قصة قصيرة (2)
في ضيافة الخيام
استرسل قائلاً:
– انا شاعر(ارى الطبيعة نباتاً نامياً، ونهراً جارياً، وطائراً شادياً).
ملأ كأسه وأخذ رشفة ثم تابع:
– انا فلكي (اساهر النجوم ، وارصد ثوابتها وسياراتها).
وأخذ رشفة اخرى، فبادرته وماذا بعد؟.
– انا رياضي( اعالج الارقام واضرب اخماسها باسداسها).
وضع كأسه جانباً، وراح في تأمل عميق ، ولكنني قطعت عليه تأمله بسؤال لطالما ارقني وأردت معرفة الجواب منه سألته:
– وما ذا عن فلسفتك، يا سيدي؟
– فلسفتي، ينبئك بها شعري فأنا ( اطرق مفكراً في شأن الانسان ومصيره، معتبراً بجهله وغروره، فيتراءى لي الوجود فانياً والحاضر ماضياً والمستقبل حاضراً).
والح في ذهني سؤال كنت متردداً في ذكره ولكن سماحة الشاعر وبشاشته وتواضعه شجعني فسألته:
– حبك – يا سيدي – للخمرة يفوق التصور، ورباعياتك خير شاهد على ما اقول.
ابتسم ثم أخذ رشفة اخيرة هي كل ما تبقى في كأسه وقال:
– احب شرب الخمرة( لأنها تسمو بروحي، حتى تصبح في نجوةٍ من الجسد، احب طعمها المز ولونها الصافي، واحب كأسها الشفافة، ودنها الملآن ).
ثم استرسل قائلاً:
– (اجد السعادة في مجلس الشراب بين الصاحب والنديم وانسى هموم الحياة فأنا بين ظلمة الشك ونور اليقين).
وحين شاهدني متعجباً ومندهشاً من قوله استرسل قائلاً:
– انا (انادم الكأس في مجل الحبيب ليلاً في ضوء القمر وسحراً عند طلوع الفجر ومساءاً عند غروب الشمس على نغم الناي والرباب).
كان الليل بليلاً معطراً بأريج الزهور، حفيف الشجر يسمع مع كل هبة نسيم او خفقة جناح طائر من شجرة الى اخرى، شعاع القمر يخترق سماء الناموسية، حبيبة الخيام بغلالتها تحت ضوء القمر تنطق بجمال اسطوري، عازفة العود متكئة على وسادتها وقد اسدلت شعرها الفاحم على كتفيها بعد ان أزاحت الوشاح جانباً.
في هذا الجو الرومانسي شعرت بالخدر يدب في حواسي ولكن سؤلاً اخيراً يلح عليّ ولابد من معرفة جوابه، سألته وانا اغالب النعاس:
– يا سيدي، حينما تصحو، وتختلي بنفسك، ماذا تردد؟.
اطرق قليلاً ثم رفع رأسه وقد اغرورقت عيناه بالدموع وانشد :
يا عالم الاسرار علم اليقين
يا كشف الضر عن البائسين
يا قابل الاعذار فئنا الــى
ظلك فاقبل توبــة التآئبين
ثم رفع الناموسية متطلعاً الى السماء يرقب القمر والنجوم والافلاك في الوقت الذي الكرى فيه مني مأخذاً بعد يوم حافل بالشعر والطرب والحديث الساحر وضعت رأسي على الوسادة الوثيرة قرب عازفة العود، ورحت في اغفاءة لذيذة، وما هي الا لحظات وتسللت اناملها الرقيقة نحوي واخذت تهز كتفي هزاً رقيقاً خفيفاً، اخذ يشتد ويشتد حتى كاد ان يخلع كتفي ففتحت عيني، واذا بصديقي يقف عند رأسي وهو يقول متذمراً:
– ما هذا النوم العميق، انهض ان قطار(اصفهان) سيتحرك بعد ساعة.
نجم الاميري – بغداد
/8/2012 Issue 4268 – Date 4 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4268 التاريخ 4»8»2012
AZPPPL