزاء خفة دم والتباهي يكون (بالطشة) . والنتيجة؟ جيل يعرف كيف يصور، كيف يصعد إلى المنصات الافتراضية، لكنه يجهل ان الارتقاء الحقيقي يكون بالعلم.. بالأخلاق.. وبالاحترام. ان ما ينتشر اليوم من مقاطع فيدوية هي انذار للجميع بالتحرك فهذا الجيل لا يحتاج صفعات غاضبة، بل صفعات وعي تفيقه من غيبوبته الرقمية، وصفعات قانون تربوي وإداري يعيد الاعتبار للمعلم. اما إذا استمر هذا اللهاث خلف السخرية والضحك، فلن نربي جيلا يضحك من معلمه فقط، بل سيكون لنا وطن يبنى على ركام النكات التافهة وعلى يد جيل يستهتر بالمقدسات والقيم ولا يحترم من علمه الحرف الأول.



















