قصة قصيرة 1

قصة قصيرة 1
في ضيافة الخيام
اوقف بواب فندق بهار سيارة اجرة في ذلك الصباح الربيعي المفعم بالحياة وخاطب سائقها بالفارسية محدداً له وجهتي.
وما ان تجاوزت السيارة حدود المدينة المقدسة حتى دفع سائقها قرصاً مدمجاً، فانبعث صوت ما لبث ان صدح بمقام من نغم الدشت ثم اغنية مرحة فما كان منه الا وافلت المقود مصفقاً بمرح وطرب خشيت لحظتها انزلاق السيارة صوب الوادي السحيق.
انعطف الطريق بين صفين من الأشجار المتعانقة الأوراق والأغصان تسللت من خلالها أشعة الشمس مخترقة زجاج السيارة ومكونة ضلالاً بإشكال والوان منوعة.
أخذ الطريق يرتفع ماراً بمنحنيات خطرة ثم مال للانحدار ولاحت على البعد اشجار داكنة توحي بانها غابة.
قال السائق وهو يشير بيده
هناك شانديز اوشكنا على الوصول والحمدلله .
تنفست الصعداء فقد كنت طيلة الطريق احبس الانفاس خشية الحوادث. ما ان تجاوزت مدخل المنتجع حتى غمرتني موجات ندية معطرة بأريج الياسمين والقرنفل والجلنار، وجوقة من الطيور المغردة ما بين بلابل وعنادل وفاختات تشاركها زقزقة عصافير وكأنني استمع الى اسنفونية توافقية عجيبة يقودها مايسترو خفي.
زادني استمتاعاً اصوات الطواويس وجمالها وهي تتبختر في الممرات المرصوفة بالحصى الملون والمغمورة بالماء الرقراق وعلى جوانبها غرست الأوراد والإزهار الزاهية الألوان في حين كانت عدة شلالات تهدر مياهها بين الاشجار.
انها بانوراما من الأصوات والإشكال والألوان والعطور المتناغمة تمثل روعة الطبيعة وجمالها.
تحــــت ظلال الاشجار وبين مساقط المياه نصبت منصات مرتفعة يرتقى لكل منها بسلم، وفرشت بالسجاد الفاخر محاط بوسائد وثيرة ذات الوان زاهية ومطرزة بصور جميلة لطواويس وطيور مختلفة، واسدلت على كل منصة ناموسية شفافة تختلف الوانها من منصة الى اخرى.
اخترت المنصة ذات الناموسية الزرقاء حيث يحاكي لونها زرقة السماء.
اتكأتُ على الوسادة الوثيرة منصتاً لتغريد البلابل وشدو العنادل وخرير المياه في السواقي مع نسمات ندية معطرة تنبعث مع حفيف الاشجار.
اشعرني هذا الجو بالاسترخاء وكاد ان يقودني الى النعاس، ولكنني تنبهت وارهفت سمعي على صوت في المنصة المجاورة يقرأ شعراً بصحبة نغمات عود شجية وبين حين وآخر تتصاعد اهات وتنهدات مثيرة.
اخذ مني العجب مأخذاً وتساءلت هل انا في حلم ام ما اسمعه حقيقة؟
في تلك اللحظة اقبل نادل المنتجع يحمل إبريق الشاي وملحقاته.
بادرته قائلاً
اخبرني، من الذي في المنصة المجاورة ؟ فأنا اسمع شعراً وعزفاً؟
ابتسم النادل واجابني باعتزاز قائلاً
انه الخيام، الشاعر عمر الخيام ، قدم من نيسابور قبل يومين.
تملكتني فرحة غامرة ولم اصدق بأنني أجاور الخيام الذي طالما حفظت وطربت لرباعياته.
طلبت من النادل ان ينقل رغبتي ويستأذنه لي بزيارته للتعارف.
انتظرت على احر من الجمر، عاد النادل مسرعاً وقال
سيدي، الخيام ، يرحب بك ضيفاً كريماً.
كان الخيام متكئاً على طرف وسادة وثيرة طرزت بصور لأشجار على اغصانها انواع الطيور يحمل بيده كأساً وعلى الطرف الآخر من نفس الوسادة تتكئ غادة حسناء ترتدي غلالة وردية تشف عن تقاطيع جسدها البض وتحمل بيدها كأساً شفافة مترعة بالشراب. وإمامهما دنْ الشراب مزخرف الحواشي بالصور والرسوم البديعة، وعلى وسادة اخرى جلست غادة حسناء تحتضن عوداً وتضع شالاً ابيضاً يغطي شعرها وينسدل على كتفيها العاريين وترتدي غلالة بيضاء شفافة.
وضع كأسه جانباً ونهض فما كان مني الا وعانقته وقد بدا لي طلق المحيا، مهيب الطلعة، انيق الملبس، تعبق منه رائحة الطيب من المسك والعنبر.
جلست بينه وبين الحسناء عازفة العود التي اشار اليها بيده، مالت على الدنْ وقدمتها لي تشعشع في كأس شفافة نقشت على جوانبها صور الطيور والزهور.
بادرت قائلاً
اعذرني، يا سيدي انا لم اعاقر بنت الحان، ولم اذق طعمها في حياتي.
ضحك، مستغرباً ثم انشد مترنماً بمصاحبة العود
بستان ايامك نامي الشجـر
فكيف لا تقطف غض الثمر
اشرب فهذا اليوم ان ادبرت
بـــهِ الليالي لم يعده القدر
اشار لحسناء العود ان تزيد اقتراباً مني محاولة اغرائي بأخذ ولو رشفة واحدة من الكأس مجاملة لسيدها، ولكنني كررت اعتذاري، فما كان منه الا وانشد ثانية مترنماً بصحبة العود
هات اسقني كأس الطلى السلسلي
وغنني لحنـاً مــــع البلبلِ
فانما الابريـق فـي صبـــه
يحكي خرير الماء في الجـدول
ثم ابتسم وقال لي مشجعاً
هيا، اشرب ، واطرب ، وخلِّ عنك الهموم .
فأجبته قائلاً
يا سيدي ، انا الان في ضيافتك، وما اسعدني، ارجو منك ان تحدثني عن نفسك، ان شهرتك عمت الافاق.
شرب بقية ما في كأسه واعتدل في جلسته وقال
انا غياث الدين ابو الفتح عمر ابن ابراهيم الخيام، ولدتُ في نيسابور في القرن الرابع الهجري.
ثم استرسل قائلاً
انا شاعر ارى الطبيعة نباتاً نامياً، ونهراً جارياً، وطائراً شادياً .
نجم الاميري بغداد



/8/2012 Issue 4267 – Date 2 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4267 التاريخ 2»8»2012
AZPPPL

مشاركة