قراءة سريعة لأعمال صدّام الجميلي – خليل الطيار

قراءة سريعة لأعمال صدّام الجميلي – خليل الطيار

ابتداءً، أنا من المعجبين بتجربة صدّام الجميلي، التشكيليّ العراقي، وتعتلي غرفة الجلوس لوحة من جميل أعماله، أرسلها هديةً بكرمٍ عالٍ قبل عدّة أعوام.

يحلّقُ الفنّان بعينيْ طائر، يرى المشهدَ كاملاً، ويشخّصه، وهذا الفرق بين أيّ فنان كونيّ، أو فنان آيديولوجي سحقتْهُ الدوغما، من مطبّلي الواقعية الاشتراكية، ومشتقاتها، من أصحاب الحروب، اللاهثين وراء عبد الناصر، أو صدّام، عطايا الكيتش الرديء، الرسامين السيئين، ولولا أنني أعرفُ مدى وعي الجميلي، لما توقفتُ عند مجموعة أعماله الأخيرة، التي نشرها استعداداً لمعرضٍ جديد له.

أُكبِرُ بصدّام أن يكون فنّاناً طائفياً، وهو ينشرُ مجموعة أعمال لا تستهدفُ سوى الرمز الشيعيّ، مع أنّ البلد فيه قتلة من السنّة والشيعة والكرد وحتى الأقليات، وفيه لصوص متعددون تابعون لشتّى الطوائف، لكن حتى استخدام هذا الرمز، لا يأتي من وجهة نظر نقديّة، بل يهبطُ باللوحة إلى ما هو دون الكاريكاتير، والموقف المجرّد الصلد الذي تُجمعُ فيه العلامات كالشتائم المتنافرة، ولا تسمو باتجاه العمل الفنّي.

معممٌ سيّد يعتلي خنزير، معمّم سيّد آخر مع فتاة مربوطة وإبريق للاستنجاء، معمم شيخ يحملُ قرداً، معمم بكرش مع دجاج مذبوح، معمم شيخ ومعمم سيّد مع تلطيخ للوجه، ثمّ استخدام امرأة زائرة بسيطة، من البصرة، اسمها «أم مظفر» لتكون دليلاً على «حياة موحلة».

ثمّة استمراء في الثقافة العراقية لجلد الذات الشيعية الجمعية، بشتى عناصرها المعبّرة عنها، السيء منها والجيّد، وأنا أعلم أن كثيراً من الفنانين، ومن ضمنهم الصديق الجميليّ، لا يجرؤون على استخدام عنصر مقدّس مسيحيّ، أو سنّي، أو حتى كرديّ، لكن الذات الشيعية مُتاحة للضرب والصفع والطعن، وهي المسؤولة وحدها عمّا حلّ بالعراق، وليس البعث، أو د!عش، أو حتى الأنظمة التي تخادمت معهم.

هنا لا أتحدثُ عن المستوى الفني، فالجميليّ فنان مهمّ، وتجريبيّ، ومستفزّ أدائياً، وأنا – كما أشرتُ – من المعجبين بتجربته، لكن الخطاب الجماليّ الأحادي، بهذه النظرة، لا يصدرُ إلاّ من عقل طائفيّ، عقل يختزلُ كلّ شيء بالشيعة، ولا يرى أي شيء آخر.

بل حتى سياسياً، شاهدتُ انتقاداتٍ حادة، لعناصر شيعية لا تهمّني شخصياً، مثل الخمينيّ وغيره، لكن تلك العين الثاقبة لم أجد لها مُعادلاً للفريق الثاني الذي يعبثُ بالعالم: الولايات المتحدة ومشتقاتها وصولاً لإسراويل.

إن أداء الجميليّ بهذه الطريقة الطائفيّة، السطحيّة، المُباشرة، الكاريكاتو-بوستر- شتيمة، سيفعّل فنانين آخرين، سينطلقون من عقلية طائفية شيعية مجرّدة، وهذا ما رأيناه في الشعر، والصحافة، والتدوين.

هذا المعرض، يا صديقي، هو وصمةٌ ولطخةٌ في تاريخك بوصفك فناناً مهمّاً يجب أن تفكّر بطريقة كونية.

هذا المعرض، لم تنظر فيه بعين الطائر لترى المشهد، بل اجتزأتَهُ بطريقةٍ لا تليقُ إلاّ بمحللين سياسيين من الدرجة الثانية كانوا يظهرون في التلفاز ليشتموا أمهاتنا وآباءنا الجنوبيين.

كنتُ أُكبِرُ فيكَ الموقف الإنسانيّ، لكن يبدو أن إعجابَكَ بالشاعر الكبير سعدي يوسف، لم يكن إعجاباً بوصفه معلّماً شعرياً، كما نراه نحن، كان إعجاباً بكل ما فيه، من عظائم وسفاسف.

حلّق يا صديقي، وليكن طائرُكَ بعينين، لا أن يكونَ مجرّد طائر أعور، لا يرى سوى الشيعة، في العراق أشرارٌ كثيرون غير أشرار الشيعة!

  عن مجموعة واتساب

مشاركة