قطبا العلاقات وما بعدها – جاسم مراد
قد اغاضت الكثير من الأطراف وفي المقدمة الكيان الإسرائيلي ، تجديد العلاقات السعودية الإيرانية ، فالرهان على إبقاء التوتر في منطقة الخليج العربي وفي العلاقات الإيرانية السعودية قد بددته رؤية المستقبل والمصالح المشتركة والتحولات الكبرى والمهمة التي تجري في المكونات الدولية ، فقد استشرفت المملكة العربية السعودية تلك التحولات واسست للتوجهات الاقتصادية الجديدة ( 20_30) وهو المشروع الاقتصادي الطموح الذي اطلقه الأمير محمد بن سلمان على قواعد المصالح السعودية اولاً ومنطقة الخليج والعرب ، وبالتأكيد مثل هذا المشروع يحتاج الى الوئام والسلم والتعاون في عموم المنطقة على المصالح المشتركة ، وحتماً إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي واحدة من اهم دول الجوار والمنطقة التي يمكن التفاعل معها وتحقيق المصالح والمشاريع الاقتصادية الطموحة .
خمس جولات
إن تذويب جليد الخلافات بين ايران والسعودية قد بدأ منذ الجولات الخمس التي عقدت في بغداد وما لحقها من مباحثات في سلطنة عمان وتكللت بالضامن الصيني الكبير والأمين والمخلص لكلا الطرفين ، هو مقدمة للعمل المشترك في حلحلة قضايا الخلافات في المنطقة والاسهام المشترك في معالجة وحلّ الازمة اليمنية ، حيث الكثير من خيوط هذه الازمة تحركها اطراف دولية تستهوي الصراعات وتعتاش على المشاكل بين شعوب المنطقة ، فإذا ما تفق الطرفان السعودي الإيراني على مساندة ودعم الأطراف اليمنية لمعالجة قضاياهم ورفض التدخلات الخارجية فأن الأمور تسير على وفق منهج اليمن لليمنيين . لقد افرزت السياسة السعودية في المرحلة الراهنة قراءة موضوعية لمصالح السعودية والمصالح العربية وحقوق الدول الشريكة الأخرى ، وقد تكشف ذلك في سياسة أوبك النفطية بالتعاون مع الشريك الكبير الاتحاد الروسي والدول المصدرة الأخرى عبر خفض الإنتاج مليوني برميل يوميا بغية المحافظة على استقرار الأسعار والتوازن في العرض والطلب ، وبالتأكيد فأن المملكة والدول الأخرى تعرضت لضغوط كبرى من الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية بغية زيادة حجم صادرات أوبك السد العجز الحاصل بسبب الحرب الاكرونية الروسية وسياسة الضغط الاقتصادي على روسيا ، إلا أنها هذه المرة ونقصد السعودية اثرت العمل عبر مصالحها الوطنية أولا والامتناع على أن تكون طرفاً في هذا الصراع وتثميناً لمنهجية العمل السلمي والحواري في حلً القضايا الخلافية العالمية مع احترام حقوق الدول في تأمين امنها القومي كما تريد روسيا الاتحادية . نعتقد على وفق مجريات الموقع الريادي الإسلامي للمملكة العربية السعودية ، وكونها هي مركز الحرمين لاكثر من مليار ونصف مليار مسلم لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تكون بوابة الاتفاق مع الكيان الصهيوني ، ثم ليس بوارد المملكة القفز على المشروع العربي الذي طرحه الملك عبد الله رحمه الله في بيروت عام 2002أمام القادة العرب والمتضمن السلام مقابل الأرض والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وان ما يشيعه الكيان الإسرائيلي من ان اتفاقات ابراهام ستكون المملكة جزءً منه عبر سياسة المصالحة مع هذا الكيان ما هو إلا جزء من سياسة التلاعب بمقدرات الامة وخلق الشقاق بينها وبين جماهيرها الرافضة قطعيا لهذا الكيان والمؤيدة لنضالات وكفاح الشعب الفلسطيني عبر اكثر من ثمانين عاما من اجل الحرية وعودة اللاجئين والاستقلال الناجز لفلسطين.
ومن المؤكد إن التصالح الإيراني السعودي وعودة العلاقات الى عهدها السابق والمشاركة في حلحلة القضايا الخلافية وفي المقدمة اليمن سيفتح الأبواب نحو تعزيز العلاقات بين كل الأطراف ويسود السلام في المنطقة مع مشاركة كل الأطراف والدول المحبة للخير والسلام في دعم الشعب اليمني وتنمية حركته الاقتصادية لكي يكون عامل استقرار في المنطقة بعد ثمان سنوات من الحرب .
قتل جماعي
إن الاحداث التي تشهدها إسرائيل وتوسع الانشقاق بين اجنحتها وعمليات القتل الجماعي للفلسطينيين ورغبتها المحمومة في تصدير مشاكلها وحروبها الى خارج الأرض المحتلة تأكيد إضافي بان هذا الكيان لايريد السلام والتعايش في المنطقة ، وبالتالي كل المصالحات التي تجري أو جرت وظفها للمزيد من خلق الشقاق في الساحة العربية وفي تعميق منهجية التنصل من الحقوق العربية الفلسطينية التي كفلتها المواثيق والقوانين الدولية ، وهكذا بدأت الخطوة الأولى السعودية الإيرانية وستتلوها خطوات أخرى لخير الجميع والمصالح القومية العربية والإسلامية والشرق اوسطية.
لقد اثبتت الصين فعاليتها الاقتصادية في المنطقة إضافة لتقدمها السياسي ، وكان توقيع اتفاقات حل المشاكل وتعزيز العلاقات بين الرياض وطهران برعاية صينية واحدة من أهم خطوات الدخول الصيني للمنطقة عبر سياسة تصفير المشاكل ، فيما تتراجع واشنطن التي أسست لعلاقات تفعيل الخصومات والمشاكل وفرض الحصارات لكل من يختلف معها من الدول ، فالصين ليست دولة استعمارية ولم تحتل بلداً وهي تبني العلاقات على أساس المصالح الاقتصادية والاستثمارية بينها وبين الدول وهذا ماتحتاجه منطقتنا العربية .