قصص وجوه ملونة لرجاء الربيعي

 قصص وجوه ملونة لرجاء الربيعي

اللّعبة الإنتاجيّة وصيغ الروي

علي لفتة سعيد

ربما.. حين تقرأ نتاجًا لمنتجة يكون التلقّي بحثا عن العناصر المشتركة بينها كمنتجة وبين الأنوثة أو قضايا المرأة.. أقول ربما يشترك الكثير من القرّاء في  هذا الاتجاه.. تلك قراءة أو فكرة مسبقة عن النصّ كون التي أنتجته هي امرأة حتى لو كانت لها تجارب كبيرة وعديدة، وهذه إسقاطات قد تضر بالنصّ في مرحلة التلقّي وقد تنفعه، كون الأمر يحمل وجهين وإن كانا جميلين، لكن الأولى تسقطه في التلقّي المسبق، والثانية تمنحه دفء التلقّي.

نصوص قصصية

 في مجموعة القاص رجاء الربيعي (وجوه ملونة ) ربما لو وضعها ورقة على الاسم فإن الأمر سيتحمل الاثنين معا.. القراءة المسبقة بكون الأمر لا يخرج عن أن المنتج هو امرأة والثانية، ان اللغة التي كتبت فيها النصوص القصصية الأربع والعشرين فضلا عن ثمان قصص قصيرة جدا فيها نوع من الجهد الذي يريد التخلص من قبضة الأنثى لحقول النص بفكرته التي لا تخلو هي الأخرى من خلال القراءة من أنها تتناول الهموم والصراعات الانسانية المتمثلة بالمرأة. ولهذا فإن اللّعبة الإنتاجيًة تبدأ مع العنوان الذي كان عنوان قصة من قصص المجموعة، لذا ستنتفي الحاجة الى اعتباره باب مدينة القصص، بقدر ما هو باب للتلقّي الذي يزيح التأويل بعد إيجاد الدليل العام للقصص، مثلما الدلالة التي تحاصر الأفكار التي تحيط المجموعة. لذا فان القصص تبدا بالدخول المباشر الذي يمسكه المتلقي ويقول ان المنتجة امرأة، حتى في تلك القصص التي جعلت من الشخصية البطلة رجل كما ف قصة ( سفر الجريح ) والتي اقتطعت جزءا من صراع / البطل/ الجريح/ المصاب بشظية إلا فيما يتعلق بغرفة الاستشفاء فكان هي من القصص القليلة الصراع والتمدّد، كون البطل ذكر.. لكنها في النصوص الأخرى ربما كانت تهرب من الكتابة بصيغة المتكلّم/ الأنا والتي تمنح المنتج حرية التنقّل والمناوبة والاستدراج والروي والتخلّص من قبضة الراوي كلّي العلم، فهي قد لجأت الى المرأة عبر مخاطبتها منذ البدء وإن كان عن طريق الروي الغائب (هي) .

إن اللعبة في هذه المجموعة أخذت مسارين:

المسار الأول: العنوان  الذي يوحي الى قدرة المنتجة في تبويب  النص لصالحها وإن كان يحمل في بعضه اتجاهين أوّلهما الاتجاه الشعري ،والثاني الاتجاه المباشر.

المسار الثاني: الحكاية التي تعتمد عليها الفكرة لإنتاج النصّ القصصي وهي تتّخذ مسارين. أولهما: فكرة الصراع مع الآخر وكشف مهيمناته.. والثاني: الرسالة التي تحملها الفكرة والتي تريد من خلالها تبويب الهدف عبر المستوى القصدي الذي أرادته المنتجة.

ولهذا فإن صيغة الروي كانت واحدة من علامات الكتابة الفطرية من خلال لغة المخاطب الغائب/ هي،  وكأنها تسرد/ تحكي للقارئ/ الرجل محنة المرأة، ليس بوصفها مظلومة أو إنها تعاني من صراع الوجود في البيئة قاسية تحكمها الأعرف، بل من خلال جعل فكرة القصّة هي المعيار الدلالي. ولهذا فإن هذا الأسلوب وإن كان في بعض القصص من يكون المخاطب هو/ الرجل.. وأنا / المتكلّم. لكنها اتّذ طريقتين في هذا الاتجاه.

الأول: النصّ الذي يحكي عن المرأة كان بطريقة الغائب.

الثاني: النصّ الذي يحكي عن الآخر/ الرجل/ أنا. اتخّذ من صيغة المذكّر حتى لو كانت بطريقة الغائب / هو.

ولهذا فإن ما يميّز البنية التدوينية الكتابيّة هو أن الاستهلال يشي منذ البدء في التعرّف على طريقة الروي. وبالتالي سيسير المتلقّي معها من أجل الوصول الى هدفية القصّة ومسك الحكاية واستحصال التأويل. فهي تضع اللبنة الأولى في بداية القصة وبالتالي تقود الحدث بعدها عبر المستويات السرديّة. ولهذا نجد مثلا في استهلال بعض القصص:

(…… أزاحت همومها وأطبقت أجفانها ) من قصة مزق ملونة

(……لتتذكر عزلتها ) من قصة عندما دقت ساعة الكريسمس

(جالسة…..) من قصة خيالات امرأة عاشقة

( لم تزل عيناها ) من قصة حلم وامل أبيض

( هي ذي تجلس قرب النافذة ) من قصة زحمة كلام.ولهذا فإن الحكاية تبدأ واضحة المعالم وهو ما يحتاج من القاصة / المنتجة الى بلورة هذا الاتجاه لتحويله الى مبنى حكائي من خلال تثوير المتن الحكائي للفضاء التي تتحرّك فيه الشخصية / الأنثى، وبالنتيجة تحريك اللّغة لتأخذ زمام القفز من صيغة المخاطب/ هي/ الى صيغة الروي الموجه الى المتلقّين/ هم. وهي ما يعني الحاجة الى حافزٍ كبيرٍ تستعين بالقدرة على جعل اللّغة هي مصدر الصراع، كون الحكاية قد لا تكون جديدة، لكنها تحمل أفكارًا تريدها غير مطروقةٍ في رسائلها. ولها نجد أن اللّعبة استعانت بعدد من المستويات السرديّة لتوضيح كلّ ما هو متعلّق بالمتن. وعليه كان المتن قد اتّخذ أكثر من صيغة:

الأولى: اعتماده على المستوى التصويري في وصف الفضاء النصي

الثانية: اعتماده على اللّغة التي توصف هذا المستوى وإدخاله في لبّ الحدث.

فكرة اساسية

الثالثة: اعتماده على الفكرة الأساسية التي تأخذ من المستوى القصدي الذي تريد المنتجة من المتلقّي اصطياده من بين أسطر المتن.

الرابعة: اعتماده على المستوى التحليلي الذي يأتي دائما في الثلث الأول من النصّ، بهدف العبور بالمستوى التصويري  للصراع المباشر والشخصية والمكان، الى منطقة القصّ غير المباشر.

الخامسة : تنقلّها بأساليب السرد حيث تبدأ مثلا بصيغة الأنا في محاولة لتغيير تشابه الاستهلال ثم تتحوّل الى الغائب/ هي.. فتجعله في حالة استنفار للإجابة على الأسئلة، سواء تلك التي جاءت في الاستهلال أو التي بثّتها على لسان الراويَة أو الشخصية من أجل مغايرة الحكي

السادسة: اعتمادها على أن تكون النهاية مفتوحة تارة أو منتظرة الفهم تارة أخرى حسب الفكرة، وهي أي النهاية وحدها من تتجمّع عندها  الأفعال وللغايات التي تريد من المتلقّي أن يعود الى العنوان ليطابق بين الهدف منه، وسبيل الروي.

مشاركة