قوري أم ستوري – جليل وادي

قوري أم ستوري – جليل وادي

لا أقصد بهذا العنوان تذكير كبار السن أمثالي بأم ستوري ، تلك الدلالة التي رسخها في أذهاننا رسام الكاريكاتير المرحوم عباس فاضل الذي يطل بها علينا اسبوعيا من خلال صفحات مجلة ( الف باء ) في فترة الثمانينيات والتسعينيات ، حتى غدت أم ستوري التي تلتف بعباءتها السوداء وأمامها صُرر سلعها ، ايقونة  شعبية تتداولها الألسن كلما مر الحديث عن الدلالات ، او مثالا للفساد الذي يمارسه البعض من الموظفين الصغار في الأسواق المركزية الحكومية الذي يهربون السلع لام ستوري لتبيعها بأعلى من ثمنها ، فقد كان الحصول على طبقة بيض آنذاك من الانجازات ، اما الحصول على سلعة معمرة فذلك هو الفوز العظيم ، ذلك ان البلاد كابدت أزمة اقتصادية حادة ومن مظاهرها : الطلب على السلع أكبر من المعروض نتيجة الحرب والحصار وغيرهما من أسباب .

ورسمت تعليقات عباس فاضل المصاحبة لتخطيطاته البسمة على الشفاه المتيبسة من العوز والألم والقهر والاشتياق لحبيب مرابط في جبهات القتال منذ سنوات طوال ، ولا أمل عنده  بالتسريح من الجيش أبدا ، واستمتاعه برؤية أهله  وأحبابه لا تتجاوز اسبوعا لكل شهر أو أكثر ، ويستهلك الطريق منها يومين ذهابا وايابا . وعُدت تلك الرسوم وتعليقاتها غاية في الجرأة بنظر الناس في ذلك الزمان ، الأمر الذي جعلها متنفسا لما يجول في دواخلهم ، بالرغم من كونها رسومات بسيطة تتعكز على التعليقات المكتوبة أكثر من اعتمادها على الصور المرسومة ، لكنها استفزت النظام كما يقول البعض  .

وبعد غيبة طويلة استغرقت أكثر من عقدين عادت ام ستوري بحيوية ونشاط  وكأنها في بداية شبابها الذي عرفناه في تلك الفترة ، ولكن هذه المرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، والفيس بوك على وجه التحديد ، ولا أستبعد أن تكون لها صفحة على الأنستغرام ، وهو الموقع الأكثر جذبا للنساء العراقيات من غيره .

 لم تنشر أم ستوري شيئا لافتا في صفحتها الفيسبوكية سوى صورة ( قوري ) بسيط موجود بكثرة في أسواقنا وبسعر زهيد ، وأرفقت مع الصورة تعليقا  موجها للنساء باللهجة العامية يقول : ( منو عدهه مثل هذا القوري ؟ ) .

طبعا كحال غيري من المعاصرين لأم ستوري العزيزة ، دفعني الفضول لتصفح صفحتها ، وفي خاطري سيل من الذكريات التي مرت وكأنها الأمس من دون أن أعرف كغيري كيف ( راحن وانگضن أيامنا الحلوة ) على حد تعبير أغنية الفنان حسين نعمة ، لكنك بمجرد النظر بالمرآة حتى تكون بمواجهة الحقيقة .

ما أدهشني في بوست أم استوري هو عدد التعليقات التي تجاوزت (400 ) تعليق ، متناولة القوري من وجوهه المختلفة ، ضحكت في داخلي على نفسي ، وكذلك على بعض الزملاء الذين يمتهنون الكتابة في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية ،  وبخاصة منهم كتاب الأعمدة الصحفية الذين لا تحصل كتاباتهم في أحسن الأحوال على خمسين تعليقا واعجابا بحسب متابعتي لصفحات زملائي على مواقع التواصل ، وقد يكون الاعجاب عبارة عن مجاملة وليس بالضرورة أن يكون المعجب قد قرأ المقال ، فأين نحن من أم استوري ؟

صار علينا ان نواجه أنفسنا بحقيقة ان غالبية استخدامات الناس للمواقع الالكترونية لا ترقى الى أكثر من قوري أم ستوري ، مع ان في هذه الوسائط طاقات هائلة يمكن استخدامها في المجالات التي من شأنها الارتقاء بالمجتمع ، لكن للأسف شغلت ( بوستات ) أم ستوري مساحة واسعة من اهتمام مستخدمي المواقع تفوق أضاعفا مضاعفة اهتمامهم باستثمارها في التربية والتعليم واثراء الثقافة والمعارف .

ومع ان التحديات التي تواجه المنظومة التربوية والتعليمية في بلادنا عديدة ، الا ان قوري أم ستوري يعد الأكثر تهديدا ، والأبرز بين المعوقات التي تحول دون بلوغ الأهداف التي يروم المعنيون بالتربية والتعليم الوصول اليها ، فهل جرس انذار أم ستوري وغيره يجعلهم يفكرون بجدية في ما دعونا اليه سابقا بضرورة  ادراج ( التربية الاعلامية ) ضمن مناهجهم الدراسية ؟ والا ، فسوف نكون أسرى ( بوستات ) أم ستوري ، وما يترتب على هذا الأسر من كوارث  .

مشاركة