قصتان قصيرتان

قصتان قصيرتان

عبد الرضا اللامي

الاحتقار

كان الكهف يأن تحت ضغط الجبل الهائلة، و بعد ان فاضت اعماقه بمرارة الصبر اخرج رأسه بعصبية و حملق بوجه العملاق الرابض على اكتافه:

– حماتك عبئا على كاهلي ولم اتململ، بالغت في تعاليك ولم اتألم، تعلو وتسمو وانا الوك الصبر فيسمونك الطود الشامخ ويدعونني القبو المظلم.

احس الجبل كان شيئا باردا ولزجا يتحرك تحت عجزه و سمع بعض اقوال الكهف فتسائل:

-اهذا انت ايها المجوف الرطف؟ ما حدا بك وانت الخانع؟

– لا تغررك بطنتك و طول قامتك انهما من طين هش وصخر اصم ،لا تتعالى على سبب وجودك.

قهقه الجبل ساخرا وبصق على رأس الكهف:

– اخرس ايها الفارغ ،ان تراني اتغافل عن افعالك الشائنة و انت تأوي الذئاب والقوارض المخربة فذلك لاني  اشمئز من رائحتك الآسنة التي تسكم الانوف.

– انا من آوى الفتية الابرار وكانوا خيرة اصحابي وكلهم كان يتبول على اطرافك و ليس في داخلي، ووجد بي كل المناضلين الذين رفعوا راية التمرد على السلطات الدكتاتورية ملاذا امنا.

– كفى هراء، ان تعداد مخازيك ليقرفني.

– يبدو ان الرد الناعم يغريك للتطاول والتمادي، ايها المغفل ان انا عمقت اغواري تحتك فستتهاوى وتضيع في بطون الوديان صرخة بلا صدى، ورمادا في افواه الرياح.

ضاق الجبل وسعا ،و امتعض من تهديد الكهف له،حاول رفسه فانهارت كتلة منه و هوت لتضيع في الوادي السحيق. رمقه الكهف بنظرة تشفي و هو يرى كيف تتثلم اكتاره و قال :

– مهما تعاليت هناك من هو ارفه منك ،خذ العبرة من الغيوم التي تعلوك و كيف تبددها العاصفات على رأسك.

تبرم الجبل و اخذ يفكر برد صاعق غير ان الكهف لم يمهله و استعاد توازنه ليسدد له حكمة استباقية اخرى اعادت له عقله :

– اعد حساباتك فانا الزلزال الموقوت من تحتك..دعي الغزالة تلعب بين صخورك،دع الزهرة تهب النحلة طيبها و دع الناي يرسل انغامه للخراف على سفوحك،هؤلاء المستضعفون هم الذين وهبوك اسمك و لونوا رسمك و نفخوا حجمك.

اصدقاء بلا حدود

افتتح اللقلق مكتبدا رسميا على قمة احد ابراج الكهرباء واستوظف احد العصافير لمهام الاستعلامات تحته.

ذات يوم وكعادته صعد العصفور وافتتح المكتب ثم نزل عند المدخل بانتظار المجيء الاستاذ اللقلق فطال انتظاره والساعة تركض على رسغه الايمن وعيناه تحاولان اللحاق بعقاربها، وبعد صبر ممل اقبل الاستاذ.. ترجل من ركوبته وهي من منشأ معروف احدث الموديلات فهب العصفور يستقبله مرحبا وهو يلوي رقبته ويفرد جناحيه قائلا :

سيدي عسى تاخرك كان خيرا!

اشاح الاستاد بمنقاره عنه وبضيق قال:

– أي مانع ايها البليد الم اخبرك ان اليوم هو عطلة.

اراد العصفور ان يستوحظ اكثر فتمتم بذلة الزرازير:

– سيدي اللقلق الذي اعرفه هو ان يوم الامس كان العطلة.

قاطعه صاحب السيادة بصوت هو مزيج من الضجر و الاستخفاف:

– ان سلطة الغابة تعتبر ان العطل مركبة أي انما قبل العطلة هو عطلة وما بعد العطلة عطلة و انا ان جئت اليوم وهو عطلة لان البريد تكدس على مكتبي و هؤلاء البطالة يخرجون على الفــضائيات ويكشفون عوراتنا وبحضوري سيدركون اخلاصنا في خدمة طيور المستنقعات وتفانينا. ضحك العصفور ضحكة صفراء واعتذر:

– سيدي المقتدر،اعذرني فقد تعسر علي فهم فلسفة العطل في مستنقعنا ولكني ارى في اقامتنا على برج الكهرباء مدعاة للقلق لاني اخشى عليك من صعقة التيار فهي اتعس من خطر العبوة اللاصقة التي تعالينا عليها.

ضحك اللقلق باستهزاء ملء منقاره وبصق على الاسلاك فسال بصاقه نازلا الى المستنقع.

– لم يبق في هذه الغابة تيار خطر،كل هذه الاسلاك فارغة وقد سلبت منها مقومات القوة وتلك الاخطار”صحت ونامت”. ثم التفت الى العصفور وقال:

– كن مطمئنا واوصيك اذا احتدم اللعب على الاسلاك فلا تدعي انك “بهلوان” اصبر و سترى.

وضرب وجه الارض بجناحيه وطار الى مكتبه. اما العصفور فقد تربع على كرسي الاستعلامات واضعا رجلا على رجل ومد بصره الى الامام فابصر امامه مجموعة من الحيوانات والطيور المترهلة تجد السير نحوه، ولما اقتربت منه انزل قدمه واعتدل في جلسته ورحب بهم وسالهم عن حاجتهم فتقدم اليه احدهم وكان ذئبا “امعطا” والقى عليه السلام:

– اخبر عمك الاستاذ اننا جماعة من اصدقائه، نرغب بمواجهته.

طار العصفور الى عمه:

– عمي العزيز تحت اقدامك جماعة تدعي صداقتك وبلا حدود هل اسمح لهم بلقائك!

– كم عددهم؟

هبط العصفور عدهم وعاد محلقا الى عمه:

– عم الموقر انهم يكثرون عند الطمع ويقلون عند الفزع!!

اشاح اللقلق بمنقاره الى الشباك وبترفع قال :

– ضعهم في الغربال و اعطني النتيجة.

هبط عليهم العصفور ووضعهم في الغربال ثم طار الى عمه وقال مرتابا:

– وضعتهم فيه ولم يبق عليه سوى ثقوبه.

مشاركة