قديم قاعد وجديد صاعد – وصال العزاوي
عبارة رافقتني منذ ايام الجامعة عندما كنا في الصف الرابع في كلية القانون والسياسة، كان عندنا تطبيق إلقاء بحوث في مادة الاحزاب السياسية وكان استاذي الكبير الذي عشقه كل طلاب الكلية والجامعات البروفسور الراحل الدكتور طارق علي الهاشمي صاحب الوجه المبتسم المتفائل المحب الذي لاتمتلك الا ان تجلس امامه لتسمع محاضراته الرائعة مع نصائح ودعابات جميلة..قالها مخاطبا لنا بعد ان جاء دورنا لالقاء البحث، وترددنا خجلا من الصعود على المنصة ومواجهة استاذنا الذي يجلس مع الطلبة للاستماع، فقالها ولماذا الخجل والتردد والخوف؟ غدا ستكونون مكاننا وفي موقع المسؤولية فضحكنا وضحك، وقال عبارته الشهيرة قديم قاعد، واشار على نفسه وجديد صاعد واشار الينا، وهكذا هي الحياة تمضي…ونرحل وترحلون، وتتناوب الاجيال، ولكن العبرة الحقيقية هي متى نقرر القعود ومتى نقرر الصعود ؟ هناك من يختار الانكفاء والانزواء بعيدا وهناك من يختار الانسحاب ليسمح لغيره بالصعود ليكمل رسالته،وهناك من يفرض عليك متى تكون او لاتكون وعليك الاختيار، …رحمك الله استاذنا الكبير في علمه واخلاقه وادبه وحبه للعلم ولطلاب العلم.
هذه العبارة كانت معي دوما خلال مشوار حياتي الدراسي والتعليمي الجامعي وكنت ارددها على طلابي وابتسم عندما ارى الخجل في عيونهم واتذكر خجلنا وابتسامته هكذا الحياة.
واليوم اتسائل هل اخترنا القعود متفرجين ام هناك من فرضها علينا متفرجين علينا..الفرق بين الاجيال انهم كانوا جيل رسالة علم واخلاق واصحاب رسالة وكنا محظوظين بهذه النخبة التي صاغتنا وعلمتنا ان الاخلاق اولا ثم العلم ليرتقي الاول بالثاني فيحلقان بك في فضاء العطاء… وبكل امانة استلمنا الراية وقدمنا للجيل الذي بعدنا ماتعلمناه منهم.. ومع رسالة العلم والاخلاق حملنا رسالة وطن مهموم… مازلنا نبحث عن وطن وسط فوضى خلاقه مضطربة..لانعلم متى واين وكيف ستنتهي..الله وحده يعلم.
المؤلم والمحزن في الامر ان تفرض عليك شروط العمل وشروط الحاجة والاستغناء عن الخدمات حسب الامزجة وماتفرضه الاجندات وادخلونا في تجاذبات الصفقات والسياسة والمضحك المبكي نحن ندرس السياسة بأحترام ووفقا لادبيات الاخلاق والمبادئ والثوابت وهم يطبقون علينا سياسة ميكافيلية بل فاقتها انحطاطا بالاخلاق والمبادئ.
قبل فترة قصيرة التقيت بزملائي المتقاعدين وقد توزعوا بين الجامعات الاهلية والمراكز البحثية الخاصة وكلهم يحملون الحزن على وجوههم وعدم الرضا بأقدارهم المفروضة عليهم لانهم لايملكون خيارات اخرى كباقي اقرانهم خارج الوطن واقصد السفر والعبادة والعيش بكرامة والتفرغ للكتابة والسيرة.
وكانت جلسة حزينة كلها ذكريات واحلام لم تتحقق غادرنا كلا لوجهته المفروضة عليه…كنا نحلم بوطن يجمع افكارنا واحلامنا لتكن سلما لصعود شباب المستقبل…وهنا تذكرت اني قرأت يوما حكمة تقول في الاوطان الحزينة هناك نوعان من البشر نوع يصعد السلم سريعا وعندما ييلغ القمة الوهمية، يرفع السلم حتى لايصعد احد غيره..ونوع يصعد السلم درجة درجة وفي كل طلعة يمد يده ليساعد من يصعد خلفه درجة درجة.. الفرق يكون النوع الاول يسقط من علوه سريعا والثاني ينجح في الوصول للقمة المنشودة…ولكن متى الله اعلم؟… قد يكون في زمان غير زماننا وجيل آخر مازلنا نتطلع الى صعوده ليكمل الرسالة المنشودة.
بغداد