قراءة في كتاب عبد الحسين شعبان – محمد جواد فارس
عصبة مكافحة الصهيونية و نقض الرواية الإسرائيلية
أضاف الباحث والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان كتابه الجديد إلى المكتبة العربية والموسوم “عصبة مكافحة الصهيونية ونقض الرواية الإسرائيلية”، وهو جهد متميّز وتاريخي لدحض ادعاءات الصهيونية بتمثيل اليهود في العالم، وذلك عبر إضاءة فصل مهم ومنسي أو مهمل من تاريخ الكفاح الوطني العراقي الذي ساهم فيه يهود تقدّميون معادون للصهيونية، بل شكّلوا عصبة لمكافحتها بتوجيه من فهد أمين عام الحزب الشيوعي الذي أُعدم في العام 1949. وشعبان كما معروف مفكر جزل العطاء، حيث أنجز العديد من العناوين المهمة في مجالات متعددة في القانون والسياسة والفلسفة والتاريخ والاقتصاد والمجتمع المدني والفكر الديني وغيره من المجالات الحيويّة، وقدّم اجتهادات جريئة وآراء نقدية.
كتاب شعبان مهمّ أيضًا لناحية علاقته بالمقاومة تاريخيًا، والقضية الفلسطينية بالنسبة له مثلما هي للعديد من التقدميين بوصلة كل العرب و المسلمين ، خصوصًا وأن النضال الفلسطيني ضد الاستيطان الاسرائيلي يتصاعد ويتّسع على الرغم من ممارسات إسرائيل العنصرية.
سأُقدّم للقارئ تعريفًا بالكتاب الذي يعكس موقف الحركة الشيوعية بقيادة يوسف سلمان يوسف ( فهد ) من القضية الفلسطينية والملابسات التي قادت إلى تغييرها لاحقًا.
وكان برنامجها الأول يقوم على:
أ – أن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية.
ب – أن الهجرة اليهودية .. لا تحل مشكلات اليهود المقتلعين من أوربا ، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية.
ج – أن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع امبريالي قديم 00 يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود العرب.
د – أن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلّا من قبل الشعب الفلسطيني، الذي يعيش في فلسطين فعلآ ، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة دول أخرى .
دولة يهودية
ه – أن التقسيم سيؤدي إلى خضوع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.
و – أن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية الدينية و سيؤثر جديا على آمال السلام في الشرق الاوسط 0
ولكل هذه الأسباب فأن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم ( نص التوجيه الداخلي للحزب ) 0
وبعد أن قدمت مجموعة من اليهود بتوجيه من الحزب مذكرة إلى وزير الداخلية للحصول على ترخيص قانوني في 12 أيلول / سبتمبر 1945? أقدمت الحكومة التي تشكّلت في 23 شباط / فبراير 1946 ووزير داخليتها الشخصية الوطنية المعروفة سعد صالح جريو ، منح الإجازة القانوني لعصبة مكافحة الصهيونية، وكانت المذكرة مقدّمة من ثماني شخصيات يهودية و هم كل من سليم منشي ، نسيم حسقيل يهودا ، مسرور صالح قطان ، إبراهيم ناجي، يعقوب مير مصري، مير يعقوب كوهين، يعقوب إسحاق وموشي يعقوب 0 واصدرت العصبة جريدة لها باسم “الأساس”
شمل الكتاب على خمسة عشر عنوانًا وملخصًا باللغة الانكليزية.
وكتب المؤلف أن البحث يتألف من شقين أساسيين:
أولهما: يبحث في تفاصيل تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية و حيثيتها 0
وثانيهما : يتناول مسألة نقض الرواية ( الإسرائيلية) التي تزعم تمثيلها ليهود العالم بمن فيهم يهود العالم العربي.
ويسلط البحث الضوء على ما تعرض له اليهود المعادون للصهيونية من حرب مزدوجة ومركبة؛ الأولى _ من الحركة الصهيونية ، بزعم إثارة يهود العالم ضدها و التشكيك بنواياها وأهدفها؛ والثانية _ من الحكومات الرجعية و القوى المتعصبة والمتطرفة، حيث تعرضوا لحملة قمعية شرسة ، باعتبارهم “طابورًا خامسًا” متواطئًا مع الصهيونية عدوتهم الأساسية 0
وفي الاستهلال يتناول الكتاب حيثيات وجوهر فكرة مناهضة الصهيونية، حيث يقتبس فقرة من مذكرة العصبة، جاء فيها : [ هذه هي الصهيونية سافرة عارية، و لكن الصهيونية ككل حركة استعمارية رجعية تشعر ببشاعة شكلها وقبح معالمها فتقنع نفسها بأقنعة جذابة و أثواب جميلة فضفاضة تخفي وراءها بشاعتها و قبحها، ولذلك فنحن بوصفنا يهودا وطنيين واعين نتقدم بطلبنا هذا لغاية السماح لنا بتمزيق القناع عن وجه الصهيونية الحقيقي أمام الجماهير اليهودية وغير اليهودية ] 0ّ
يذكر الباحث أنه استعاد كتاب الصديق د. عبد اللطيف الراوي الموسوم (عصبة مكافحة الصهيونية في العراق ) والذي تناول فيه دور اليهود اليسارين العراقيين في الكفاح ضد الصهيونية 0 وعلى ذكر عبد اللطيف الراوي فأتذكر علاقتنا به، حيث كان أستاذًا في كليّة الآداب بجامعة البعث في حمص السورية، ورحل عن دنيانا في عام 1991 ونظمت له أمسية وقد ألقيتُ فيها انا كاتب السطور كلمة عن أصدقاء الفقيد 0
ونعود إلى ما كتبه شعبان في كتابه، عن أهداف العصبة و أساسها القانوني: حددت المادة الثانية من عصبة مكافحة الصهيونية أهدافها:
– مكافحة الصهيونية و فضح أعمالها ونواياها بين جماهير الشعب العراقي ولاسيما اليهود.
– الوقوف ضد الصهيونية و دعايتها.
– القضاء على النعرات الطائفية التي تمزق الشعب العراقي.
– خلق جو من التفاهم بين مواطني الشعب العراقي .
– بث روح الديمقراطية بين سائر أفراد الشعب العراقي 0
وعن الأساس القانوني ، يكتب شعبان عن مؤسسيها والحركة الشيوعية التي تقف خلفها أنهم اختاروا نقطة مفصلية في تاريخ العراق، خصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و انتشار الأفكار الديمقراطية و ابداء الأمير عبد الإله الوصي على العرش استعداد المملكة العراقية للانفتاح و ذلك في خطابه يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر 1945 الذي أعلن فيه موافقته على تأسيس الأحزاب ( التي لا يصح بقاء البلاد خالية منها )، فقدموا طلبًا ينسجم مع الدستور والقوانين والأنظمة المرعية بتشكيل الجمعيات، ليحصلوا على الإجازة القانونية.
ولعبت صحيفة العصبة دورًا مهمًا في بثّ الوعي بين اليهود بشكل خاص وفي الشارع العراقي بشكل عام في فضح التوجّهات الصهيونية في قضية الهجرة الى فلسطين ، و لم يدخر الباحث جهدًا لتنوير المتلقي عن تاريخ الصهيونية ونشأتها الأولى في روسيا وبولندا وصولًا إلى تأسيس الاتحاد السوفيتي عقب ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917? كان عدد اليهود فيه كبيرا ، واحتلوا مواقع مهمة في الحزب الشيوعي و المواقع الرسمية في الدولة تفوق كثيرا نسبتهم العددية ، وقد حاول العديد منهم الاندماج في العشرينيات و الثلاثينيات، لكن أحوال عمليات التطهير النازية أيقظت مشاعرهم ، علما بأن العديد منهم لم يسجل في هويته الشخصية كونه يهوديا 0
فارق جوهري
ومنذ وقت مبكّر أضاء لينين الفوارق الجوهرية بين الماركسية و الصهيونية واعتبر الأولى نقيضا للثانية التي لا تجتمع معها ، فالثانية حركة عنصرية ، مؤكدًا على تعارض الأممية مع تلك النزعات الضيقة، و قد تبنى البلاشفة موقف لينين ، و أصبح بمثابة سياسة رسمية للاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية بما فيها الاممية الثالثة ، التي أساسها لينين العام 1919 0
إن ما قدمه الباحث الدكتور شعبان في كتابه الموسوم عن عصبة مكافحة الصهيونية ليس بحثًا في التاريخ، بل هو بحث بما هو راهن أيضًا لنقض الرواية الصهيونية ، ولا يمكن للباحثين في القضية الفلسطينية إلّا الرجوع له كوثيقة مهمة ومصدر علمي لا غنى عنه، خصوصًا وهناك محاولات صهيونية لتزييف التاريخ الفلسطيني وتزويره والقيام بحفريات في القدس وغيرها من المناطق الفلسطينية لإثبات كونها مناطق يهودية تاريخية، وهو ما نقضته اليونيسكو. كما أن الكتاب مهم أيضًا لجهة اشتداد الهجمة الصهيونية على الشعب الفلسطيني في الضفة و قطاع غزة من قصف همجي للمدن و اطلاق يد المستوطنين في استخدام السلاح ضد السكان الامنين و كذلك تهديم منازل عوائل الشهداء الابطال، الأمر الذي يعكس حقيقة أن الصهيونية والنازية هما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يستمدّان أيديولوجيتهما من الفكر العنصري الاستعلائي.
{ طبيب و كاتب
ثالثـــاً: التخفيف على قيود التصدير، حيث تم السماح بتصدير بعض السلع بإجازة مفتوحة، أهمها الصوف الخام، والدبس، والقطن العراقي، والجلود، كما قررت الحكومة السماح بتصدير الذكور من الأغنام والماعز إلى خارج العراق دون إجازة وسمحت أيضاً بتصدير السمك الجري.
رابعــاً: تحديد بيع المنسوجات القطنية والشاي بالإضافة إلى السكر في الأسواق المحلية ببطاقات غذائية تطبع لهذا الغرض.
نلحظ مما تقدم أن وزارة التموين استلمت مسؤوليات خطيرة وثقيلة في ظروف معقدة، ترتبت عليها عدة واجبات، وفي مقدمتها واجب تصدير المنتوجات العراقية الفائضة عن حاجة الاستهلاك المحلي، كذلك تسعير وضبط توزيع المواد الغذائية، كما كان من واجبها الإشراف على تنظيم الاستيراد بما يؤمن الحاجة المحلية، وعلى هذا الأساس قامت وزارة التموين بإصدار عدد كبير من البيانات لغرض معالجة مشكلة التموين والسيطرة على الأسعار. لذا نلاحظ أن شؤون التموين في هذه المرحلة شهدت حالة من الانتعاش والاستقرار النسبي نتيجة هبوط الأسعار وتوفر المواد المستوردة الغذائية منها والضرورية، استمرت لمدة أربعة أشهر تقريباً، إذ سرعان ما عاد الوضع إلى سابق عهده، فأصبحت هناك أزمة السكر بسبب عدم التزام شركة المملكة المتحدة بتوفير حاجات العراق من السكر، مما اضطرت الحكومة إلى إنقاص حصة السكر للفرد الواحد من كيلو واحد شهرياً إلى (750) غرام شهرياً، وكان السكر الذي يوزع من النوع الرديء الممزوج بمواد غريبة (السكر الأحمر) لذا فإن هذه الوزارة لم تستطيع وقف تذمر الشعب منها، كما ازدادت شكاوي المواطنين نتيجة غلاء الأقمشة لا سيما من قبل أهالي الريف الذين كانوا لا يجدون ما يستر أجسادهم لعدم شمولهم بنظام البطاقات، لكن الحكومة لم تتمكن من وضع الحلول الناجحة لها، إذ ارتفعت أسعار بعض المواد الغذائية المتوفرة في العراق بمعدل 800٪ وهذا لم يكن يتناسب مع القوة الشرائية للشعب.
من جانبها عانت شؤون الوزارة من الارتباك والفوضى الشيء الكثير فعلى سبيل المثال، شغل منصب الوزارة أربع وزراء خلال فترة أقل من ستة أشهر، إضافة إلى أن الوزارة لم تتمكن من ربط جميع المديريات بها حسبما جاء في الغاية من إنشائها، فمثلاً بقيت مديرية الحبوب تابعة لوزارة الداخلية، وهذا شكل عاملاً مضافاً في ارباك أعمالها. مما دفعت الحكومة بالاعتراف صراحة بفشلها في حل مشكلة التموين حسبما جاء في خطاب العرش في 2 / كانون الأول / 1944م، ونظراً لتقلص مهامها بسبب رفع قيود السيطرة والمراقبة على معظم مواد التموين، قررت الحكومة إلغاء أكثر من (80) وظيفة، وطلبت من المتصرفيات تقليص عدد موظفي التموين والمستخدمين لديها إلى الثلث وإيقاف التعيينات الجديدة، على أثر ذلك قررت وزارة الداخلية إلغاء شرطة التموين بسبب تقلص أعمال التموين، ورفع السيطرة عن معظم مواد التموين وتم توزيع أفرادها على الشرطة المحلية في بغداد وباقي الألوية (المحافظات)، فضلاً عن الانتقادات التي وجهتها الصحافة المحلية للحكومة بضرورة إلغاء وزارة التموين لانتفاء الحاجة إليها، بسبب فشل الوزارة في إداء مهامها التموينية، وبالفعل ألغيت هذه الوزارة في 11 تشرين الأول 1948م.
في الحلقة القادمة سنوف نتطرق إلى أسباب فشل وزارة التموين في عملها.