قرار إرسال اللواء العشرين إلى جبهة الأردن عام 1958 أتاح لعارف فرصة تنفيذ انقلابه مع قاسم
سهيل أحمد الجلبي
هذا ما تحدث به رئيس عرفاء السرية غيثان الصعب بفطرته المعهودة وسذاجته واضاف قائلا كنت قريباً من امر الفوج العقيد الركن عبد السلام محمد عارف كوني كنت امر حرس الباب النظامي ومسؤول عن حماية مقر الفوج. وراح يستذكر تلك الايام وبعد ان ازدرد نفسا عميقا من سكارته الرخيصة الثمن قال عندما شرع لواؤنا بالحركة الى الأردن يوم 13 تموز 1958م استنادا للأوامر التي صدرت في حينها فقد صدرت الأوامر بحركة بعض القطعات العسكرية الى الاردن لتعزيز قدراته الدفاعية تحسبا من الأضطرابات التي جرت في لبنان وسببت نزول قطعات من الأسطول السادس الأمريكي على السواحل اللبنانية خصوصا وأنه كان هناك أتحاد بين العراق والأردن والمعروف بالأتحاد الهاشمي ولما لم يكن امر لوائنا اللواء العشرين من ضمن الضباط الأحرار والمبلغين بالثورة فقد أثر أن يتحرك مع بعض عناصر المقر كمقدمة قبل حركة اللواء بحيث يجتاز بغداد نهارا يوم 13 تموز وعسكر قرب الفلوجة هذا الأجراء تم بالأتفاق مع قيادة الثورة كون أمر اللواء لم يكن من ضمن المشاركين في الثورة ولم يعارضها وأبدى تعاونه فقط لذلك انطلق امام القطعات لتجنب المسؤولية ..أستنادا لذلك تحركت الوحدات بدون مقر للواء وبمسير بطيء حسب ترتيبها العسكري وعندما توقفت القطعات بعد منتصف ليلة 13»14 تموز قرب مخازن العتاد في خان بني سعد على طريق بغداد ـ بعقوبة القديم فلم يكن الطريق الجديد قد انشىء بعد لغرض التزود بالعتاد وذلك لم يكن من ضمن أوامر الحركة فقد أعتادت الوحدات المتحركة للأردن أن تتزود بالعتاد من مخازن اج ثري للحيلولة دون عبورها مدينة بغداد وهي محملة بالعتاد وكان هذا الأجراء الأمني معمول به على الدوام . وقبل التزود بالعتاد حصل موقف طارئ في منتصف الليل قرب مخازن العتاد وذلك عندما أمتنع امر الفوج الأول وكان في مقدمة الرتل من التنفيذ بكسر أبواب المخازن والسيطرة على ما فيها من عتاد فشكل ذلك موقف طارئ اخر مسيرة الأرتال الأخرى مبديا تخاذل ورهبة قد تعرض الجميع للخطر علما أن امر الفوج الأول هذا كان من المبلغين بالثورة وأصبح وكيلا لأمر اللواء بحكم القدم العسكري بعد ان تحرك امر اللواء امام الأرتال وكما تم بيانه فكان امتناعه عن اصدار الأوامر بكسر أبواب المخازن والتزود بالعتاد منها وتنصله من المسؤولية قد شكل موقفا طارئا وخطيرا لابد من تداركه وحسمه دون تراجع، هنا تجلت شجاعة العقيد الركن عبد السلام عارف امر الفوج الثاني وسرعة أتخاذه للقرار الصائب وتبنى المسؤلية على عاتقه حال علمه بالموقف وحسمه بشجاعة منقطعة النظير عندما أمر باعتقال أمر الفوج ألأول لتخاذله عن تنفيذ ما تم الأتفاق عليه حيث ارسل المقدم فاضل محمد علي مساعد امر الفوج الثاني مع حضيرة مشاة لأعتقال أمر الفوج الأول المذكور وفي أقل من ساعة تم جلبه مقيدا بالحبل ووضع في بدن سيارة الدوج التابعة للمقر والتي كانت تحمل قاصة المقر وأودع بمسؤليتي لحين نجاح الثورة، هذا ما حدثني به نائب الضابط نفسه وهو أمر الحظيرة الذي اعتقل امر الفوج الأول بمعية المقدم فاضل محمد علي أصبح العميد فاضل محمد علي لاحقا مرافق أقدم لرئيس الجمهورية العراقية عبد الرحمن محمد عارف . اما الأجراء الأخر الذي أتخذه عبد السلام عارف وكان له فعل الحسم ذلك عندما أصدر أمرا تحريريا بتسمية نفسه أمرا للواء وتعيين المقدم فاضل محمد علي أمرا للفوج الثاني بدلا عنه، عندها أعطى أوامره الصريحة بكسر أبواب المستودعات والتزود بالعتاد.. حيث أستغرقت منا هذه الأجراءات الليل بطوله لذلك ما كان لأحد الأفواج ان ينجز عمله حتى يسارع بالحركة الى بغداد لتنفيذ واجبه المكلف به. وفي ساحة التحرير التي كانت في حينها خالية من كل المنشأت الموجودة حاليا وكانت تسمى بساحة الملكة عالية وجسر الجمهورية يعرف بجسر الملكة عالية تفرقت الوحدات كل بأتجاه أهدافها وفق الخطة ولم يبقى الا مقر الفوج الثاني الذي أصبح مقرا للواء وبمجموعنا لايتجاوز فصيل مشاة من ضمنهم افراد حماية امر اللواء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف، عندها اخبرنا الضباط ان الشيوعين في السجن المركزي حاولوا الهرب من السجن بالتعاون مع بعض افراد الشرطة وواجبنا هو تطويق السجن والقاء القبض عليهم جميعا فما كان ذلك السجن الا دار الأذاعة العراقية التي دخلها قائد الثورة عبد السلام عارف بعد أن تم تطويقها وأذاع البيان الأول منها. حال أعلان نجاح الثورة ومن ضمن الخطة الموضوعة سارع اللواء التاسع عشر بأمرة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم التحرك من المنصورية الى بغداد لأسناد الثورة واحكام السيطرة على بغداد وعند مرور مقر اللواء في مدينة بعقوبة بحدود الساعة الثامنة صباحا خرج ضباط ومنتسبي مقر الفرقة الى الشارع العام لتحية اللواء وامره كانت الفرقة الثانية في ذلك الوقت تعمل في قاطع ديالى وكان مقر الفرقة يتمركز في معسكر سعد في مدينة بعقوبة حيث كان قائد الفرقة في حينها اللواء الركن غازي الداغستاني وكان اللوائين التاسع عشر والعشرين المنفذيين للثورة هما من تنظيمات هذه الفرقة اما لواء الفرقة الأخر فكان في قاطع كركوك . يروي لنا المقدم خالد عبد الأمير الضابط الأداري لمقر الفرقة أن قائد الفرقة اللواء الركن غازي الداغستاني بعد ان سمع بأنباء الثورة وعلم أن لوائي فرقته هما من قاما بهذا الفعل جاء الى مطعم الضباط لتناول فطوره الصباحي كالمعتاد ومعه بعض ضباط مقر الفرقة وعندما قدم له الطعام تظاهر بأنه يتناوله غير مكترث بالأنباء واضعا احدى يديه يسند بها رأسه والأخرى كانت تقلب الطعام الموجود امامه بالشوكة من غير أن يتناول شيء من الأومليت الذي كان فيه.
وعندما سمع الضباط الذين كانوا يتناولون الأفطار معه وعددهم قليل بوصول موكب أمر اللواء التاسع عشر الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قرب المدينة لاحظ تحرجهم في رغبتهم للخروج لتحية زعيم الثورة الذي اذيع من أذاعة بغداد بأسمه وتعيينه رئيسا للوزراء فلم يمانع بالسماح لهم بالخروج لتحيته والسلام عليه، وكم كان الموقف عظيما ومؤثرا حين اوقف الزعيم الركن عبد الكريم قاسم سيارته عند الباب النظامي لمعسكر سعد وترجل منها وهو يصافح ويسلم على الضباط والمراتب الذين هبوا لتأييد الثورة ويهتفون بأسمه وعندما سألهم عن قائد الفرقة أخبروه أنه موجود في مطعم الضباط يتناول طعام الأفطار فأوصاهم به خيرا وأن يبقى في موقعه قائدا للفرقة ويطيعوا أوامره لحين صدور الأوامر من قيادة الثورة قائلا لهم هل هلله بقائدكم لواء غازي خوش أزلمه الأ أن الأيام أثبتت عكس ذلك فقد جرى أعتقال قائد الفرقة غازي الداغستاني وجرت محاكمته في محكمة الشعب المعروفة بمحكمة المهداوي. بعدها تحرك الموكب الى بغداد يسابق الريح ليصلها بحدود الساعة الحادية عشر قبل ظهر ذلك اليوم حسب ماورد في اوراق المقدم وصفي طاهر الذي عمل ضابط ارتباط بين القطعات المنفذة قبل تنفيذ الثورة وساعة التنفيذ وأصبح لاحقا مرافق أقدم للزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء بعد الثورة، وفي دار الأذاعة العراقية كان العقيد الركن عبد السلام عارف بأنتظاره ليسلمه مقاليد ألأمور ويصبح الزعيم الركن عبد الكريم قاسم من ساعتها رئيسا لوزراء العراق والزعيم الأوحد فيه وعسكر اللواء التاسع عشر في معسكر الرشيد بعد أستتباب ألأمور ويتحول الى لواء للحرس الجمهوري في حين اعيد اللواء العشرين المنفذ للثورة الى فرقته في بعقوبة. أشترك كل من الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف في التخطيط للثورة وتعاهد الرجلان على التنفيذ في اول فرصة تسمح بذلك ولأي منهما فكان ذلك سر لقائهما المتواصل في ساحه العرضات، فجاءت الفرصة الى العقيد الركن عبد السلام عارف بمشيئة الباري عز وجل فهو ضابط مشهود له بالشجاع والأقدام، وعندما جاءت الفرصة بصدور الأوامر بحركة اللواء العشرين للأردن وتم القرار على التنفيذ عندها تولى المقدم وصفي طاهر مهمه تبليغ كافة المعنيين بالأمر ليلا من ضمنهم قيادات الأحزاب المدنية والتي هبت لاسناد الثورة حال سماع بيانها الاول من الراديو. ان نجاح الثورة ما كان يتم لولا التخطيط الدقيق الذي اعده الضباط العراقيون الأكفاء المشهود لهم بالكفاءة والوطنية والذي كان هاجسهم انقاذ العراق من السيطرة الأستعمارية والذي كان النظام الملكي اداة لها، وغير ذلك كان هناك عدد كبير من الضباط في وحدات متفرقة من الجيش العراقي مبلغين ومتفقين على الثورة ومتهيئين للتنفيذ. ففي معسكر المسيب كان العقيد فاضل عباس المهداوي وهو أبن خالة الزعيم عبد الكريم قاسم والذي كان مبلغا بالتنفيذ ولما حانت ساعة الشروع سيطر على اللواء الأول الألي هناك مع عدد من الضباط المتعاونين وألقى القبض على أمر اللواء العقيد وفيق عارف وهو شقيق رئيس أركان الجيش رفيق عارف . أن إلقاء الضوء على الحقائق اعلاه كان غايتها أن لاتغمط حقوق رجال كان لهم دور فاعل في هذه الثورة التي باتت بعض الأقلام تسيئ لها حتى راح البعض يصفها بأنقلاب عسكري متناسيا ابعادها وغاياتها واهدافها النبيلة وما حققته للشعب العراقي من مكاسب لاتحصى.
فأن كان خروج العراق من دائرة الأسترليني وحلف بغداد يعد أنقلاب فماذا فعلت الثورات غير ذلك وأذ كان قانون الأصلاح الزراعي وتأميم النفط وأعادة العراق وجهة العربي المشرق يصفه الكتاب الشباب بأنه أنقلاب عسكري فما هي مواصفات الثوره عندهم، وغير ذلك ما وجدته يكتب من قبل البعض ممن لم يعاصر احداث تلك الثورة المجيدة او يدرسوها بأمعان وراحوا يدلون بدلوهم في حيثيات بعــــــيدة عن الحقائق وأهلها.
/4/2012 Issue 4169 – Date 9 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4169 التاريخ 9»4»2012
AZP07