قصة قصيرة (1)
صبيحة في بغداد
نزحت اسرة ابو صبيحة من محافظة ميسان الى بغداد بعد ثورة 14 تموز عام 1958 واستقر الحال بها في احد احياءها الشعبية حيث تسكن شقيقته ام احمد بذات الحي ومن هنا تبدأ خيوط هذه القصة حيث ترتبط صبيحة بعلاقة حب كبيرة مع ابن عمتها احمد والذي يكبرها بثلاث او اربع سنوات وكانت هي في الخامسة عشر من عمرها وسرعان ما عرف الجميع بتلك العلاقة وان احمد داخل معترك العمل وهو ما زال طالبا وبما انه الولد الوحيد للاسرة كان الجميع يتعاطف معه تلبية طلباته ورغباته وكان يعرف عنه بالكياسة والجدية والالتزام وكان محبوبا من الجميع لحسن معاشرته وصدقه وتعاونه وهذا ما جعل صبيحة تتمسك به لدمت اخلاقه ولما لمسته منه من صدق العواطف وانتقلت اسرة ابو صبيحة الى حي اخر قريب من المدرسة التي كان يعمل فيها كمدرس لمادة اللغة العربية حملت صبيحة كتبها المدرسية وضمتها الى صدرها حتى تخفيه عن الانظار بعد ان اصبح حجمه كبيرا كالرمانتين وكانت تخجل ان يبان منها بشكله البارز وتسير بخطى مسرعة بعض الشيء وهي في طريقها الى مدرستها وكانت ترتدي صدريتها الزرقاء وشريط ابيض زين شعرها وجعلت منه كالوردة ليربط شعرها الطويل وترفعه الى خلف راسها. فكانت اية من ايات الجمال الرباني وهي مازالت في الخامسة عشر من العمر وقد بدأ قوامها يكتمل التكوين وبدت اقسام جسدها واضحة نافرة وكانت لها عينان واسعتان سوداوان وبياضهما ناصعا مما زاد من وسعهما نظرات حادة وبامكانها ان تتحدث بعينيها مستغنية عن لغة الكلام ونظرة منها كافية ان تجعل منك اسيرها وكان قلبها يخفق بشدة وهي تنوي ان ترى احمد ابن عمتها وهو ينتظرها على قارعة الطريق وبعد افتضاح ارتباطها باحمد بين الاهل مما جعل ذلك ان تكون هناك حساسية من لقاءها او يتعذر عليهما ذلك حتى مع وجود الاهل فلقد صدرت اوامر لها من اهلها ان تتحاشى رؤيته او الحديث معه حتى وان كانوا في زيارتهم ولم يبق امامهم غير ان يلقيها وهي ذاهبة الى المدرسة لتراه ويراها دون ان يكون هناك حديث بينهما فان ذلك كان فيه مساس لسمعتها وهو كان حريص على ان لايمسها سوء وكانت اللغة الوحيدة بينهما هي تبادل الرسائل فهذا هو السائد انذاك فاما ان تقوم هي برمي رسالة له بعد ان تجد هناك غفلة من المارة او يسير هو باتجاهها المعاكس ويصادفها وجها لوجه ويتبادلان الرسائل باعطاءها كتابا واستلام كتاب منها حتى لايلاحظ احدا تبادلها للرسائل. فكانت معاناة احمد كبيرة بفراقها والبعد عنها فكانت اوقاته مشحونة بالعمل منذ الصباح حتى المساء فكان يعمل في المجال الطبي ويمارس هوايته المفضلة ونشاطه الثقافي في الصحافة والتلفزيون.
وكم كان سعيدا عندما يطل بها على شاشة التلفزيون في بعض البرامج فكان يعرف ان حبيبته ومالكة قلبه ستسعد بمشاهدته وتكون فخورة به امام اهلها. وكانت رائعة تلك اللحظات التي فيها يستلم رسالة منها وهي مثله كذلك رسائل في منتهى الشفافية فيها من العواطف الجياشة مايثير الشجون وتكوي الفؤاد بحرارة معاناتهم من نار الفراق والبعاد مناجاة بكلمات حب رقيقة طاهرة كحبهم وكثيرا ما كان يحادثها عن تلك اللحظات التي فيها تكون زوجة له وانه سوف يبذل الغالي والرخيص من اجل تحقيق ذلك كلمات من الامل كان فيها يزرع الامل والاطمئنان في قلبها النابض بحبه وتمر الايام دون ان يلتقي بها لقاء مباشرا فكان لايتعدى بلقاء بينهم الا برؤيتها في السوق او هي ذاهبة الى المدرسة او عائدة منها. واخيرا سنحت لهم الفرصة بلقاء يكونا فيه معا مرة بعد مرور اكثر من سنة على حالهم ذاك.
عندما اعلمت الاهل بانها ستشارك في سفرة مدرسية وكانت هي قد قررت بدلا من الذهاب الى السفرة تذهب لملاقاة احمد وتحقق لها ذلك وكان هو بانتظارها ولما وصلت المدرسة اختفت بين الطالبات ثم انسحبت خلسة الى حيث كان بانتظارها فاخذها بعيدا بسيارة واختفا عن الانظار وكان لقاء حميما تعانقت فيه القلوب وتشابكت الايدي وراح يقبلها اينما وقعت شفتاه منها معبر عن صدق مشاعره وعواطفه وتعاهدا على ان يكونا لبعض مهما كانت الظروف ومهما عصفت بهم الرياح واوعدها بخطبتها ليكلل حبه بالزواج منها وتحقيق امالهم وامانيهم وكانا معا وهما لايصدقان ان الفرصة والقدر ارادت لهما هذا اللقاء لتستكين به روحهما التواقه الى مثل هذا اللقاء وتمر بهم الدقائق واللحظات مسرعة فسرعان ما انتهت تلك الساعات وحان موعد عودتها الى المدرسة لان الطالبات على وشك الرجوع من السفرة واوصلها احمد الى المدرسة وتزامن وصولها مع عودة السيارات من السفرة واختلطت مع الطالبات وعادت الى البيت وهي تكاد تطير من الفرح بعيد لقاء حبيب العمر احمد ذلك الشاب الذي طالما كانت تحلم به فارسا لاحلامها فلقد كانت تحبه حبا لايوصف من ذلك الحب القوى الذي كانت تدافع عنه بكل قوة وجرأة. وبعد ايام ازفت الساعة وها هو احمد يقف مع اهله وبعض معارفه امام بابهم لخطبتها كما وعدها وتم استقبالهم وكان الاب يستغرب لماذا هذه الزيارة وما الدافع لها وبعد معرفة ماجاءوا من اجله وبعد المجاملات المعروفة طلبوا يدها من والدها الذي كان من ذلك النوع القاسي على اولاده وذو تسلط كبير فليس هناك من راي غير رايه ولاشيء ينفذ او يكون الا بامره وكان حاد الطباع وليس في حياته حلولا وسطيه فعنده الاشياء اما ابيض واما اسود فكان استقباله لهم جافا واعتذر على قبول طلبهم بحجة انها مازالت صغيرة وبرغم المحاولات الكثيرة لاثناءه على الموافقة الا انها باءت بالفشل وكان احمد يغلي كالنار فهذه الطامة كبرى بالنسبة له فلا يدري ما الذي يفعله مع هذا الوالد العنيد.
محمد عباس اللامي – بغداد
AZPPPL