قصتان قصيرتان

قصتان قصيرتان

 

 

حيدر ألحيدر

 

 

 

1ـ إنهما يقتربان :

 

 

وقفا كحارسين محترفين يشوب عملهما غموض مريب ، عند طرف قنطرة خشبية أسندت بضلوعها الى جذوع  نخيل يابسات متعبات ، فالقنطرة التي ربطت طرفي ذلك الجدول مرًّ على بنائها سنوات تغور في عمق التاريخ والأزمان .ومرَّ من فوقها عابرون وعابرون ، وربما كان لا بد لها من ترميم ٍ وتجديد ، ما دام الجدول الذهبي العتيق يجري بانسياب وتجدد دائم في مسيرته بعنفوان شبابي بين شقوق التربة العطشى لحقول ٍعاشقات لا نهاية لإمتدادها

 

 في افق ٍ رحيب … بدأ الرجلان يرمقانني بنظراتٍ متبادلة غامضة الفحوى . جعلت نبضات قلبي تهبط نحو الوهن بتدفق غير منتظم …هل أقترب من تلك القنطرة لعبورها الى ضفافٍ صرت اجهلها وتجهلني تماماً وأجتاز تلك النظرات التي تحدق بي وتسألني الى أين المفر يا هذا ؟

 

أم اتجه صوب حافلة خشبية قديمة وصفت في زمن ما بـ ( دêالنجف ) تقف على بعد ميل من مرمى البصر في فضاء مشوش ٍغريب ، يجتمع من حولها نساء غاطسات بالسواد ورجال ملثمون أكاد اعرفهم ولا اعرفهم ..

 

ماذا أفعل وهذه الشمس أخذت تميل نحو الأفول وضيق الوقت يقطع سبل تفكيري قي اتخاذ قرار صائب للتخلص من مأزق متشابك يلتف من حولي ، ويدفعني دون ارادتي بخطوات سريعة تنحدر بي نحو الحافلة الخشبية ..

 

وجدتُ ان هنالك سعة مكان ٍ لأحشر نفسي في زاوية ٍ منها .. ولكن ثمّة كف غليظة ٍ أنزعتني ورمت بي بعيداَ بعيداً لحظة كنتُ أروم وضع قدمي لإرتقائها والإنزواء في أحد مقاعدها .

 

وسرعان ما تركتني الحافلة مضظرباً حائراً يائساً ، بينما الشمس تسرع بالدخول في كهف الظلام لتقضي ليلتها هناك ..

 

اخذ الخوف يوجع انفاسي ويضرب بأطنابه على ظنوني وقد خيَّم الظلام على جميع ارجاء ذلك الفضاء الواسع .

 

ها قد تحرك الرجلان ..

 

انهما يسيران بهدوء ويتقدمان نحوي …

 

لا استطيع الحراك من موضعي ..

 

لا استطيع الصراخ وطلب النجدة ..

 

انهما يقتربان … يقتربان … يقتربان ..

 

إقتربا .. إقتر … إق … إإإ … آه …!

 

 

2ـ الرمّانة :

 

 

 

 

 

 

ربما إبتعدَ عن الحقيقة من أطلق على تسميتها ( رمّانة ) إنها مفارقة فيها العجب ..

 

فالرمّانة من ثمار الجنّة كما أخبرنا الأسلاف الأولون ، فهي تهب للناس بغير منّةٍ

 

ما في جوفها من حُبيبات حمراء لذيذة الطعم والمذاق والفائدة .

 

أما هذه التي وضعها القدر في قبضتي فإنها مضغوطة بالبارود القاتل ولها فتيل مشتعل حالما ارفع أصابعي عنها ستنفجر وتحوّل أجساداً إلى أشلاء ممزقة ..

 

يا حافظ يا ستار منها ومن شرورها ..

 

كيف السبيل للتخلص منها والمدينة مكتظة بالناس وما من شبر أو موضع إلا وحطت عليه متزاحمة أقدام  لأكداس من البشر .

 

اركض بها هنا وهناك لعلي أجد مكاناً بعيداً  عن هذه النفوس البريئة ، إنهم أطفال ونساء وشيوخ وشباب بعمر الورد ، وثمة شوارع وأسواق ومدارس وأزقة وحارات وملاعب تزدحم بهم جميعاً ..فأين أجد المساحة التي تستوعب الانفجار دون ان يلحق الأذى بهم .

 

لا أعلم كيف وصلت هذه الرمّانة الى قبضتي ومن قام بسحب فتيلها الملعون ، وأجبرني على الضغط عليها بأصابعي ..

 

اركض بحذر في كل اتجاه وعبثاً أحاول إيجاد تلك المساحة الخالية …

 

أين أجدها يا ترى ؟

 

هل أظل في دوران غير مُجدي في البحث عن مكان يخلو من الناس ..؟

 

تعبتُ والله من الركض ، وتعبت قبضتي من هذا الحمل الثقيل ،وأوشكت أصابعي ان يفلت منها زمام الضغط عليها ..

 

لو كان الأمر بإرادتي لما أمسكتها بقبضتي ..

 

فأي قدر أوصلها إليَّ على غفلة منّي وسحب فتيلها ووضعني في حرج ٍ من فعلٍ شنيع ؟

 

وأنا الذي لم أقدِم في يومٍ من الأيام على جرح مشاعر الآخرين فكيف بتمزيق أجسادهم غدراً .

 

لا لن أفعلها ، ولن تسقط من يدي ..

 

لا بد من سبيل للتخلص منها في مكان آمن ..

 

ولا بد أن استيقظ من هذا الكابوس المرعب .