جرائم لا تسقط بالتقادم
غزو وإحتلال أمريكا وحلفائها العراق- قتيبة آل غصيبة
في الساعات الاولى يوم 19آذار 2003؛ شنت الولايات المتحدة الأمريكية؛ بالتعاون مع بريطانيا وحلفائهما، حربًا عدوانية على العراق؛ للإطاحة به كدولة حديثة استمرت اكثر من ثمانية عقود من السنين بذل فيها شعب العراق الغالي والنفيس؛ من أجل بناء بلدهم والنهوض به حتى اضحى في مقدمة البلدان في العالم بمستوى التعليم والصحة والخدمات ومحو الامية؛ لينتهي الامر به الى الاحتلال والتدمير وتفكيك مؤسساته بطريقة جهنمية بقيادة الامريكان؛ فقد أُعتبر الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق حدثاً تاريخيا مثيرا للجدل والانتقادات ؛ فهو جريمة دولية ضد الانسانية؛ لا تسقط بالتقادم وفقا للقانون الدولي؛ “إذ إن هناك جرائم معيّنة لا تسقط بالتقادم ، وهذا يعني أنه مهما طال الزمن المنقضي؛ فإنه يجوز رفع الدعاوى القضائية على مرتكبي هذه الجرائم؛ وإن عدم سريان التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية تمّ تبنّيه بموجب اتفاقيّة دولية حول عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني 1968) قرار الجمعية العامة رقم 2391 [23]) ودخلت الاتّفاقيّة حيّز التنفيذ في 11 تشرين الثاني 1970 وأصبح عدد الأطراف الموقعة على الاتفاقية 55 دولة في الوقت الحالي؛ وتحدّد الاتّفاقيّة بدقة الجرائم التي لا تنطبق عليها قوانين التقادم؛ وهي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية؛ كما حُددت في ميثاق محاكمة نورمبرغ؛ بالإضافة إلى الانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني؛ كما حدّدتها اتفاقيات جنيف لعام 1949 وهناك أيضًا اتفاقيّة أوروبية تتعلّق بعدم تقادم الجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، والتي تمّ تبنّيها في 25 كانون الثاني 1974 ودخلت حيز التنفيذ في 27 حزيران 2003.
قدمت الولايات المتحدة عدة مبررات لغزو العراق؛ بما في ذلك الاتهامات بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وربط النظام العراقي بتنظيم القاعدة؛ الذي كان وراء الهجمات الإرهابية في 11 أيلول 2001 ومع ذلك لم يتم العثور على أي أسلحة دمار شامل في العراق؛ وتم رفض ادعاءات ربط العراق بتنظيم القاعدة ، شنت الولايات المتحدة وحلفائها الحرب على العراق؛ وهو يعاني من العقوبات الدولية والحصار المفروض عليه بسبب أزمة الكويت وتداعياتها؛ فتدهور الاقتصاد العراقي؛ وأصبح وضع النظام الصحي والتعليمي في حالة سيئة؛ ورغم الوعود الامريكية قبيل الغزو وبعده؛ انهم جاؤوا من اجل تحرير العراق؛ وتحقيق الديمقراطية والحرية للشعب العراقي؛ والتي تأكد للقاصي والداني مدى زيفها وبطلانها؛ بل إنها ساهمت في خلق الأزمة الكارثية الإنسانية التي نتجت عن الحرب والاحتلال؛ وأرتبطت بانخفاض معدلات الصحة والتعليم؛ وارتفاع معدلات الفقر والبطالة؛ والنزوح واللاجئين؛ إضافة الى معاناة الشعب العراقي من الاضطرابات السياسية والأمنية بعد الحرب، حيث اندلعت أعمال عنف؛ وتفجيرات إرهابية؛ مما أدى إلى سقوط عشرات الالاف من الضحايا والمدنيين وساهمت في تفكك الهوية الوطنية للعراق وزعزعة الاستقرار الإقليمي.
وقد تم استنكار الحرب الأمريكية على العراق والمطالبات بضرورة رحيل القوات الأمريكية المحتلة وحلفائها من قبل عدة دول ومنظمات دولية، بما في ذلك الأمم المتحدة؛ وواجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا انتقادات حادة من قبل العديد من الشخصيات السياسية والمجتمع الدولي بسبب الآثار السلبية التي تركها الاحتلال في العراق؛ بما فيها الانتقادات والشهادات التي قدمها العديد من المفكرين والسياسيين والخبراء الامريكان وغيرهم من الشخصيات الرسمية والشعبية للدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية؛ وقدموا شهادتهم وانتقاداتهم للاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الادارة الامريكية ورئيسها بوش الابن؛ فقد عَرَضَ الاكاديمي السياسي والسفيرالسابق والعضو في الكونغرس الامريكي للفترة من 2011 – 2015م؛ “بيتر و. غالبريث” في كتابه “نهاية العراق- كيف تسبب القصور الامريكي في إشعال حرب لا نهاية لها ” الصادر في 2007م؛ الكثير من الاخطاء السياسية والاستراتيجية التي ارتكبها الرئيس بوش وإدارته؛ نستعرض بعض منها؛ إذ يقول : (تعتبر الحرب نكسة استراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط، إذ لم يسفر الرذاذ الديمقراطي الناتج عن حرب العراق سوى عن انتخاب متطرفين متشددين …أما المكانة الامريكية فلقد بلغت أدنى مستوياتها على الاطلاق في العالم..) ؛ ويضيف أيضا: (لقد فشلت الحرب في خدمة أي هدف من أهداف السياسة الخارجية الامريكية ، إذ لم تعزز أمن الولايات المتحدة ، ولم تحقق تقدما في الحرب على الارهاب، ولم تجعل من العراق دولة مستقرة، ولم تنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، ولم تزد من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في الحصول على النفط، كما كانت تكاليفها كبيرة…..)؛ ويتحدث بتفصيل عن؛ (افتقار الرئيس الامريكي بوش الى الدقة في القرار بتركيز الموارد العسكرية والدبلوماسية ألامريكية على العراق، والذي كان اقل خطورة -وبمراحل- من بين دول محور الشر الثلاث – العراق وإيران وكوريا الشمالية- ….وان واقع الامر يُظهر أن إنشغال الولايات المتحدة بالعراق قد أسفر بشكل واضح عن تشجيع كوريا الشمالية وإيران بدلا من ردعهما [على اعتبار ان ضرب العراق سيعطي كلتا الدولتين درسا للحد من أنشطتهما العدوانية]…..وإن تقدم كوريا الشمالية الكبير كقوة نووية هو أحد النتائج المباشرة المترتبة على الاستراتيجية الامريكية التي كانت تركز على العراق.) ، وأما عن ايران فيقول المؤلف “غالبريث” ؛ بأن موقف إيران قد تغير بالضد من الولايات المتحدة الامريكية بعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الامريكي بوش امام الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والكونغرس في 29 ك2 2002 واصفا فيه إيران بأنها أحد دول محور الشر؛ ويقول الكاتب: ( أما إيران فقد تبين بشكل واضح افتقار بوش الى التفكير الاستراتيجي، فالمفكر الاستراتيجي – إثر إتخاذه قرارا بغزو العراق- كان عليه أن يتأمل الوضع في إيران، ففي ضوء قيام إيران بتمويل الاحزاب الدينية الرئيسية في العراق، كان من المتوقع ان يكون لإيران نفوذ كبير في عراق ما بعد صدام حسين.. كان لإيران دوافع لإزالة صدام تزيد دوافع جورج بوش، نتيجة للخسائر الكبيرة التي تكبدتها في حربها ضد العراق…وكانت إيران – قبل خطاب محور الشر – تتعاون فعلا مع الولايات المتحدة في افغانستان، من خلال إشراكها في المعلومات الاستخبارية عن القاعدة، ومنع أعضاء القاعدة الفارين من الهروب عبر إيران، ومنح القوات ألامريكية حق القيام بطلعات بحث وإنقاذ داخل الاراضي الايرانية عن الطيارين الامريكان الذين تسقط طائراتهم في الحرب الافغانية، وكان للولايات المتحدة وإيران عدومشترك متمثل في تنظيم القاعدة ورجال طالبان فكان كل منهما قد حارب الشيعة بإعتبارهم ضالين، اما بعد خطاب محور الشر فقد وضع الايرانيون حداً لتعاونهم مع الولايات المتحدة حول أفغانستان، حارمين بذلك القوات الامريكية من المعلومات الاستخبارية والمساعدة الكفيلة بجعلها تشن حرباً افضل ضد الارهاب، في خطابه عن محور الشر لم يسيء بوش الى إلايرانيين فحسب، بل أعطى إشارة أيضا بأن إيران ربما تكون الهدف التالي لامريكا بعد حملتها على العراق، لم يتفهم الرئيس أبدا مدى النفوذ التي تتمتع به ايران في العراق، او ربما لم يكن يعتبر ألامر مهما، اليوم يسيطر حلفاء ايران على الكثير من قوات ألامن العراقية الممولة أمريكياً، وهي عنصر رئيسي في الحرب الاهلية في العراق، كما ان لدى ايران منذ عام [1989) برنامج سري للحصول على تكنلوجيا الاسلحة النووية، الامر الذي تساعده فيه باكستان حليفة الولايات المتحدة المفترضة، فبعد ان كانت ايران خاضعة الى عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعليق نشاطها في تخصيب اليورانيوم الكفيل بجعلها تمتلك مواد الانشطار اللازمة لتجميع القنبلة النووية، فقد قرر في أوائل في أوائل 2006 الرئيس الايراني محمود نجاد إنهاء عمليات التفتيش واعلن استئناف ايران تخصيب اليورانيوم، وكان القادة الإيرانيون مقتنعين بأن الولايات المتحدة لن تتحرك ضدهم، والسبب الرئيسي هو الوجود الامريكي في العراق، وكما علق برلماني ايراني لصحيفة نيويورك تايمز في ك2 2006? بقوله : ” أمريكا معرضة جدا للخطر في الوقت الراهن، ولو أقدمت الولايات المتحدة على عمل يفتقر إلى الحكمة لمعاقبة ايران على سعيها وراء برنامجها النووي، فسوف تتحمل اميركا بالتأكيد وغيرها من الدول قسطا من الضرر “، وكان هذا الاعلامي يشير في تعليقه الى قدرة ايران على إشعال إنتفاضة مسلحة من قبل الاحزاب الموالية لإيران وأجنحتها المسلحة ضد الجيش الامريكي في كل من جنوب العراق وبغداد….لقد جعل الرئيس بوش نتيجة إرساله قوات أمريكية الى العراق رهائن لدى إيران وحلفائها في العراق، مما اسفر عن إفتقار الاداره الامريكية الى أية خيارات عسكرية جيدة لإيقاف مسيرة إيران نحو امتلاك أسلحة نووية، وبالعودة الى الوراء فإن الحرب على العراق زادت بدرجة كبيرة خطر التهديد النووي ضد الولايات المتحدة من قبل كوريا الشمالية وإيران. )؛ ان ما ذكره المؤلف ” بيتر غالبريث” في كتابه “نهاية العراق”؛ تعتبر شهادة مهمة ومعتمدة لإدانة الادارة الامريكية ورئيسها بوش عن جريمتها في غزو واحتلال العراق؛ كون المؤلف “بيتر و. غالبريث” كان أحد المسؤولين الكبار في إدارة الملف السياسي لسلطة الاحتلال في العراق؛ وأنه شرع بتأليف كتابه هذا في سنة 2005م خلال توليه مسؤولياته في العراق وفقا لما ذكره في مقدمة الكتاب .
أما الشاهد الثاني فهو الصحفي والكاتب الامريكي المعروف “روبرت داربر” ؛ حيث ادلى بالكثير من المعلومات عن الجرائم والاخطاء التي ارتكبها الرئيس الامريكي بوش وإدارته في غزو واحتلال العراق؛ فقد ذكر في كتابه “رئاسة جورج دبليو بوش ـ موت مؤكد ” الصادر بالانكليزية في الربع الاخير من الولاية الثانية لبوش؛ ويعتبر هذا الكتاب من المؤلفات السياسية المهمة التي تناولت الفترة الرئاسية للرئيس جورج دبليو بوش الذي حكم الولايات المتحدة للفترة من عام 2001 الى عام 2009? ورغم ان مؤلف الكتاب ” روبرت داربر ” كان مقربا من الرئيس بوش؛ وقابله ست مرات بشكل مطول؛ كما قابل أبرز اعضاء فريق الصقور الذي عمل معه منذ استلامه السلطة وبعض الشخصيات المهمة؛ إلا ان هذا الكتاب يميل الى النقد الشديد للرئيس بوش؛ بموضوعية ودقة في البحث والتحليل؛
حيث يذكر المؤلف 🙁 لم يكن بوش شعبياً في حياته مثلما كان عليه عشية 11 ايلول 2001? فقد وقف الشعب الامريكي وراءه بنسبة 90? ? وهذا شيء نادر في تاريخ السياسة الامريكية؛ لكن هذه الشعبية لم تدم طويلاً ؛ فبعد الانخراط في حرب العراق غير المفهومة أو غير المبررة أخذت الشعبية تتناقص حتى وصلت مؤخرا الى نسبة مخيفة او الى الحضيض بسبب قراره الحرب على العراق دون موافقة الامم المتحدة) ، يتناول الكتاب عدة قضايا هامة؛ أبرزها غزو وإحتلال العراق؛ وفي الكتاب إنتقادا حادا لقرار الرئيس الامريكي بوش بغزو واحتلال العراق؛ حيث يعتبرها خطأً كبيراً وقراراً سيء الصيت؛ ويؤكد على أن الحرب لم تكن ضرورية ولم تكن لها أسباب مشروعة؛ ويبين الكتاب عدة أسباب تجعل غزو العراق واحتلاله قراراً خاطئا؛ حيث يؤكد المؤلف: (على الخطأ الكبير بالاعتماد على معلومات غير دقيقية بشأن وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق؛ والتجاهل الكامل للتحذيرات والمخاوف التي أبداها المجتمع الدولي وبعض الدول المستقلة بشأن الحرب.) ؛ ويذكر أيضاً: ( لقد أُخذ على الرئيس بوش وإدارته الخطأ الكبير التالي ألا وهو حلّ الجيش العراقي وقوى الامن؛ وذلك لأن معظم هؤلاء التحقوا بالمقاومة ضد المحتل بل أصبحوا عصبها الاساسي؛ وبما أنهم عسكريون ومدربون على السلاح بشكل جيد؛ فإنهم استطاعوا أن يوقعوا خسائر كبيرة بالجنود الامريكان وحلفائهم ….يضاف الى ذلك أن قرار غزو العراق اتخذ بإيعاز من المحافظين الجدد الذين سيطروا على السياسة الخارجية الامريكية بعد أحداث 11 ايلول 2001. ) ويضيف الكاتب أيضا : (ولكن يبدو ان العداء الشخصي لعب دوره في هذا المجال؛ فالرئيس بوش الابن أراد ان ينتقم لوالده الذي حاول النظام العراقي أغتياله أثناء زيارته للكويت؛ بعد تركه لمنصب الرئاسة وهذه ألاهانة لم ينساها آل بوش عادة لأنهم من تكساس التي تعتبر عرين الكابوي في أمريكا.) ، ويتحدث الكاتب عن الاسباب التي دفعت الادارة الامريكية بزعامة بوش لاتخاذ قرار الحرب على العراق؛ قائلا: ( الاعتقاد بأن النظام العراقي يمثل تهديدا للأمن القومي الامريكي وللشرق الاوسط بأكمله؛ نظرا لمحاولاته تطوير الاسلحة النووية؛ وكذلك الاسلحة الكيميائية والبيولوجية المزعومة [ وهي إدعاءات أثبتت بطلانها وعدم صحتها ] ، الاعتقاد خاطئاً بأن الحرب على العراق ستكون جزء من حرب الولايات المتحدة على الارهاب؛ وإن اسقاط النظام فيه يساهم في القضاء على تهديد هذا النظام الواضح للأمن الدولي ، الرغبة في إعادة بناء العراق وتحويله الى ديمقراطية؛ وهو ما كان يؤمن به بوش وإدارته [ويقصد هنا الديمقراطية الليبرالية المستندة الى الاقتصاد الحر ليصبح العراق سوقا مفتوحة للنهب من قبل الشركات الامريكية ومصالحها ].) وفي هذا الصدد لابد من الاشارة الى ان الدوافع الحقيقية لشن الحرب على العراق؛ كان في مقدمتها السيطرة على النفط العراقي؛ والتحكم في السياسية الخارجية للشرق الاوسط؛ وضمان امن الكيان الصهيوني الذي كان يعتبر العراق العدو الاول ضده . يتحدث الكاتب أيضا عن الاثار السلبية التى تركها الغزو والاحتلال الامريكي للعراق؛ قائلا: ( شهدت الحرب على العراق تدميرا هائلا في البنية التحتية والمنازل والمدارس والمستشفيات؛ وفقدان مئات الالاف من الارواح والاصابات والنزوح الجماعي للمدنيين ، وأن هذه الحرب أفضت الى تفاقم الانقسامات السياسية والطائفية في العراق؛ وزادت من التوتر بين مكوناته الدينية والعرقية؛ مما ادى الى الصراعات الداخلية والعنف في البلاد ، وكذلك فإن هذه الحرب أضرت بالاقتصاد العراقي كثيرا؛ وتسببت في إرتفاع معدلات الفقر والبطالة؛ مما ادى الى تدهور الحالة المعيشية للمواطنين وزيادة المعاناة ، كما ان هذا الاحتلال للعراق؛ شهد تلوثا هائلا للبيئة نتيجة استخدام اسلحة محرمة دوليا كالاسلحة الفسفورية واليورانيوم المنصب؛ [التي لاتزال تحصد ارواح العراقيين وتصيب مواليدهم بتشوهات خلقية يصعب معالجتها؛ إضافة الى استغلال كل من تركيا وإيران الوضع السياسي الهش للعراق من خلال إستحواذهما على حصص العراق لمياه الانهار المشتركة معهما؛ مما ادى الى تلف الاراضي وتلوث بنسب عالية للهواء وإرتفاع نسب التصحر بنسب غير مسبوقة. ]) ، ومن الجدير بالذكر ان هذه الاثار السلبية لغزو وإحتلال العراق لم تقتصر على فترة الغزو الاحتلال العسكري الامريكي للعراق فحسب؛ بل إنها مستمرة لحد الان ولا تزال تلقي بأعبائها على الشعب العراق الذي اصبح مع الاسف في ادنى مستويات معايير الاحصائيات والمؤشرات الدولية؛ وانه يواجه تحديات كبيرة حتى اليوم، مثل الاستقرار الأمني والاجتماعي والسياسي، وتحسين حالة الاقتصاد والتعليم والصحة في البلاد؛ هذا بالاضافة الى إستمرار آثار الحرب والاحتلال الأمريكي في العراق على المدى البعيد، مثل زعزعة الاستقرار الإقليمي وتصاعد التطرف والإرهاب في المنطقة، والازمات الاقتصادية المتفاقمة.
ولابد ان نُذَكر بمؤلفات الصحفي الاستقصائي الامريكي ” بوب ود وورد” المعروف بدقة معلوماته حول خبايا خطط التآمر الامريكي على العراق قبل غزوه وإحتلاله وتداعيات هذا الاحتلال على الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها؛ من خلال كتابه “خطة الهجوم ؛ الصادر في 2004″ والذي تمت الاشارة اليه والى أهميته في مقال سابق؛ اضافة الى كتابيه حول هذه القضية؛ وهما ” كتاب بوش محاربا الصادر عام 2003? وكتاب حالة إنكار – حرب بوش الصادر عام 2008 . ” حيث يمكن ان تكون المعلومات الواردة في هذه الكتب شهادات لإدانة واضحة للرئيس بوش وإدارته في غزو العراق وإحتلاله، وهناك الكثير من الكتب والدراسات والبحوث الصادرة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المشاركة في العدوان على العراق؛ تمثل من خلال مؤلفيها شهادات إدانة لجرائم الحرب على العراق
تأتي الشهادة الاهم والاعم وما تضمنه تقرير لجنة التحقيق البريطانية عن الدور البريطاني في غزو العراق ؛ المعروف بتقرير لجنة “تشليكوت”؛ حيث تم تكليف السير “جون تشيلكوت ” في عام 2009م بالتحقيق في غزو العراق؛ فتشكلت لجنة برلمانية لهذا الغرض تتألف من ستة أعضاء؛ فتشكلت لجنة التحقيق حاملة اسمه؛ وكان مهمة اللجنة إجراء تحقيق عام حول غزو العراق ودور بريطانيا في الحرب ؛ وصدر هذا التقرير في 6 تموز 2016 م ؛ فقد كان التقرير طويلا؛ وفي أثني عشر مجلدا؛ وخلاصته في 150 صفحة؛ ورغم الضغوط الامريكية على بريطانيا في عدم تشكيل هذه اللجنة؛ وضغط الحكومة البريطانية على لجنة التحقيق والاتفاق بينها وبين اللجنة على تقليص او تضييق نطاق التحقيق؛ مما تسبب في عرقلة عمل اللجنة وتأخيرها؛ حيث تعذر على اللجنة الاطلاع على عدد كبير من الوثائق التي كانت تُشير الى العلاقات والاتصالات البريطانية بين الرئيس الامريكي بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير؛ او بين الوزراء والقادة العسكريين لكلا البلدين؛ والمسؤولين عن قرارات غزو العراق واحتلاله؛ ومنعت الادارة الامريكية الانكليز من إعطاء أية وثائق للجنة؛ وهكذا اصبح عمل اللجنة غير ذي جدوى وأُفرغ من محتواه؛ أضطرت اللجنة إثر ذلك الى اللجوء للمحكمة البريطانية العظمى؛ وإقامة الدعوى ضد الحكومة البريطانية؛ برفضها إعطاء الوثائق المهمة التي ترغب اللجنة بالحصول عليها؛ وعلى الرغم من كل المصاعب التي واجهت اللجنة؛ إلا ان معظم رجال القانون المتابعين لتقرير اللجنة بمجلداته الاثني عشر؛ يؤكون جدوى هذا التقرير وأهميته؛ فقد تضمن عدد كبير جدا من المراسلات الرسمية والوثائق والاتصالات التي جرت بين بوش و بلير ؛ ومن جملة الحقائق التي أظهرها التقرير ان رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير كذب على البرلمان البريطاني عندما ادعى؛ انه لايزال يبحث عن حل دولي في العراق؛ في حين ثبت انه وعد الرئيس الامريكي بوش قبل سنتين من الغزو بأنه سيذهب الى الحرب بغض النظر عن النتائج؛ وكشف التقرير ايضا المزيد من التلاعب بالمعلومات خلال مرحلة التحضير للغزو؛ والاستخدام المفرط للانتقائية في استخدام المعلومات الاستخبارية الواردة من مصادر وعملاء جهاز الاستخبارات البريطاني ؛ لتعزيز الاتجاه القائم على شن الحرب؛ في حين اكد الخبراء المختصين بعدم صحة هذه المعلومات؛ وخاصة فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل؛ وقد أكد تقرير “تشيلكوت” قائلا: إن على اللجان اعتماد المهنية وليس الانتقائية في إختيار المعلومات ، وكذلك يبين التقرير كيف تم التحايل على قرارات مجلس الامن لغزو العراق واحتلاله دون الحصول على موافقة مجلس الامن الدولي بالعمل العسكري ضد العراق ؛ لأن الادارة الامريكية كانت متأكدة بوقوف فرنسا والصين وروسيا وهي من الدول التي تملك حق نقض اي قرار للحرب ضد القرار ، وتضمن التقرير اللوم الواضح الى بلير وحكومته للخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها بريطانيا في العراق؛ إضافة الى سوء إدارة ملف الاحتلال والانتهاكات التي مورست ضد العراقيين وحملات الاعتقالات والتعذيب؛ والى حل أجهزة الدولة العراقية ومؤسساتها؛ ورغم ان هذا التحقيق كان تحقيقا عاما وليس جنائيا؛ ولا يوجه التهمة لاي مسؤول بريطاني؛ إلا ان المعلومات الواردة؛ إضافة لما تم ذكره من شهادات وانتقادات للادارة الامريكية ورئيسها بوش؛ جديرة بأن يقف كل الشعب وقفة رجل واحد والخروج بمظاهرات عارمة تدعمها كل المراجع الدينية والسياسية الوطنية في العراق؛ مطالبين الامم المتحدة والمحاكم الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؛ ومحكمة الاتحاد الاوربي؛ وجامعة الدول العربية؛ ومنطمة المؤتمر الاسلامي العالمي؛ ومنظمات حقوق الانسان؛ بإدانة العدوان على العراق؛ مقاضاة وتجريم كل الدول التي ساهمت في غزوه واحتلاله؛ وتعويض العراق وشعبه عن كل الخسائر المادية والمعنوية والانسانية التي ألمت به؛ وتنظيم وقفات الاحتجاج والاعتصامات داخل وخارج العراق امام سفارات الدول التي ساهمت في هذا العدوان الغاشم؛ ليستعيدوا حفظ ماء وجوههم؛ وان لا يُلههم الامل، فطريق الميل يبدأ بخطوة؛ وإن بذورالتردد تزرع الخوف؛ وبخلاف ذلك فسيبقى العراق مكبلا بأجندات الدول التي احتلته وبلا إرادة وطنية مستقلة؛ ويبقى الخَطبُ غائصاً الى الرُكبِ…والله ثم الوطن من وراء القصد.