مكاتيب عراقية
وقعَت هذه الواقعة في باب سنة الرمادة والحرب الأكول ألف وثمانمئة واثنان وثمانون ، بمعهد النفط ببغداد العزيزة ، وعلى مبعدة شهقة من صفصاف العاشقين وملاذ الكالبتوس الأمين .
وزّعت الأستاذة الجميلة إيمان ، أسئلة الرياضيات على الطلبة النجب ، وكنت أكثرهم كسلاً وتخلّفا في هذا الدرس الرهيب ، الذي كنت سيئاً فيه حدّ أنني غالباً ما أحصل على درجات قياسية ، منها صفر من مائة مثلاً .
لم أستطع فكّ أيّ لغز في هذه الورقة اللعينة ، حتى عندما لجأتُ الى صديقي نصر عادل الجالس على تخت اليمين ، وصفوت فاهم كامل النابت على التخت الشمالي .
كانت المدرّسة ذات الوجه الذي سرقَ صورة البدر ، قد حدستْ وعرفت نواياي المبيتة في الغشّ ونقل ما تيسر من إجابات صحيحة أو تكاد تكون كذلك ، من أصدقائي ومما تبقى في رأسي ، من علمٍ أخذته ودرسته على يد الأستاذ حاتم عبد الكريم ، بإعدادية النضال بمنطقة السنك ، التي كانت أشبه بسجن مربّع إنْ دخلْتَهُ فلن تهرب منه ، حتى لو امتلكتَ مهارات وحيَل آل باتشينو وروبرت دي نيرو وقبعة ايست وود .
الوقت يجري وأنا ما زلتُ أضرب الصفنة بالصفنة والأخماس بالأسداس ، لكن من دون جدوى أو برقية أمل ممكنة ، حتى هبطت عليَّ من السماء ، تلك الفكرة العبقرية الرائعة . حدبتُ ظهري ورحتُ أكتب ما رأيته يشبه قصيدة غزل وحب بحق معلّمتي ، وقد نجحت في ذلك تماماً ، فقمت مثل طاووس وسلمت الورقة لإيمان المذهلة ، ومنحتُ الصف والربع ظهري ، الذي استعاد استقامته هذه المرة بتمامها .
في اليوم التالي ، تمّ استدعائي الى مجلس محكمة ، يسمى المجلس التأديبي كما أظنُّ . كانت مدرستي فلعة القمر جالسة ، ومعها عميد المعهد وأستاذ آخر غير مشهور ، لذلك تاه مني اسمه الآن . تدولوا بالمسألة وتجادلوا بغضب ، ثم انخفض منسوب الزعل ، وارتفع منسوب الضحك ، الذي بدأته أمّونة ، وأنهاه الأستاذ الذي صار وجهه الآن صف أسنان عظيم ، من قوة البهجة والتضحيك ، وتم العفو عنّي مشروطية إعادة الإمتحان بقاعة ليس فيها سواي .
أما القصيدة التي كنت “ برطلتُ “ فيها أستاذتي الجميلة ، فما زالت راسخة في ذاكرتي :
إيمانٌ رياضياتْ
قوانينٌ وتمريناتْ
تفاضلُ تارةً فينا
تُكامِلُ عندنا مرّاتْ
جميلٌ وجهُها قمرٌ
عيونٌ فيهِ زرقاواتْ
تسائلنا عن الواجبْ
فيسري الهمُّ والآهاتْ
عذراً يا معلّمتي
لتعقيدِ الرياضياتْ
فلَمْ أقصدْ إساءتكِ
وحسبي انّها زلّاتْ