قومي قبل أن ينسج علاقات مع المرجعيات الدينية عشية الثورة ويحظى بثقة خامنئي
علي أكبر ولايتي يدخل سباق الانتخابات الايرانية بإرث إدارته السياسة الخارجية 16 عاماً
طهران ــ الزمان
يعود الدبلوماسي المخضرم ووزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي للظهور على الساحة الإيرانية كمنافس جدي للانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فالجمعة المقبلان بعد غياب عن المناصب العامة أكثر من 16 عاما كان فيها مستشارا للشؤون الدولية للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
ولايتي المولود في مدينة شميران شمال طهران عام 1945 هو السياسي الأول والوحيد في تاريخ إيران الذي شغل منصب وزير الخارجية لمدة ستة عشر عاما 1981 ــ 1997 تحت ولاية رئيس الوزراء مير حسين موسوي وخامنئي حين شغل منصب الرئيس وأكبر هاشمي رفسنجاني. ويعلل ولايتي طول فترة مسؤوليته بأنها كانت تكليفا . ولايتي حصل على شهادة في الطب من جامعة طهران ثم تخصص بطب الأطفال في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية . انتخب عضوا بالبرلمان عام 1980، وشغل منصب نائب وزير الصحة عام 1981، وبعد فوز خامنئي برئاسة الجمهورية عام 1981 اختار ولايتي رئيسا للحكومة لكن البرلمان رفض ترشيحه مما دفع خامنئي لاختيار موسوي بديلا له.
وشغل ولايتي منصب وزير الخارجية بحكومة موسوي فترتين متعاقبتين 1981 ــ 1989 وعام 1986 تحدث عن ضرورة إقامة طهران علاقة دبلوماسية مع جميع الدول، واستمر بمنصبه رغم تغير النظام السياسي وإلغاء منصب رئيس الحكومة ولايتين متتاليتين 1989 ــ 1997 عندما تسلم رفسنجاني مقاليد الحكم.
وطرح اسم ولايتي بقوة عام 2005 ليكون مرشح المحافظين لانتخابات الرئاسة، لكنه قال إنه يرفض ترشيح المحافظين وخاض الانتخابات مستقلا ثم انسحب من السباق لعدم رغبته في مواجهة رفسنجاني بالانتخابات وفق مراقبين.
سيرة حافلة
وبالعودة إلى نشأة ولايتي السياسية يبرز انخراطه عام 1962 بمجموعة قومية بطهران كانت مناهضة للشاه، ويزعم ولايتي أنه تعرض للتعذيب مرات عدة، لكنه سرعان ما ابتعد عن هذه المجموعة ونسج علاقات مع المرجعيات الدينية ليصبح بعد ذلك مقربا من الخميني. وخلال دراسته بالولايات المتحدة انضم إلى اتحاد الطلاب المسلمين الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين بهدف نشر الإسلام بأميركا الشمالية ويقول ولايتي إنه انضم إلى حزب الثورة الإيرانية تجمع داعمي الخميني . يعد ولايتي مهندس السياسة الخارجية لإيران الثورة فقد تسلم منصبه بعد عامين من انتصار الثورة وبعد سنة من اندلاع الحرب مع العراق، وبقي بمنصبه مع إعادة الإعمار ودخول البلاد عصرا جديدا بتسعينيات القرن الماضي. وتنقل صحيفة كيهان الإيرانية أن الخميني قال له عندما أراد التخلي عن منصبه عام 1984 لو استبدلناك لقال العالم إن سياستنا الخارجية قد تغيرت خاصة ونحن في هذه الظروف . ويعود الفضل لولايتي في تغيير بنية وزارة الخارجية بعد الثورة وإيجاد كوادر ثورية قادرة على العمل الدبلوماسي كما كان عليه مواجهة التحديات ومنع تدهور العلاقات بين بلاده ودول العالم وخاصة جيرانها، والسعي لعقد تحالفات جديدة لدعم موقف بلاده.
موفد المرشد
وكانت أهداف السياسة الخارجية خلال المرحلة الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية تتضمن عددا من الأسس التي تعبر عن تداخل المفاهيم بين الدفاع والأمن والسياسة، وعماد هذه السياسة وضع الحرس الثوري بخدمة السياسة الخارجية وتحقيق أهدافها خاصة مجال تصدير الثورة الإسلامية . غير أن ولايتي سعى لإحداث تحول بهذه الأسس عبر عنها المتحدث الأسبق باسم الخارجية بقوله عام 1998 إن سياسة إيران لم تكتف خلال السنوات العشر الماضية بالاهتمام بالأمن القومي والإقليمي فحسب، بل جعلت العالم الإسلامي كله من أولويات اهتمامها .
وبلغ نشاطه الدبلوماسي حدا جعل أحد رسامي الكاريكاتير الإيراني يصورونه راكبا إحدى الطائرات ممسكا بنظارة مكبرة باحثا عن أي دولة صغيرة لكي يزورها ويتباحث معها، مما يعني أنه لم يترك بلدا لم يزره أو يتباحث معه حتى الولايات المتحدة ما عدا إسرائيل. بدأ ولايتي سياسة التحول تجاه القضية الفلسطينية، حيث أصبحت إيران تؤكد حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم واسترجاع حقوقهم بالطريقة التي يرتضونها، في نفس الوقت الذي تعلن فيه رفضها لمباحثات السلام. كما أحدث ولايتي تحولا بالسياسة الإيرانية تجاه مصر بثقلها السياسي والحضاري، ووضع قاعدته المعروفة بأن كل خطوة تخطوها مصر بعيدا عن النظام الصهيوني لصالح فلسطين تقربها من إيران.
وبعد تركه للخارجية وتعيينه من قبل المرشد مستشارا خاصا، استمر ولايتي بلعب دور دبلوماسي مختلف عن السابق، وانتداب خامنئي له كمفوض فوق العادة ليس جديدا بالسياسة الإيرانية، فالخميني من قبله مارس السياسة نفسها، أي أن البلد يكون فيها وزير خارجية يعبر عن السياسة الخارجية الرسمية ومستشار يرسله المرشد لإيصال رسائله الشخصية بالمحطات المفصلية. ويرى مراقبون أن ولايتي ظل في كافة المراحل مواليا بشدة للمرشد حتى أصبحت تصريحاته وأفعاله مرآة أو نافذة لمواقف وأولويات المرشد.
كان وحيد عائلته، وتزوج مرتين بعد وفاة زوجته الأولى، ولديه 6 أولاد 4 صبيان وابنتان . ثلاثة من أبنائه الذكور تخصصوا في الهندسة، وأحدهم طبيب، فيما نالت إحدى ابنتيه شهادة في الرياضيات، والأخرى شهادة في علم النفس. ويعتقد ولايتي أن من واجب المرأة الاهتمام بالعمل المنزلي، كونها ربة البيت .
انسحب من انتخابات 2005 بعد ترشّح رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، إذ يكنّ احتراماً له، وهو عضو في المجمع واللجنة العليا للثورة الثقافية، وسكرتير مجمع أهل البيت العالمي، إضافة إلى ترؤسه مستشفى متخصصاً في الأمراض المعدية والصدرية.
عُرف باعتداله إزاء الأزمات التي عانتها إيران، وخصوصاً أحداث 2009، إذ لم يواجه الإصلاحيين ولم يصطدم مع الأصوليين، وبقي قريباً من مصادر القرار السياسي والديني.
لولايتي مؤلفات في الطب والتاريخ والصحوة الإسلامية.
حصل ولايتي على دعم أبرز تنظيم أصولي، جبهة السائرين على خطى الإمام والمرشد التي تضم معظم الأحزاب والهيئات السياسية والنقابية الأصولية التقليدية، لكنه لم ينل مساندة مؤسسات ثورية، مثل الحرس الثوري ، إذ قد يكون الوحيد من المرشحين الذي لم يشارك في الحرب مع العراق 1980 ــ 1988 ، لكنه عارض بشدة قبول وقف إطلاق النار مع نظام صدام حسين.
وفي حزيران 2009 هزت الجمهورية الاسلامية تظاهرات احتجاج على اعادة الانتخاب المثيرة للجدل لاحمدي نجاد، جرى قمعها بعنف. لكن هذه السنة يريد المرشد الاعلى للجمهورية اية الله علي خامنئي انتخابات منظمة هادئة وبدون احتجاج كما قال علي رضا نادر الباحث في مركز الابحاث الامريكي راند كوربوريشن .
وقد نددت واشنطن وباريس بـ نقص الشفافية في عملية اختيار المرشحين الثمانية وبينهم خمسة من المحافظين المقربين عموما من المرشد، من قبل مجلس صيانة الدستور.
وهذه الهيئة التي يسيطر عليها المحافظون المتشددون، استبعدت الرئيس الاسبق المعروف باعتداله اكبر هاشمي رفسنجاني 1989 ــ 1997 واسفنديار رحيم مشائي المقرب جدا من احمدي نجاد. وفي عداد المرشحين الى الانتخابات الرئاسية علي اكبر ولايتي وسعيد جليلي وكلاهما مستشاران مقربان من المرشد، ورئيس بلدية طهران الحالي محمد باقر قاليباف وهو تكنوقراطي له ماض عسكري وشرطي، ورجل الدين المعتدل حسن روحاني الذي فاجأ الجميع بخطابه الهجومي، اضافة الى محمد رضا عارف وهو اصلاحي لا يتمتع بنفوذ كبير.
وتجدر الاشارة الى ان الدستور يحظر ترشح احمدي نجاد لولاية رئاسية ثالثة.
اما الحملة الانتخابية فاتسمت بالرتابة. فقد جرت ثلاث مناظرات متلفزة محددة الاطر، وخلت الحملة عمليا من اي اعلانات في البلاد حيث منعت التجمعات العامة للناشطين.
لكن مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين تزعما حركة الاحتجاج في 2009 والموضوعين قيد الاقامة الجبرية منذ سنتين، دعيا للمشاركة في النقاش مع شعارات تطالب بالافراج عنهما الثلاثاء اثناء مراسم تشييع رجل دين اصلاحي.
ودعا آية الله خامنئي 73 عاما الى المشاركة في الانتخابات التي ستكون بمثابة تصويت على الثقة بالنظام . لكن الناخبين المقدر عددهم بـ 80،5 مليونا يبدون اكثر قلقا من الازمة الاقتصادية.
وتخوض ايران اختبار قوة مع القوى العظمى التي تشتبه بان يخفي برنامجها النووي الذي اعيد اطلاقه في 2005 بعد وصول احمدي نجاد الى الحكم، شقا عسكريا. وتنفي طهران من جانبها اي طموح حربي وتصر على المطالبة بالاعتراف بحقها بالطاقة النووية المدنية. واكد اية الله خامنئي التي تعود له الكلمة الفصل بشأن الملفات الحساسة، بانتظام ان القنبلة النووية حرام تحظرها الشريعة. وازاء الموقف المتصلب الذي يعتمده المفاوض الايراني سعيد جليلي وينتقده بعض المرشحين، فرضت الامم المتحدة والدول الكبرى عقوبات اقتصادية ما لبثت ان شددت في 2012 بحظر مالي ونفطي فرضته الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي.
وراى كريم ساجد بور الخبير في مؤسسة كارنيغي للسلام، مقرها في الولايات المتحدة، ان البرنامج النووي كبد ايران في الاجمال خسائر في الاستثمارات الاجنبية والعائدات النفطية تقدر باكثر من مائة مليار دولار .
وقد تدهورت الصادرات النفطية التي تعتبر مصدرا هاما للعائدات بنسبة 40 في 2012، بحسب الحكومة. ولم تعد طهران التي عزلت من النظام المصرفي الدولي، قادرة على استعادة بترودولاراتها المقدرة بخمسة مليار دولار شهريا.
ويعاني الاقتصاد بقسوة من تضخم تجاوز معدله بحسب الارقام الرسمية 30 كما انخفضت قيمة العملة الوطنية بنسبة تقارب الـ 80 . كذلك فان الانفاق الاسري ازداد بنسبة 63 في خلال عام كما اكد مهني في القطاع.
الى ذلك فان النزاع السوري يشكل ملفا ساخنا اخر بالنسبة لايران المساندة بقوة لنظام الرئيس بشار الاسد. وهي متهمة بتزويده بالسلاح وبالتورط في النزاع مباشرة او عبر حزب الله اللبناني.
ويتساءل المراقبون حول هامش المناورة التي سيتمتع به الرئيس المقبل بشأن هذه الملفات التي يسيطر عليها المرشد الاعلى والحرس الثوري ، جيش النخبة للنظام.
واعتبر افشون اوستوفار الخبير في مركز الابحاث الاميركي سي ان ايه انه اذا امتلك الرئيس المقبل القدرة والارادة الطيبة يفترض ان يمارس الضغط على النظام ليقدم تنازلات بشأن الملف النووي ويساعد على تحسين الوضع الاقتصادي. لكن اشك في ان يكون اي من المرشحين في موقع يمكنه من فعل ذلك او القيام باي مجازفة .
AZP02