قمة بغداد
أحمد المرشد
22 عاما كانت فاصلة بين قمتي بغداد 1990 و2012، وتضمنت العديد من الاحداث الجسام في عالمنا العربي،كانت بدايتها قرار صدام حسين احتلال الكويت، هذا الحدث المرير بكل تداعياته المؤسفة الذي اعادنا الى الوراء مئات السنوات، وربما اخرها، ما يجري في سوريا الشقيقة حيث يتمسك بشار الاسد بكرسي الحكم رغم اعلان شعبه كرهه له ومطالبته بتنحيه وتكريس نظام جديد يقوم على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. ولا غرابة، في ان الحدثين المذكورين يشيران الى نظامين بعثيين اهملا حقوق شعبهما وظلا متعطشين للدماء والسلطة . وبين التاريخين المذكورين، كان العراق ربما دولة منبوذة لفترة من العرب والعالم الى ان عاد الى التاريخ مرة اخرى، وتستضيف قمة متأخرة عاما كاملا لتثبت للعالم قبل العرب بأن التاريخ لا يموت، وان العراقيين وإن غابوا لفترة عن المشهد العربي والعالمي، لقادرون على التقدم مستلهمين تاريخا عريقا وثقافة كانت ملء السماء والارض.
وباحدث قمة عربية، عاد العراق مجددا الى الحضن العربي و استعادة دور إقليمي مفقود بسبب سنوات الحرب والعنف الطائفي، وبسبب تاريخ سياسات رئيسها السابق الحافل بالحروب والعداوات. ولنا في قول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لعبرة لقد عاد العراق إلى ما كان عليه بل أقوى، لأن قوة العراق ستكون للخير وليس للشر كما كانت تستخدم في السابق . ومن هنا، فان العراق العائد بقوة الى هذا الحضن العربي، لن يغرد خارج السرب، بل دولة جار ذات ثروة، وامان لمحيطها العربي والخليجي.
نعود الى القمة بمضمونها غير السياسي هذه المرة، فهي ربما تكون الاولى التى تتبنى مقررات لم يكن المرء يتوقعها فى قمم سابقة، مثل التشديد على أهمية الإعلام بوسائله كافة بما فيه الإعلام الرقمي لما له من دور وتأثير كبيرين والتقيد بالموضوعية والصدقية من دون مساس بحرية التعبير والرأي. فمن كان يتخيل ان يناقش القادة العرب مسألة اعتادوا التحكم فيها وهى الاعلام بوسائله المختلفة، فالحكومات كانت تتمسك بتلابيب الاعلام وليس الافراد.. اما ان تأتي قمة عربية تؤكد أن حرية الإعلام مرتبطة بروح القوانين التي تتماشى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ودعوة الهيئات والمؤسسات الإعلامية العربية للعمل في ضوء هذه المبادئ. فهذا امر يدعونا للتفاؤل بعدما انتهت حقبة الوصاية على الاعلام. ورأينا ان القادة العرب هم الذين يدعون الى نبذ الإعلام المحرض الذي يشيع روح الكراهية والتفرقة والطائفية والتكفير وازدراء الأديان، فالحكام اصبحوا الآن يشتكون من الاعلام بعد ان كانوا يستغلونه لمصالحهم، وهذا هو حال الحرية.
شريحة الشباب
وليس الاعلام وحده نجم قمة بغداد، فهناك شريحة الشباب التى توجه اليها القادة العرب بكل اهتمام وتقدير، نظرا لما اكتشفوه في عالم الشباب من مقدرة فعالة على تغيير الموازين، فالاحداث التي شهدتها دول الربيع العربي تؤكد قدرة هؤلاء في تغيير قواعد اللعبة سواء على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،، وبالتالي، طالبت القمة بضرورة تفعيل العلاقات الشبابية بين الشباب العربي. ولم ينس اعلان بغداد الى الدعوة للعمل على إتاحة الفرص أمام جيل الشباب لتمكينه من المشاركة الفاعلة في المجتمع، وتوفير فرص العمل له وتطوير العمل العربي المشترك في إقامة المؤسسات التي ترعى مصالح الشباب ودورهم المؤثر في صنع مستقبل بلدانهم.
واذا كنا في الماضي ونحن نقرأ في مضامين القمم العربية السابقة، نهتم فى الغالب بالشق السياسي والاقتصادي، فان قمة بغداد اختلفت كلية من حيث المطالب، اذ ركزت على مبادئ جديدة لم تكن القمم السابقة لتقترب منها البتة.. ومثالنا على ذلك، ما اوردته قمة بغداد من التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان وضمان حقوق مواطني الدول العربية في المساواة في حق الانتخاب والتنمية والصحة والتعليم .. والاهم من كل هذا هو الدعوة الى ضمان حقوق الأقليات السياسية والثقافية وحرية ممارستهم طقوسهم الدينية واحترام تقاليدهم ورعاية مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.
لقد تطورت الشعوب واصبحت مشاركتها فى القمم امرا ضروريا، ومن هنا جاء الحديث عن الاقليات في الوطن العربي، بعدما كان مجرد التفكير فيها امرا يؤلم الحكام والانظمة، لانه لم يكن يوجد نظام يقبل بوجود فكرة الاقليات فى بلاده، وبالتالي يرفض الاشارة الى هذه الاقلية من قريب او بعيد. اما وقد جاءت قمة بغداد، فكان الاشارة الى موضوع الاقليات امرا جديدا، يؤكد ان الانظمة حدث لها تغير تام فى المفاهيم والعقائد. وبالتالي، سيكون من حق اي اقلية فى دولة عربية ما المطالبة بحقوقها المنقوصة وباستعادة ما فاتها من حريات وحقوق. ولكن ما يحسب لقمة بغداد هو دعوتها الى تكثيف الحوار بين الأديان والحضارات والشعوب وإرساء ثقافة الانفتاح وتفعيل التعاون والتنسيق بين المؤسسات الثقافية العربية.. وقبول الآخر ودعم مبادئ التآخي والتسامح ونبذ التطرف والابتعاد عن الفتاوى المحرضة على الفتنة واحترام القيم الإنسانية التي تؤكد على حقوق الإنسان وتعلي كرامته وتصون حريته. ولعلنا نركز في هذا المقام على فكرة نبذ التطرف والابتعاد عن الفتاوى المحرضة على الفتنة واحترام القيم الانسانية، فكلنا بشر سواء كنا نتبع دينا واحدا او ادياناً مختلفة، والفكرة هي ان البعض حتى ممن ينتمون للدين الواحد يميلون الى الاستقواء بعددهم او باخرين يعدونهم بسلطة وجاه وسلاح ورشوة ربما كانت في صورة دعم معنوي ولوجستي او حتى مالي.
اعتقد ان قمة بغداد اذا كانت تطرقت الى كافة الامور التى تؤلم العرب وهي العمل العربي المشترك والتكامل الاقتصادي مرورا بقضية فلسطين التاريخية ودولة الصومال المعذبة والربيع العربي وتطوراته.. فثمة مشكلة كبيرة واجهت القمة ولم تتمكن من حلها او على الاقل التفكير بجدية لايجاد حل لها، وهي قضية الاشقاء في سوريا، واعتقد انها قضية ستستمر لبعض الوقت الى ان يتمكن العرب من التوصل الى فكرة موحدة تقضي بضرورة تسليح المعارضة السورية، لانه بدون سلاح لن يتمكنوا من التغلب على جيش عتيد جبار يستخدم كل امكانياته من اسلحة وخيرة وعتاد وطيران وقذائف لقتل الشعب البريء الاعزل. وبدون هذا الحل، لا يحق لنا الكلام والتحليل فى مجريات امور لا تستقيم سوى بتسليح المعارضة بغض النظر عن مخاوف امريكية بأنها تزعم بان تسليح المعارضة السورية سيؤدي الى توصيل السلاح مجانا الى تنظيم القاعدة في سوريا، وبهذا يعيد الامريكيون للاسف خزعبلات يرددها النظام السوري لتخويف العرب والعالم من مد يد المعاونة للمعارضة السورية. المرحلة الحالية مليئة اذن بالفرص والتحديات، وليس مبالغة القول بأن مستقبل العرب في القرن الواحد والعشرين يتوقف على قدرتنا، مجتمعين، على بلورة استراتيجيات مشتركة لتعظيم الاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات . بيد ان السؤال هو مدى الثقة في قدرتنا كعرب على مواجهة التحديات ؟.. والاجابة تتوقف على قدرة العرب على تطوير آليات العمل العربي المشترك.
كاتب بحريني
/4/2012 Issue 4167 – Date 7 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4167 التاريخ 7»4»2012
AZP07