قصة أبو غايب*

لوي زهرة:

ابو‭ ‬غايب‭ ‬رجل‭ ‬أمي‭ ‬طيب‭ ‬وعقيم‭ ‬لا‭ ‬ينجب‭ ‬ومسكين‭ – ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الله‭ – ‬يعمل‭ ‬حارسا‭ ‬ليليا‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬شركات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬وﻷن‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬خاوية‭ ‬واعلنت‭ ‬عن‭ ‬أفلاسها‭ ‬فأن‭ ‬صاحب‭ ‬الشركة‭ ‬قرر‭ ‬اغلاق‭ ‬شركته‭ ‬وتسريح‭ ‬جميع‭ ‬العاملين‭ ‬فيها‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬المسكين‭ ( ‬ابو‭ ‬غايب‭ ) ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬له‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمالة‭  ‬المسطر‭ – ‬وكان‭ ‬يعود‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بخفي‭ ‬حنين‭ ‬يد‭ ‬للامام‭ ‬ويد‭ ‬الى‭ ‬الوراء‭. ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬في‭ ‬الطين‭ ‬بله‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬فكانت‭ ‬كثيرة‭ ‬التذمر‭ ‬والتضجر‭ ‬و‭- ‬تنقنق‭ ‬وتدردم‭ ‬وهي‭ ‬تستقبل‭ ‬زوجها‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬دائما‭ ‬مطرق‭ ‬الرأس‭ ‬فكانت‭ ‬تلاحقه‭ ‬بأسئلتها‭ : ‬يا‭ ‬رجال‭ ‬ماذا‭ ‬ناكل؟‭ ‬وماذا‭ ‬نشرب‭ ‬؟‭ ‬وكيف‭ ‬ندفع‭ ‬بدل‭ ‬الايجار‭ ‬؟‭! . ‬وامام‭ ‬هذه‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬اجوبة‭ ‬لها‭ ‬قرر‭ ‬ان‭ ‬يشتغل‭ ‬حرامي‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الله‭ .‬

استيقظ‭ ‬ابو‭ ‬غايب‭ ‬عند‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬وارتدى‭ ‬الشماغ‭ ‬ولبس‭ ‬غطاء‭ ‬اليد‭ – ‬الكفوف‭ – ‬وقرر‭ ‬ان‭ ‬يسرق‭ ‬بيت‭ ‬التاجرابو‭ ‬سامر‭ . ‬خرج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬وهو‭ ‬يدعو‭ ‬الله‭ ‬بأن‭ ‬يوفقه‭ ‬بعمله‭ ‬الجديد‭  ‬حرامي‭  ‬وكان‭ ‬يلتفت‭ ‬يمينا‭ ‬وشمالا‭ ‬وقلبهُ‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالرعب‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬وصل‭ ‬الى‭ ‬بيت‭ ‬ابا‭ ‬سامر‭ ‬تفاجئ‭ ‬عندما‭ ‬رأئ‭ ‬سياجه‭ ‬البيت‭ ‬محطم‭ ‬والابواب‭ ‬الداخلية‭ ‬مفتوحه‭ ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يروم‭ ‬الدخول‭ ‬واذا‭ ‬بشيش‭ ‬حديد‭ ‬نبت‭ ‬في‭ ‬رجلهِ‭ ‬فصرخ‭ ‬صرخة‭ ‬استيقظ‭ ‬على‭ ‬اثرها‭ ‬جميع‭ ‬اهل‭ ‬الحي‭ ‬والقي‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬السرقة‭ ‬وكانت‭ ‬ملابسة‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬ملابس‭ ‬اللصوص‭ ‬وفلم‭ ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬دليل‭ ‬اثبات‭ ‬على‭ ‬ادعاء‭ ‬ابو‭ ‬سامر‭ ‬بأن‭ ‬اللص‭ ‬قد‭ ‬سرق‭ ‬عن‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬وقضت‭ ‬المحكمة‭ ‬بحكمها‭ ‬على‭ ‬ابي‭ ‬غايب‭ ‬بالسجن‭ ‬لعشر‭ ‬سنوات‭ . 

عندما‭ ‬دخل‭ ‬ابو‭ ‬غايب‭ ‬الى‭ ‬السجن‭ ‬وجد‭ ‬ان‭ ‬الحياة‭ ‬مختلفة‭ ‬فالسجناء‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬راحة‭ ‬بال‭ ‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬بالعيشة‭ ‬ولا‭ ‬انقطاع‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬ولا‭ ‬اجور‭ ‬المولدة‭ ‬ولا‭ ‬دردمة‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬ونقنقتها‭ . ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬زارته‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬الى‭ ‬السجن‭ ‬فوجدته‭ ‬متورد‭ ‬الوجه‭ ‬والدماء‭ ‬عادت‭ ‬الى‭ ‬وجههِ‭  ‬وصحته‭ ‬افضل‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬دخولهِ‭ ‬الى‭ ‬السجن‭ ‬وكانه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬خمس‭ ‬نجوم‭ . ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬تشكي‭ ‬له‭ ‬صعوبة‭ ‬الحياة‭ – ‬بعد‭ ‬عين‭ ‬ابو‭ ‬غايب‭ – ‬،‭ ‬اقترح‭ ‬عليها‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬اجرامي‭ ‬كبير‭ ‬وتدخل‭ ‬الى‭ ‬السجن‭ ‬لترتاح‭ ‬من‭ ‬العيشة‭ . ‬اقتنعت‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬بفكرته‭ ‬وقررت‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬اجرامي‭ ‬كبير‭ ‬يدخلها‭ ‬السجن‭ ‬علها‭ ‬ترتاح‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬الحياة‭ ‬الحرة‭ ‬الكريمة‭ . ‬وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬ارتدت‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬الكوفية‭ ‬وغطت‭ ‬راسها‭ ‬ولبست‭ ‬ملابس‭ ‬زوجها‭ ‬وعزمت‭ ‬على‭ ‬سرقة‭ ‬نفس‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬الذي‭ ‬القي‭ ‬القبض‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬زوجها‭  ‬ودخلت‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الفتحة‭ ‬التي‭ ‬دخل‭ ‬منها‭ ‬زوجها‭  ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬السياج‭ ‬لا‭ ‬زال‭ ‬محطما‭ ‬والابواب‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬مفتوحة‭ ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظها‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الكهرباء‭ ‬مقطوعة‭ ‬فتسللت‭ ‬الى‭ ‬غرفة‭ ‬النوم‭ ‬وفتشت‭ ‬في‭ ‬ارجاء‭ ‬خزانة‭ ‬الملابس‭ ‬فعثرت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تبحث‭ ‬عنه‭ ‬‮«‬‭ ‬دولارات‭ ‬ومصوغات‭ ‬ذهبية‭ ‬واشياء‭ ‬ثمينة‭ ‬موضوعة‭ ‬بين‭ ‬طيات‭ ‬الملابس‭ ‬‮«‬‭ . ‬فحملت‭ ‬غنيمتها‭ ‬وقبل‭ ‬ان‭ ‬تخرج‭ ‬فتجت‭ ‬ثلاجة‭ ‬بيت‭ ‬ابو‭ ‬سامر‭ ‬واخذت‭ ‬الفواكه‭ ‬وقطعة‭ ‬خبز‭ ‬ودجاجة‭ ‬مجمدة‭ ‬وخرجت‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الفتحة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬منها‭ ‬وعند‭ ‬خروجها‭ ‬عاد‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ . ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظ‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬ان‭ ‬كاميرات‭ ‬المراقبة‭ ‬لم‭ ‬تلمح‭ ‬من‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬سوى‭ ‬خلفيتها‭ ‬واستطاع‭ ‬المحقق‭ ‬ان‭ ‬يتوصل‭ ‬الى‭ ‬طول‭ ‬السارق‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬الى‭ ‬180‭ ‬سم‭ ‬بالضبط‭ . ‬توصل‭ ‬المحقق‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬المجرم‭ ‬له‭ ‬خلفية‭ ‬تشبه‭ ‬خلفية‭ ‬النساء‭ ‬وطوله‭ ‬180‭ ‬سم‭ ‬وهذه‭ ‬الصفات‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬رشيد‭ ‬ابن‭ ‬حجي‭ ‬محيسن‭ ‬وفعلا‭ ‬القي‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬وبعد‭ ‬التحقيق‭ ‬والتعذيب‭ ‬اعترف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬سرقاته‭ ‬واعماله‭ ‬الاجرامية‭ ‬السابقة‭ ‬ومنها‭ ‬بيت‭ ‬ابو‭ ‬سامر‭ ‬،‭ ‬وفُتحت‭ ‬التحقيقات‭ ‬واعترف‭ ‬على‭ ‬صديقه‭ ‬مأمون‭  ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬عصابة‭ ‬سطو‭ ‬وتزوير‭ ‬عملات‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬افراد‭ ‬عصابة‭ ‬مأمون‭ ‬كان‭ ‬سامر‭ ‬ابن‭ ‬التاجر‭ ‬ابو‭ ‬سامر‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬بسرقته‭ ‬للعشرين‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬خزنة‭ ‬والده‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬اعترف‭ ‬سامر‭ ‬بجرمه‭ ‬اطلق‭ ‬سراح‭ ‬ابو‭ ‬غايب‭ .  

واﻷجمل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬ابو‭ ‬غايب‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬رجل‭ ‬عراف‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يشفي‭ ‬أبو‭ ‬غايب‭ ‬من‭ ‬العقم‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬اشترى‭ ‬بيتا‭ ‬من‭ ‬الاموال‭ ‬التي‭ ‬سرقتها‭ ‬ام‭ ‬غايب‭ ‬وعاشوا‭ ‬عيشه‭ ‬سعيدة‭ ‬مع‭ ‬مولدهم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬اسموه‭ ‬غايب‭ . ‬

‭ ‬غايب‭ ‬اسم‭ ‬افتراضي‭ ‬لمن‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬ذرية‭   ‬النقنقة‭ ‬والدردمة‭ ‬هي‭ ‬صوت‭ ‬المرأة‭ ‬عندما‭ ‬تلح‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬عندما‭ ‬تطلب‭ ‬امرا‭ ‬ما‭ ‬ويعجز‭ ‬عن‭ ‬تحقيقه‭ . 

مشاركة