قراءة في‮ ‬تجرية الدكتور محمد عبد الرضا شياع

قراءة في‮ ‬تجرية الدكتور محمد عبد الرضا شياع
من شراكة الوعي‮ ‬إلى إكتناز أسلوبي‮ ‬باذخ
‮ ‬مزهر الخفاجي

د‮. ‬محمد عبد الرضا شياع واحد مِنَ‮ ‬النُقاد الذين‮ ‬يتمكنون بمهارة العارف وذكاء الباحث وبصيرة المدقق الفاحص ومهارة في‮ ‬قراءة المنجز الابداعي‮ ‬قديمه وحديثه والمعاصر منه ويحيط بمختلف جوانب موضوعاته النقدية‮ ( ‬شِعر ورواية‮) ‬مُركِّزاً‮ ‬على ما‮ ‬يستدعي‮ ‬التركيز عليه،‮ ‬وكلما‮ ‬يتطلّب ذلك من استقصاء وتوسُّع‮. ‬(1)
والدكتور محمد عبد الرضا شياع،‮ ‬من الذين‮ ‬يرفضون تقريض المقاربة التاريخية للنص ورغبة المتصدين للتعديل بأن‮ ‬يعيشوا خارج أسوار النص وثلمه بالنظر اليه بعيداً‮ ‬عن بحثها في‮ ‬جمالية النص رغم اهمية التدقيق في‮ ‬خارج النص‮.‬
ولم‮ ‬يكتفى ببيان مدى تأثر كاتبه وتأثير الآخر فيه،‮ ‬فيفضل فتح مغاليق النص مرحباً‮ ‬بأسراره،‮ ‬ورافضا رغبة بعض النقاد مِمَن‮ ‬يطالب متكتماً‮ ‬على مساراته الحافلة بالغرابة والمُطالبة بالدهشة والاتصالات‮. ‬
(2)
وكأن الناقد محمد عبد الرضا شياع‮ ‬يطالب بالتقصي‮ ‬ليس عن العاصفة النصية وحسب،‮ ‬بل‮ ‬يدعونا وهو‮ ‬يُمارس هواية النقد الى دراية التغلغل في‮ ‬العاصفة النصية الشعرية نفسها‮.‬
لأنها هي‮ ‬التي‮ ‬خلخلت البُنى التناصية والشرائط والإشكالات التاريخية،‮ ‬لأنّ‮ ‬التدقيق في‮ ‬مكامن النص وتقصي‮ ‬الآليات المحركة للنص هي‮ ‬التي‮ ‬تُحدد مكان القرار فيه،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تفسر زاد الرحلة ومسارها‮.‬
أن رغبة وسعي‮ ‬ومنهج‮ ( ‬الدكتور شياع‮) ‬الى الاندماج في‮ ‬النص فقط بل‮ ‬يسعى بكل ادواته هو من اجل ممارسة الفحص للبنى النصية‮… ‬ولمعرفة عوامل تكوينها،‮ ‬وإن مارس قدَراً‮ ‬من الحلحلة،‮ ‬لأن الافعّال في‮ ‬العلائق النصية،‮ ‬إنما هي‮ ‬مدخل معرفي‮ ‬وثقافي‮ ‬لمحاولة تقييد النص‮.‬
إنّهُ‮ ‬لا‮ ‬يمارس فعلاً‮ ‬تشكيكياً‮ ‬في‮ ‬شعريته او اسلوب كتابة الروائي‮…‬،‮ ‬بل‮ ‬يمارس فعلاً‮ ‬نقدياً‮ ‬يُحدد فيه مناطق الصدق والثبات في‮ ‬مهارة هذا النص وتفاعلها مع الانساني‮ ‬واللاانساني،‮ ‬وان فعل الخلخلة في‮ ‬العلائق النصية في‮ ‬النص الابداعي‮….‬
ويعمل الدكتور محمد عبد الرضا شياع مِن أن‮ ‬يمارس شكلاً‮ ‬من مقومات التشكيل أو استدعاءاً‮ ‬نابهاً‮ ‬لا‮ ‬يقصد منه ممارسة القسوة كما‮ ‬يذكر‮ ( ‬دريدا‮)‬
(3)
في‮ ‬التعامل مع فعل القراءة بقدَر ما‮ ‬يؤكد على منهج‮ ( ‬الفِهم‮) ‬الذي‮ ‬يطوق فعل الاستدعاء الحقيقي‮ ‬لمؤسسات النص‮.‬
أن الفعل النقدي،‮ ‬كممارسة ثقافية عند‮ ( ‬د‮. ‬محمد عبد الرضا شياع‮) ‬وأن ما‮ ‬يميزها أنها تعتمد على الكثير من الاستدعاءات للباطن النصي‮ ‬والحجاح للظاهراتية النصية إنما كان الهدف منه كما‮ ‬يقول دريدا‮:‬
‮” ‬أننا لن اتخلى عن التحليل أبداً‮ ‬واظن لا اجد ما‮ ‬يمنعني‮ ‬عن التحليل أو فهم الكلمة بجميع معانيها‮….”. ( ‬4)
هذا الفهم هو الذي‮ ‬جعل الناقد د‮. ‬محمد عبد الرضا من أن‮ ‬يؤكد بشكل دائم على ضرورة ان تحضر ظاهر الفهم للنص او التماهي‮ ‬معه في‮ ‬التحليل‮… ‬لان الوظيفة الاساسية للنقد هي‮ ‬استجلاء للنص حتى‮ ‬يصل الامر الى كشف اسراره‮.‬
هنا تكمن المتعة كما‮ ‬يقول شياع،‮ ‬فيقول‮:‬
‮” ‬إذا لم تكن اللذة المبدعة احادية،‮ ‬والقراءة متعددة،‮ ‬فان النص هو الآخر‮ ‬يُطرح لجهاته الأحادية،‮ ‬بل ان التعددية في‮ ‬القراءة في‮ ‬عُمقها ومحتواها نابعة من بنية النص الادبي‮. ‬ومن تفاعل العناصر التي‮ ‬اسهمت في‮ ‬تكوينها سواء أكانت من داخل النص أم من خارجه‮…. ‬وهنا تتجلى لغة ودقة الدرس النقدي‮”. ‬
(5)
والدكتور محمد عبد الرضا لا أكاد أجزم أنه‮ ‬يختلف في‮ ‬طروحاته ومنهجه النقدي‮ ‬عن طروحات النقد الغربي،‮ ‬الذي‮ ‬يقول‮:‬
‮” ‬ان منهج النقد المقارن الحديث إنما‮ ‬يهدف الى دراسة العلاقات القائمة بين الادب من ناحية وبين مجالَي‮ ‬المعرفة والمعتقدات الاخرى،‮ ‬كالفنون والفلسفة والتاريخ،‮ ‬والعلوم الاجتماعية والعلوم الحيّة والدراسات الأخرى‮”. ‬
(6)
وإنّ‮ ‬اسلوب وأدوات الناقد محمد عبد الرضا الشعرية‮… ‬وان كانت تلتقي‮ ‬في‮ ‬مضامينها مع رواد مدرسة الأدب النقدية المقارن،‮ ‬وذلك في‮ ‬الحدود التي‮ ‬ترسخ مفهوم مركزية قرراءة النص‮.‬
‮” ‬إذ أنّ‮ ‬مركزية الأدب المقارن إنما تكتفي‮ ‬بدراسة مواطن التلاقي‮ ‬بين الآداب في‮ ‬لغاتها المختلفة وصلاتها المنعقدة في‮ ‬حاضرها أو ماضيها،‮ ‬وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر،‮ ‬أيّاً‮ ‬كانت مظاهر ذلك التأثير والتأثر‮” . ‬
(7)
وان أبرز ما ترشّح عن تجربة‮ ( ‬الدكتور محمد عبد الرضا شياع‮) ‬النقدية ربما‮ ‬يُركز‮ ‬يركز كما نعتقد في‮ ‬المعطيات التالية:رغم اهتمام الناقد بالتاريخ كونه جزءاً‮ ‬أصيلاً‮ ‬من عدة ومخزون البدع التراثية والتاريخية كونها مُرتكزاً‮ ‬اساسياً‮ ‬في‮ ‬تحليل وتوكيد او خلخلة النص‮… ‬لكن النسق التاريخي،‮ ‬كما‮ ‬يعتقد الناقد ليس كائناً‮ ‬لوحده‮… ‬في‮ ‬غواية التلقي‮ ‬أو في‮ ‬تأويل شفراته،‮ ‬أو المقاربة الى الفهم‮”. ‬ان التجربة النقدية للدكتور محمد عبد الرضا تسعى الى ترسيخ مفهوم الكليّة في‮ ‬قراءة النص،‮ ‬أو الكليّة في‮ ‬سبر أغوار النص‮… ‬كون الناقد‮ ( ‬عبد الرضا‮) ‬يؤكد على فهم تضادات النص وعلى روحية النص‮… ‬وكأنه‮ ‬يقول لنا كما قال،‮ ( ‬باولو كويلو‮): ( ‬أني‮ ‬أؤمن مِن أنّ‮ ‬كل شيء نراه وكل شيء أمامنا‮. ‬وكل شيء نسمعه،‮ ‬إنما هو فقط الجزء المرئي‮ ‬من الحقيقة،‮ ‬ونحن نملك الجزء المَخفي‮ ‬من الحقيقة‮…. ‬وعلى سبيل المثال،‮ ‬العواطف المثالية،‮ ‬ليست هي‮ ‬الوسيلة الناجعة لفهم او ادراكنا الحقيقي‮ ‬للعالَم‮). ‬وكأن‮ ( ‬د‮. ‬عبد الرضا‮) ‬يقول‮: ( ‬أن أعرف أو اهجس أني‮ ‬فككت طلاسم هذا النص حينما أتمكن في‮ ‬المَسكِ‮ ‬بسرٍ‮ ‬من اسرار روحه‮)… ‬ان كشف هذه الروح ونقصد روح النص‮… ‬يعيننا في‮ ‬محاولة العثور على اسئلة جديدة وليس على أجوبة جيدة‮”. ( ‬8) ان‮ ‬غواية كشف اسرار النص في‮ ‬العمل النقدي‮ ‬عند د‮. ‬محمد،‮ ‬ليست هواية فحسب،‮ ‬او درساً‮ ‬اكاديمياً،‮ ‬بل أنها جزءاً‮ ‬من وعياً‮ ‬مكنوناً‮ ‬أضاف الى تجربته حسّاً‮ ‬مميزاً‮. ‬حيث تجلّى في‮ ‬الكثير من مقارباته النقدية بدءاً‮ ‬من مقاربته النصيّة في‮ ( ‬شعر الحطيئة‮) ‬وانتهاءاً‮ ‬في‮ ‬قصائد الومضة في‮ ‬الشِعر العراقي‮ ‬المعاصر‮…. ‬وهي‮ ‬وإن كانت سُبة عند بعض مؤرخي‮ ‬النقد العربي‮ ‬والعراقي‮ ‬المعاصر‮… ‬إلا أنها كانت ميزة وتفرداً‮ ‬واضحين‮. ‬
وأن البراعة في‮ ‬الفرز بين التناص والتفاعل الضمني‮ ‬كان مفهوماً‮ ‬نقدياً‮ ‬امتاز به ناقدنا وحده منذ بروز تجربة الشاعر عبد الوهاب البياتي‮ ‬والشعر لانه باني‮ ‬مبادرة نقدية مبنية على الاشتباك بين التناص والتماثل وهي‮ ‬فهمه لقصائد الكثير من الشعراء المبدعين‮: ‬إذ عَدَّ‮ ‬الدكتور محمد عبد الرضا،‮ ‬أنّ‮ ‬مفهوم التناص اكثر قسوة في‮ ‬المصطلح النقدي‮ ‬العربي‮ ‬المعاصر‮… ‬وهو قد تناسل عدّته وادواته النقدية من مدرسة النقد الغربية‮… ‬وهو بهذا الأمر‮ ‬يستشرق مصطلحاً‮ ‬نقدياً‮ ‬جديداً‮… ‬أو ما‮ ‬يُسمى هذا المصطلح عربياً،‮ ‬إذ‮ ‬يذكر الناقد عبد الرضا،‮ ‬مِن أنّ‮ ‬التفاعل النصي‮ ‬أعم وأشمل من التناص،‮ ‬وهو بهذا‮ ‬يتجاور مع تعريفات‮ ( ‬جيرار جينيث‮) ‬وتعريفه للتناص في‮ ‬أنماطه الخمسة والمقصود بها‮:‬
التناص‮.‬
المناصة‮.‬
الميثانصية‮.‬
التعليق النصي‮.‬
معايير النص‮.‬
ويذكر‮ ( ‬الدكتور محمد عبد الرضا‮)‬،‮ ‬إنّ‮ ‬التفاعل النصي‮ ‬هو المصطلح الأدق والأشمل لأنه‮ ‬يفتح لنا نوافذ عديدة لنتأمل النص الإبداعي‮…. ‬وهو‮… ‬لأن النص الإبداعي‮ ‬ما هو إلا منتج‮ ‬يتيح ضمن شكل من العلاقة النصية السابقة له،‮ ‬ويتفاعل معها استدعاءً‮ ‬وتحويلاً‮ ‬وامتلاكاً‮ ‬لاشكال ومستويات متباينة‮. ‬(9)
وقد برع ناقدنا في‮ ‬المُزاوجة بين المنهج النقدي‮ ‬والنقد الثقافي‮ ‬المنهجي،‮ ‬وذلك لتدارك الناقد د‮. ‬محمد عبد الرضا المُبكر لحجم الفراغ‮ ‬الذي‮ ‬تركته المناهج النقدية الأدبية الاكاديمية‮… ‬وضياع جهودها النقدية،‮ ‬وهي‮ ‬تؤشر لحجم المنجز الابداعي‮ ‬النصي‮.. ‬إلا أنها تُعد أسيرة ملتقياتها الجامعية والبحثية والأكاديمية‮… ‬هذا الفراغ‮ ‬ربما استطاعت الثقافة أو علم الثقافة،‮ ‬الذي‮ ‬درجَ‮ ‬البعض على عدّ‮ ‬نهج الثقافة في‮ ‬أخبارها عبر وسائلها السَمعية والمرئية والمقروئة على توصيل ما فيه من المعرفة الانسانية الثقافية البشرية كتوحد لظاهرة شاذة تجمع بين المدرك الثقافي‮ ‬والمدرك الاجتماعي‮…. ‬على الرغم من عدم اتفاق الكثير من الدارسين عن رأيٍ‮ ‬موحد عن مادة الثقافة في‮ ‬نظام المغرفة العِلمية الاكاديمية في‮ ‬قاموس‮ ( ‬اكسفورد‮)… ‬وقد اتفق هؤلاء الباحثون على ان،‮ ‬الثقافة صارت مجالاً‮ ‬تركيبيا للمعرفة وساحتها الأكثر اغراءاً‮ ‬للمتلقي‮ ‬قائماً‮ ‬على توصيل فلسفة الثقافة‮… ‬نعم لقد نبه ناقدنا‮ ( ‬د‮. ‬محمد عبد الرضا‮) ‬الى‮ ‬غياب المنهج النقدي‮ ‬العِلمي‮ ‬الثقافي‮ ‬في‮ ‬طروحات المشتغلين في‮ ‬تحليل النص الأدبي‮ ‬بالأكاديميين أو المثقفين او الأدباء‮.. ‬وشخّص برؤيا العارف حجم الخسائر التي‮ ‬يتعرّض لها المُبـــــــدع‮ ( ‬المنتج‮) ‬صاحب النص،‮ ‬وابتعاد الناقد العراقي‮ ‬والعربي‮ ‬عن ساحة التأثير الرائع الجمالية والابداعي‮ ‬في‮ ‬كثير من تجارب النقد العربي‮ ‬الحديث للعديد من هذه النصوص‮… ‬وهو وإن اقتفى مدرسة‮ ” ‬كمال ابو ديب‮” ‬او‮ ” ‬شوقي‮ ‬غنيم‮” ‬أو تماساً‮ ‬مع‮ ” ‬افان تعييم‮” ‬او‮ “‬الكسندر ديما‮”‬،‮ ‬او مارسا حثاً‮ ‬مع‮ ” ‬رولاند بارت‮” ‬او‮ ” ‬جيرار جينت‮… ‬إلا أنه ظل مخلصاً‮ ‬لمدرسة الاندماج بين المنهج النقدي‮ ‬الاكاديمي‮ ‬والمنهج النقدي‮ ‬الثقافي‮. ( ‬10) فأدخل في‮ ‬سوق النقد الأدبي‮ ‬مع كلٍ‮ ‬من‮ ( ‬الدكتور عبد الرضا علي‮)‬،‮ ‬وحاتم الصكَر،‮ ‬وصالح هويدي‮ ‬أساليب جديدة‮… ‬حركّت مخيال النقد العراقي‮… ‬وزاحمت ذائقة التلقي‮ ‬التقليدية‮… ‬وأزاحت الردى من مناهج النقد الكلاسيكي‮… ‬وزادت من جُرعات الوعي‮ ‬الثقافي،‮ ‬التي‮ ‬نسقت هندسة المعاني‮ ‬والدلالات النصيّة‮.‬
لقد بات واضحاً‮ ‬اكتناز الاسلوب النقدي‮: ‬وهي‮ ‬سِمة مهمة في‮ ‬الاسلوبية النقدية،‮ ‬التي‮ ‬عُرفت بها الدراسات النقدية عند الباحث المتمرس‮ ( ‬محمد عبد الرضا‮) ‬والدال على ذلك تنوع وجهات كتاباته النقدية،‮ ‬فهو من النقاد الذين لم‮ ‬يقفوا عند منهج أو مدرسة واحدة في‮ ‬النقد،‮ ‬فقد نجد في‮ ‬كتاباته النقدية في‮ ‬الموضوع الواحد استعانته بالمنهج التحليلي‮ ‬والشكلي‮ ‬حتى النفسي‮. ‬ولم‮ ‬يقف عند حدود مدرسة من مدارس الشعر أو حقبة تاريخية،‮ ‬فهو‮ ‬يتجاوز في‮ ‬ادواته مدارس أدبية وزمنية متعددة‮… ‬وان من مباهج هذا الاكتناز هو توظيف المتن المعرفي‮ ‬الكبير لدى هذا الناقد من خلال تعدد زوايا النظر والكتابة التعددية،‮ ‬فهو‮ ‬قد‮ ‬يفاجأك باستخدام مصطلح‮ (( ‬المونولوج‮)) ‬في‮ ‬نـــــــص‮ (( ‬تأبط شر‮))‬،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن قُدرته عن اكتشاف الدوائر المتعددة المحركة للمدونة الشعرية لشاعر‮ ( ‬تأبط شر‮)‬،‮ ‬فهو في‮ ‬ذلك‮ ‬يقول،‮ ‬ان الكلمات في‮ ‬نص‮ ( ‬تأبط شرا‮)… ‬إنما هي‮ ‬كل فعل وكأنه هو الذي‮ ‬يرسم مسارات الأعراف ويُحدّد اتجاهاتها،‮ ‬لأنها صادرة من الاديب لا من الآخــــر‮.‬(11)
6- أن تجليات ذلك الاكتناز المعرفي‮ ‬النقدي‮ ‬في‮ ‬منهج واسلوبية الكتابة النقدية عند د‮. ‬محمد عبد الرضا في‮ ‬بحر المجاز النقدي‮ ‬من اسلوبيته النقدية الكلاسكية المرنة أو من مرجعيته الاكاديمية الصارمة‮… ‬وهو‮ ‬يكتب عن تجارب متعددة من الكتابة الشعرية‮. ‬وهو‮ ‬يقول في‮ ‬التجارب الشعرية العربية المعاصرة،‮ ‬إن تعدد مواطن القراءة مثلما تغيرت مواقع الابداع سواءً‮ ‬أن تعلّق الأمر بشكل النص أم بمحتواه بداخل النص أم بخارجه‮. ‬وقد ترافقت هذه الابدالات وغيرها من القراءات النقدية رسمت النص الشعري‮ ‬العربي‮ ‬بميسمها‮. ‬واختلفت في‮ ‬تحديد مواطن شعريته،‮ ‬التي‮ ‬تقوم على المفارقة او الفجوة،‮ ‬والتي‮ ‬تخلقها الثرثرة الشعرية‮. ‬إن براعة هذا الاكتناز النقدي‮ ‬في‮ ‬اسلوب كتابة النقد عند‮ ( ‬الناقد عبد الرضا‮) ‬ومثلما ادخل مصطلح‮ ( ‬المونولوج‮) ‬في‮ ‬نصوص‮ ( ‬تأبط شرا‮) ‬وقراءة تعدد الأصوات فيها‮. ‬كذلك فعلت المعرفة النقدية الواسعة للناقد وتحديث الادوات بالاختلاف في‮ ‬اسلوب القراءة في‮ ‬ايجاد مقاربة نقدية للنص الأدبي‮ ‬عند بعض الشُعراء،‮ ‬وهو‮ ‬يتصدى للعملية الشعرية لتجربة الشاعر المغربي‮ ( ‬احمد المجاص‮) ‬المتعمد،‮ ‬وهو‮ ‬يمارس تزكية نص الشاعر ويحلل تجلياته الأسلوبية‮. ‬فضلا عن تأصيله المتعمد لمرجعيته اللغوية القرآنية،‮ ‬على الرغم من اقتضاب واضاءة العديد من التناصات والتضادات‮.. ‬ويبدع الناقد في‮ ‬الانفتاح في‮ ‬التوصف النقدي‮ ‬بقوله‮:‬
‮” ‬ان شعر المخاض كان مترع بالألم وخضرة في‮ ‬دروب اليباب‮”.‬
7- الصوت الداخلي‮ ‬ميزه وكثيراً‮ ‬ما كان‮ ‬يؤكد الناقد عبد الرضا،‮ ‬مِن أنّ‮ ‬فكرة صوت المؤلف التي‮ ‬نادى بها‮ ( ‬رولان بابسا‮) ‬على اعتبار ان الكتابة هي‮ ‬الكيان التي‮ ‬تضيع معه كل هوية‮. ‬بما في‮ ‬ذلك الذي‮ ‬تليه او تستعير تلك الكتابة‮. ( ‬12) ان الدكتور وهو‮ ‬يدخلنا في‮ ‬قراءة نصوصه النقدية‮… ‬يمارس شكلاً‮ ‬من أشكال إعادة التأويل او فلنقل‮ [ ‬كتابة نص موازي‮ ‬لنقدنا للنص المقروء‮- ‬شعراً‮ ‬أم رواية‮].‬
والناقد الدكتور محمد عبد الرضا مؤمن مِن ان‮:‬
‮( ‬الكتابة عذاب والاسترسال فيها ألم‮).‬
كما‮ ‬يقول‮ ( ‬باستر ناك‮). ‬نعم أن اكتناز المعجم النقدي‮ ‬لدى الناقد‮ ” ‬الدكتور محمد عبد الرضا‮” ‬موسوعية ونقصد تعدد زوايا قراءة النص هي‮ ‬التي‮ ‬ميزت اسلوبه بامتياز،‮ ‬فهو‮ ‬يؤصل مرجعيات النص وثقافة صاحب النص اسطوريا ولغويا وموضوعياً‮. ‬ويعيد لنصه النقدي،‮ ‬أو انه‮ ‬يتصل في‮ ‬مناقشة وموسوعية ثقافته الادبية‮: ‬انها ملكة لا تتوفر في‮ ‬العديد من نقادنا‮.‬
8- الانفتاح على العلوم الاخرى‮ ( ‬النفس،‮ ‬الاجتماع،‮ ‬والانثروبولوجي‮) ‬لتسهيل نصه النقدي‮ ‬بحلية جديدة تبهر القارىء والدارس وتزيد من حماسته لتشع او تكشف المسكوت عنه في‮ ‬هذا النص او ذاك،‮ ‬وان ما‮ ‬يحير المتتبع لاسلوبه‮ ( ‬محمد عبد الرضا‮) ‬في‮ ‬اسلوبيته النقدية استعاراته العميقة والجميلة للجُمَلْ،‮ ‬وهي‮ ‬تصف معنى هذا النص الابداعي‮ ‬أو ذاك،‮ ‬وان هذه المهارة او الانفراد لاسلوبي‮ ‬في‮ ‬الكتابة النقدية لا‮ ‬يقف عند حدود المعجم اللغوي‮ ‬العربي،‮ ‬على الرغم من‮ ‬غزارته‮… ‬لكنه نحت في‮ ‬مفرداته وجمله العربية‮… ‬الى الحدّ،‮ ‬ان بعض المفردات‮.. ‬مازجت بين عمقها اللفظي‮ ‬ودلالاتها الموضوعية‮.. ‬وإن‮ ‬غرابة عناوين مقالاته النقدية‮.. ‬قد أضافت للقارىء حجم انطباق فكرة الاكتناز الموسوعي‮ ‬الثقافي‮ ‬والنقدي‮… ‬لهذا الناقد‮… ‬وبراعة تأسيسه النقدي‮.. ‬خطوة تحسب له‮”. ‬
9- ان ناقداً‮ ‬متمرساً‮ ‬واكاديمياً‮ ‬عارفا تتيح لنا القول ان الناقد‮ ( ‬محمد عبد الرضا‮) ‬من الادباء والمفكرين القلائل الذين نجحوا في‮ ‬ترسيخ منهج أو أسلوب‮” ‬تبيى‮” ‬الادوات او المرجعيات النقدية الغربية،‮ ‬وهي‮ ‬مكنة قد لا‮ ‬يحبذها الكثير،‮ ‬إذ وقع تحت طائلة الانتحال المعرفي،‮ ‬وهو من القلائل الذين أوجدو مصطلحاته النقدية الدالة وان اختلفت أساليب النصوص المشتغل عليها‮… ‬نعم انها مكنت العارف والمدرك والمكتنز معرفة وثقافة‮.‬
الهوامش
سعيد‮ ‬يقطين‮: ‬مقدمة الخلفية النصية الاسبانية والشعر العربي‮ ‬المعاصر،‮ ‬2012? ص‮ ‬9.
محمد عبد الرضا شياع‮: ‬الخلفية النصية،‮ ‬ص‮ ‬10.
محاضرة على طلبة الجامعة السورية في‮ ‬10 يوليو‮. ‬تموز،‮ … ‬اخبار الثقافية في‮ ‬مصر‮- ‬2006? ص‮ ‬6.
جاك دريدا‮: ‬تناقضات مستعصية،‮ ‬باريس‮- ‬1993? ص‮ ‬68.
ينظر‮: ‬محمد عبد الرضا شياع‮: ‬الخلفية النصية،‮ ‬ص‮ ‬11.
رينيه ويلك‮: ‬مفاهيم نقدية،‮ ‬ترجمة‮: ‬محمد عصفور،‮ ‬ص‮ ‬317.
محمد‮ ‬غنيمي‮ ‬هلال‮: ‬الادب المقارن،‮ ‬دار الثقافة بيروت،‮ ‬بلا،‮ ‬ص‮ ‬9.
ينظر‮: ‬كارلو كويلر،‮ ‬الروائي‮ ‬البرازيلي‮ ‬المولود‮ ‬1947 في‮ ‬روايته الخيميائي‮.‬
محمد عبد الرضا شياع‮: ‬الخلفية النصيّة،‮ ‬ص‮ ‬12.
سوكولوف‮: ‬الثقافة تناسق الثقافة المعاصرة،‮ ‬دار المأمون،‮ ‬بغداد‮- ‬2019? ص‮ ‬13.
ينظر محمد عبد الرضا شياع‮: ‬سايكولوجية التمرد في‮ ‬سِفر‮ ( ‬تأبط شعر‮)‬،‮ ‬موقع الحاور المتمدن‮.‬
د‮. ‬محمد عبد الرضا‮: ‬الماضي‮ ‬من زمن الكتابة وألق الابداع،‮ ‬الحوار المتمدن‮.‬

مشاركة