قانون ضد الإساءات
سالم بن عمار
ورد في الأخبار أن البرلمان الكويتي أقر في جولة اولى من التصويت تعديلات قانونية تنص على تطبيق عقوبة الإعدام على كل من يدان بشتم الذات الالهية او النبي محمد وزوجاته. وصوت 46 نائبا ووزيرا حاضرا في الجلسة الوزراء يتمتعون بحق التصويت في البرلمان على التعديلات التي ستدخل حيز التنفيذ بعد إقرارها في جولة تصويت ثانية في البرلمان في غضون أسبوعين، وبعد موافقة الحكومة عليها. وصوت اربعة نواب شيعة ضد القانون فيما رفض اثنان آخران التصويت. وامتنع عن التصويت ايضا نائب سني مقرب من الشيعة. وطالب نواب شيعة بإضافة شتم الائمة الـ 12 الى التجاوزات التي تشملها عقوبة الاعدام في التعديلات القانونية، الا ان الطلب رفض من قبل الغالبية الاسلامية السنية في مجلس الامة. أقرر أولا وقبل أي شيء آخر أني لا أرضى بالإساءة إلى أي إنسان على وجه الأرض أو في باطنها، ولا شتمه وتسقيطه، فكيف أرضى أن تنال الإساءة أو الشتم أو التسقيط النبي، عليه الصلاة والسلام، بل جميع الأنبياء، وكيف أرضى أن يُساء إلى نسائه وأهل بيته وأصحابه المقتدين به؟
هؤلاء الذين شتموا السيدة عائشة شتموا علماء شيعة يحترمهم بقية الشيعة، انظروا في البيانات التي أصدروها والشتائم التي فيها حتى ضد الخميني والخامنئي ومحمد حسين فضل الله وحسن نصر الله وغيرهم. والاتهامات البذيئة التي سوّقوها ضدهم. هل تصدقون أن أحد مشايخهم يلعنهم ثلاث مرات في سجوده؟ أية صلاة هذه وأي دين؟ والنبي يقول لا أحب للمؤمن أن يكون سبّابا لعّانا؟ ولكن هؤلاء لا يصح أن يحاكموا بناء على منطلقات طائفية، بل بموجب قوانين القذف والعدوان على الآخرين، ويمكن أن تشدد العقوبة إن كان القذف والعدوان بحق النبي، عليه الصلاة والسلام. وبدرجة أقل بشأن الآخرين. لأن الآخرين لا قدسية لهم إلا بكونهم بشرا يصيبون ويخطئون. فهم يستحقون المناقشة العلمية الهادئة، ولكن لا يصح شتمهم وسبّهم. سواء كانوا من شخصيات هذه الطائفة أو تلك. نعم يجب محاكمة السبابين الشتامين اللعانين من مختلف الطوائف والمذاهب والقبائل والأحزاب، وتغليظ العقوبة بحقهم وحق غيرهم من المرتكبين لجرائم القذف واللعن والشتم والإساءة، لكن ليس بقانون أعور أعرج.
وأقرر ثانيا بأني ضد أي سلوك طائفي، وأية إساءة لأية طائفة من الطوائف. علما بأني أعتقد أن المذاهب هي مجرد اجتهادات بشرية لفهم القرآن قد تصيب وقد تخطئ، فلا داعي لتحكيمها في حياة الناس وفرضها عليهم بالقوة. وأقرر ثالثا بأني ضد التجارة بالدين والتربّح الشخصي باسم الدين، أي دين كان، وأية طائفة كانت.
وأقرر أخيرا أن هذا القانون الذي أقره البرلمان الكويتي قانون مخيف يمكن استغلاله، واستغلال نقيضه، في عمليات إرهابية يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء من كل الطوائف والأديان كما يجري حاليا في العراق وسوريا والبحرين وباكستان واليمن وغيرها. وأرحب بالحوار الإيماني الجاد لمن يريد أن يناقشنِي فيما أقول. أما الألفاظ النابية والاتهامات فمرفوضة ولن أرد عليها، مرددا مع الإمام الشافعي
لكلّ داء دواءٌ يُستطبّ به
إلاّ الحماقة أعيتْ مَن يداويها
وهل من حماقة أشد من الصراعات الطائفية التي حرمها القرآن الكريم تحريما باتا وحازما؟ فليفكروا في قوله، تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شِيَعا لست منهم في شيء سورة الأنعام 159 أي أن النبي بريء منهم فلا هو منهم ولا هم منه.
إضافة إلى هذا فإن كلمة الشتم كلمة فضفاضة، ويمكن أن تتخذ ذريعة للتنكيل بالآخرين بحجة الشتم، فلا بد للقانون أن يحددها، خاصة في أجواء الاحتقان الطائفي الحالي في كثير من الدول العربية. وهو احتقان لا علاقة له بالاسلام ولا بمحبة النبي، عليه الصلاة والسلام، ونسائه وأهل بيته وأصحابه.
وأتساءل لماذا يرفض البرلمان تضمين القانون منع الشتم عن أهل بيت النبي؟ هل يعني هذا أنهم يريدون مواصلة شتم رجال تحترمهم طوائف أخرى، وأثنى عليهم أئمة المذاهب جميعا، مالك، وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل؟ وليراجع كتبهم من يكذب بهذا الحديث. لماذا يصر بعضهم على شتم السيدة فاطمة الزهراء والإساءة إليها قديما وحديثا وهي ابنة النبي. وقد روت السيدة عائشة وغيرها في فضائل السيدة فاطمة أحاديث نبوية عديدة أكتفي هنا بحديثين من صحيح البخاري ــ عن عائشة رض دعا النبي فاطمة ابنتَه في شكواه التي قُبض فيها أي مات فيها فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها فضحكت، قالت عائشة فسألتها عن ذلك؟ فقالت سارّني النبيّ فأخبرني أنّه يُقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت ثم سارّني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، فضحكت. البخاري ص 711 ط، الرياض 1989 .
ــ عن المسور بن مخرمة أن رسول الله قال فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبنِي. البخاري، ص 710 .
وأما عن فضائل علي بن أبي طالب الذي أشبعوه سبا ولعنا فقد وردت عشرات من الأحاديث النبوية أكتفي بواحد من صحيح البخاري ص 709 من الطبعة نفسها أن النبي وصفه بأنه رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرّار غير فرار يفتح الله على يديه.
فلماذا يباح شتمهم ولعنهم، ولا يُدرَجون في هذا القانون المانع للشتم؟ فليعامل أهل البيت كما يُعامل بقية الصحابة على الأقل. أولئك الصحابة الذين جاءت عشرات الأحاديث النبوية في فضلهم ومنزلتهم في الإيمان والإسلام. أقول هذا على الرغم من أني لا أؤيد تشريع هذا القانون أصلا. وإلا فهل يجرؤون أن يطبقوه على سلمان رشدي مثلا؟ أو على الذين ينشرون الصور المسيئة للنبي، عليه الصلاة والسلام في عدة دول؟ علما أن الأموال العربية مستثمرة في الشركات التي تصدر تلك المجلات. فلماذا لا يسحبون أموالهم منها إن كانوا يحبون النبي إلى درجة أنهم يحكمون بالإعدام على ما يتهمونه بالشتم؟
لقد عانينا في الجزائر كما يعاني غيرنا في ديار المسلمين الكثير من الفتن السياسية والحزبية والقومية والطائفية والدينية.. أفلا يكفي ذلك؟ الا يمكن أن نفكر في عصرنا وما يريده منها من تقدم وتطور؟
في آخر خطبة للنبي في حجة الوداع، قال، عليه السلام فلا ترجعنّ بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض أو قال فلا ترجعن بعدي كفارا يكفّر بعضكم بعضا ويضرب بعضكم رقاب بعض على اختلاف روايات تلك الخطبة الكريمة. وفي هذا تأكيد لحديث آخر يقول مَن كفّر مؤمنا فقد كفر. وحديث يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة لا تحاسبوا الناس كأنكم أرباب .
ولكنّ خير أمة أخرجت للناس سرعان ما تناست صفتها تلك وانشغلت فيما بينها بالحروب والفتن وصارت تضرب نفسها بنفسها، وراح أبناؤها يقطع بعضهم رقاب بعض حتى ان المسلمين الذي قُتلوا بأيدي أبناء دينهم وجلدتهم أكثر من الذين قتلوا من قبل غيرهم. وما جرى ويجري هناك وهنالك مثال واحد لا يحتاج إلى برهان. ولا بأس أن يصلي القتلة على النبيّ والصحابة وأهل البيت. أليس من المخزي أن يُقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة، ولو استمر حكم ابي بكر سنة أخرى بدل السنتين لربما كانوا قتلوه أيضا؟ وذلك في السنين الأولى لظهور الإسلام. ولم يكن القتلة والقتلى إلا من الذين نزل القرآن بين ظهرانيهم. فأية محبة للنبي، عليه السلام، أعمق من أن يكفّر المسلمون بعضهم بعضا، وينكل بعضهم ببعض، ويظلم بعضهم بعضا، ويصادر بعضهم حقوق بعض، ويهجّر بعضهم بعضا من ديارهم؟ أي تعبير عن محبتهم للنبي أبلغ من تزييفهم لدينه من أجل مصالحهم الشخصية الضيقة فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، متخذين من الخرافات وما يضفونه على النص القرآني الكريم من تأويلات مغرقة في ظلمات النفس الأمارة بالسوء.. وسائل لتحقيق أطماعهم وأغراضهم.
أي تعبير عن محبتهم للرسول، عليه السلام، أعمق من سيرهم الحثيث إلى الوراء وأن يعيشوا في سنوات الفتن والحروب متناسين عصرهم وفروضه ومهماتهم فيه؟
وأخيرا
إن محبة النبي تعني التخلّق بأخلاقه، في التراحم والتسامح والتعاون وطلب العلم النافع والقيام بالعمل الصالح.
إن محبة النبي تعني أن نخرج من عصور التبعية والظلم والاضطهاد، لا أن نجعل ديارنا مقرا للعدوان على الآخرين.
هل من محبة النبي تبذير الأموال وعدم استثمارها لبناء دولة حقيقية، ولمساعدة الدول العربية والإسلامية التي بحاجة إلى إيجاد فرص عمل لأبنائها؟
هل من محبة النبي ما فعلوه بالعراق منذ سنة 1988 حين خرج مثقلا بالديون وما زالوا يفعلونه، امتصاصا لدماء العراقيين، بحجة تعويضات الاحتلال؟
صائغ لم يكن في دكانه أكثر من كيلو ذهب واحد، سجل طلب تعويضات بمائة كيلو.. ومثله الكثيرون، وصار على العراقيين أن يدفعوا لهم.
هل من محبة النبي أن يخنقوا العراق ويحتلوا مياهه الإقليمية؟
مستشار في التكوين المهني ــ الجزائر
/4/2012 Issue 4175 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4175 التاريخ 16»4»2012
AZP07