قراءة أولى قبل طبع هذه الرواية – مازن لطيف

قراءة أولى قبل طبع هذه الرواية – مازن لطيف

يمكن أن نسمي هذه الرواية (الآلهة والجواميس في مديرية الأمن ) للروائي العراقي نعيم عبد مهلهل ، هي رواية لقراءة المكان عبر هاجس الطفولة وبراءة الحب والاخوة بين الاخت الطفلة واخيها الطفل .لتبقى ذكريات تلك العلاقة باقية حتى مع سنوات النفي التي يعيشها الاخ لاحقا .لهذا وعبر الاستذكار والوجه المسكون في اعماق بطل الرواية تبقى صورة الاخت هي صورة الانثى .لكن عند الاخت يقترب المقدس والتابوه .وعند الاناث اللائي يتعرف عليهن في منفاه هن نساء الوقت والمتعة . ذلك لان الاخت اصبحت هاجسا مركزيا حين عرف الاخ لاحقا ان اخته تم سوقها الى زنازين مديريات الامن بسبب اخيها المعارض والهارب من بطش الحكومة.

لذا لم يكن العنوان هامشيا بل كان هو هاشمية الاخت التي تمثل صورة النفي وتاريخ المكان والصبر ، وان كان اخيها عاش بغريزة عطر الغرب ،فهي عاشت خارج الهامش مؤمنه انها بدأت تحمل قضية اخيها بالرغم من أنها لا تقرأ ولا تكتب. واظن ان الهامش في قراءة عميقة للرواية تراه ينسلخ من مفارقة العنوان لتجده موغلا داخل الرواية كرؤية وتعبير وحدث ومضمون .

احساس بالنيابة

الاحساس بالنيابة عن مهلهل وهو يكتب عن الالهة والجواميس

يسكنني الإحساس دائما عندما ينتهي آخر فصل من روايتي ، تبدأ معرفتي للحياة بطريقة غير التي كنت اعرفها وقت شروعي بكتابة الفصل الأول ، لكني مع آخر رواياتي التي أتحدث فيها عن غرام مجنون من طقوس المنفى والعذاب بين اخ وأخته حملني لأبقيَ عشقي للحياة التي كانت مسرحا لروايتي ووظيفتي يوم كنت معلما لأبجدية الحلم والأمل أن أجد امرأة تمتلك فهم شغاتي للكتب التي أُعيره إياها بعد أن تعلم القراءة والكتابة ، امرأة تعشق روزا لكسمبورغ ونوال السعداوي وسيمون دي بوفار مثلما تعشق صوت الملاية زكية القادمة من ناحية الاصلاح لتقيم في كل عاشوراء مجلس عزاء ( النسوان ) من أول المحرم حتى انتهاء الليلة الثالثة عشرة، ليلة الوحشة بعد دفن جسد الحسين ع ، وأخذ رأسه الى بلاط يزيد في شآم دمشق. وأيضا مثلما يهزها طرب صوت بنت الريم وسورية حسين ووحيدة خليل. تلك الرواية (الآلهة والجواميس في مديرية الأمن ) ابقت فيَّ الحنين الى تلك الأمكنة والى صبر الأمهات والأخوات يوم يُساق الاباء والابناء الى محارق الحروب أو زنزانات الاعتقال ، وربما هاشمية بطل روايتي والمرأة التي ابقت عشقها وحنينها لأخيها في غربة منفاه وتحملت بدله سنيَّ الاعتقال في زنزانة في مديرية الأمن لتسجل بدلا عنه ، موقفا يسجلهُ هذا المخاض العسير الذي عاشته نساء الاهوار مع دوي القنابل والتهجير وحرق القرى من قبل الافواج القادمة لتبحث وتطارد من بدأوا يحاربون الحكومة ويفرون من الجيش ويذهبون تحت جنح الظلام صوب اهوار مدينة الاهواز. كنت أتخيل الملامح الافتراضية لوجه هاشمية وأقربه تماما الى وجه يشع ببياض حليب الجواميس وصفاء شمس صباحات الاهوار وهي تشرق على وجوه اتعبها سهر الليل في انتظار أن يكتمل القيمر في تجمّده أو اللبن في خثرته .

هذا الوجه لم يكن حقيقيا ، لكنه حتما يعيش في وقائع قرية من قرى الأهوار ، وهو ذاته الهاجس الذي عاش معي في قصة حقيقية يوم انتظر بطل القصة زوجة اخيه التي عشق وجهها والتي هربت مع اخيه بعد ان فجر ثورة رفض ضد شرطة مخفر (وانه ) في اراضي قبيلة عباده المحاذية لأهوار ناحية الطار والفهود وكانت القصــــــة بعنوان فتاة حقل الرز.

فتاة الاهوار

بين ريحانة فتاة الاهوار بطلة قصتي فتاة حقل الرز واتخيل بدء القصة في خيالي (( ركبت ريحانة الفرس الأبيض، وهبطت إلى الماء مثلما تهبط حوريات البحر تاركة تخيّلات الماضي تفيض أسى وارتباكات معطرة بموقف أخي مما يحدث الآن في سومر)) وبين هاشمية التي تنام مع أطياف الآلهة في زنزانتها المظلمة تتحرك مشاهد الذكريات في مديح تلك النظرة الجمالية لنساء المعدان وهن يقفن على تنانير الخبز أو يحصدنَ القصب الاخضر علفا للجواميس أو عندما يشعرن بخلوة المكان فيطلقن لحناجرهن شدو غناء ساحر وهن يَقُدْنَ زوارقهن بدلا عن الرجال الذين ذهبوا يفتشون في القرى الاخرى عن فحل هُمام لتلقيح جاموساتهم. صورة هاشمية وهي تجالس الآلهة في آلفة الحنين الى اخيها الذي يتوسد في الليل الجرماني جسدا شهياً لسائحة يابانية وجدها صدفة تتجول في ارجاء بيت الشاعر ( غوته ) في مدينة فرانكفورت.. هي صورة لسحر تلك الأمكنة الخضراء التي تدفع اجفان هاشمية يوم اطلقوا سراحها لتتحول الى بساط ريح فتذهب هناك تتفقد ليالي الغرام لأخيها الهارب من جحيم بنادق السيمينوف التي يحملها خيالة مخافر مدينة الجبايش……!

هامش المؤلف

مازن لطيف / بغداد / 6 حزيران 2018

هامش من مؤلف رواية ( الآلهة والجواميس في مديرية الأمن):

وجدت هذه المقالة مدونة على ورقتين سلمها لي الناشر العراقي المختطف مازن لطيف ذات صباح في جمعة المتنبي في مكتبة ميزوبوتاميا التي يمتلكها والتي باعها قبل أيام من اختطافه قرب ساحة كهرمانة . ولا اعرف مصير كتبي التي تركتها عنده وهي طبعات كثيرة لعناوين عن الديانة المندائية وروايات ومجاميع قصصية ودواوين شعر وكتب في النقد الأدبي وأخرى عن عالم الأهوار ، فلقد طبع مازن من ملفاتي حوالي ( 20 ) كتابا . ولكن الأهم لدي الآن هي عودة مازن لطيف من مختطفه الغامض ليعود الى شارع المتنبي الذي كان اوكسجينا لهواء رئتيه. عثرت على تلك الأوراق وقد وجدتها في حقيبة السفر بعد اشهر عند عودتي الى البيت ، ونقلتها على الحاسوب . وتدخلت في بعض صياغات قليلة . وها أنا انشرها وفاء لمازن وصداقته المعرفية والإنسانية والثقافية والأخوية الرائعة.  وكل الذي اثمناه هو الحرية الى مازن لطيف وصديقه وصديقي الباحث توفيق التميمي وكل المختطفين .

اللهم آمين

مشاركة