غانم خليل يروي تجربته مع خطاب روائي موجّه الى الناس العاديين
الرواية تغور في الاوجاع
حاوره ــ سامر الياس سعيد
حفل المشهد الثقافي في مدينة الموصل بإبرازه الجانب الإبداعي للمدينة من خلال كم هائل من الاسماء الإبداعية التي تركت بصماتها راسخة كلا في مجال تخصصه الثقافي فشهد منبر الشعر أسماء مهمة لم تتحدد بافاق المدينة فحسب بل تعدى حضورها الشعري للعالمية كما برز في هذا المجال كتاب القصة من خلال إبرازهم للواقع الذي عاشوه وصوروا برؤية مهمة ما شهدته مدينتهم فضلا عن الفنون الإبداعية الأخرى ولعل منها الجانب الروائي الذي ابرز الكثير من الاسماء التي كان لها شانا في اكمال المشهد الروائي العراقي بإبراز ما مر بها هذا البلد من أحداث وتواريخ أرشفت لواقعه وتحدثت عن أوجاعه ومرارة سكانه واذ ما تصفحنا سجل الرواية العراقية والموصلية بوجه الخصوص فاننا نلامس اسماء مهمة وبارزة تعاقبت على رفد هذا السجل بمكنونها الابداعي عبر توالي الاجيال واذ كنا في مضمار الرواية وخصوصا في مدينة الموصل فلابد لنا من وقفة امام روائي ابتدا مشواره بإنتاجه لروايات حملت طابعا تاريخيا يؤرشف حقبات منسية من مدينته الا وهو الروائي غانم خليل الذي ابرز مؤخرا نتاجه الذي حمل عنوان يوم غابت الشمس ليحكي من خلالها وعلى لسان مدينته الموصل ما حل بها في زمن ما ومن الرواية الاخيرة كانت البداية فقال خليل
ــ قراءتي لتاريخ الدولة العثمانية وخاصة القرن الاخير من عمرها جعلني اطلع على حقائق كثيرة مغيبة املي بعضها علينا في المدارس بشكل مغاير أو مموه وظهور روايات مثل رواية السلطانة زاهية ليوسف روفائيل المشحونة بمغالطات تاريخية مكشوفة ورواية الانقلاب العثماني لجرجي زيدان التي لم تتكلم عن الاسباب الحقيقية لهذا الانقلاب ولامن يقف وراءه ،كل هذه الامور دفعتني للتوقف عند تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الدولة المفترى عليها كما جعلتني متعاطفا معها فالتاريخ يحتاج الى قراءات أخرى وروايتي الجديدة برايي تقدم تفسيرا جديدا لحجم المؤامرة التي حيكت ضد تلك الدولة المترامية الاطراف والتي اتسع صدرها لجميع الأديان والقوميات والمذاهب وثمة سبب أخر دفعني لكتابة هذه الرواية يتمثل بفراغ كبير لمسته في الحديث عن تلك الفترة المنسية من تاريخ الموصل إبان الدولة العثمانية وأود ان أشير الى ان فترة المجاعة التي مرت بها مدينة الموصل ماتزال غضة من حيث التطرق اليها فلم يؤلف حولها أي عمل روائي جاد بمعنى توظيف تلك الحقبة القاسية بشكل ادبي يوازي ما عاناه ابناء هذه المدينة حيث ظهرت في فترة الستينيات من القرن المنصرم رواية وضعها بهنام وديع أوغسطين حملت عنوان الأيام العمياء والناس الحمقى التي تناولت فترة الحرب العالمية الاولى وما عاشه الموصليون بوجه الخصوص في تلك الحقبة اما روايتي فقد شغلت فضاءا زمانيا ومكانيا واسعا جدا امتد على مساحة ثلاث وعشرون عاما امتدت ما بين عام 1905 حتى عام 1918 حيث حفلت بالاحداث الجسام التي غيرت وجه المنطقة على مساحات واسعة من سيطرة الدولة العثمانية كما اود الاشارة الى سبب اخر دفعني للخوض في غمار هذه الرواية يتمثل بالاعتراف بالأجيال الجديدة لما جرى في الماضي لاسيما ان تسارع الاحداث وتواليها يؤدي الى نسيان التاريخ القريب فكيف بالبعيد كما ان هنالك مد استعماري دعا الى تشويه حقبة السيطرة العثمانية ولعل روايتي تعيد الامور الى نصابها..
روايتك تتخذ من الواقعية مسارا لها ، هل تتمسك بالواقع هوية لكتاباتك الروائية ام تجذبك الرمزية للابتعاد عن التابوهات ؟
ــ انا كاتب واقعي من حيث الواقعية لاتعني بالضرورة مخاطبة الناس العاديين لكنني في الوقت ذاته مع الرأي المتمثل بتطعيم الواقعية بومضات رمزية لمنحها شحنة اكبر وكل ما اكتبه موجه للقاري النخبوي فالناس العاديين لايقرؤون بل لديهم نفور من القراءة وحتى مثقفي اليوم تجد الكثير منهم لم تعد القراءة همه الاول بل تراجعت كثيرا ليحل بدلا عنها زخم البث الفضائي الذي سرق لذة الغوص بين السطور..
ر كتاباتك لاتنتمي لمدرسة اكاديمية تخضع لرؤية نقدية ، هل تعاني من هذا الامر ؟
ــ المنجز الابداعي لاينبع من ارضية مصفرة فالكتابة حسب رأيي الشخصي هي نتاج خبرة وتجربة تراكمية يكتسبها المؤلف والكاتب عبر السنين بحكم الحياة المعاشة وبحكم تحصيله العلمي والثقافي فقد تجد من ينظم الشعر منذ عامه العاشر لكنك لاتجد من ينجز عملا روائيا وهو بعمر تخطى الخامسة والعشرون ان لم نقل اكثر من هذا الحد العمري.
ر ل تؤمن بالتدرج الروائي لأي كاتب يهتم بهذا الجنس الأدبي وهل ترى ان الروائي يمر بمراحل مختلفة تتطور معه حرفة الكتابة مع توالي اعماله ؟
ــ لااتفق معك في هذه الرؤية من واقع ان تجربتي الروائية لم تمر بمراحل مع الأخذ بنظر الاعتبار ان الرواية الاولى هي بمثابة الخطوة الاولى ليزداد بعدها الكاتب نضجا واحكاما لاعماله كما ان نجاح الخطوة الاولى تمنح الكاتب طفرة نوعية تغريه للوقوع في مطب عمل اخر اكثر روعة وتماسك من سابقه وبالنسبة لي فقد مارست كتابة القصة القصيرة لكن السبق في هذه المرحلة كان للرواية حيث استهوتني الرواية لانها تمنحني مساحة اوسع لتقديم خبرتي الفنية والفكرية بخلاف القصة القصيرة او الشعر والرواية اولا واخيرا تجربة حياة بكل ما تعطيه الحياة من معنى..
صفتك روائي ينحدر من الموصل ،كيف تمنح تقييمك للمشهد الروائي في هذه المدينة بشكل خاص والعراق عموما ؟
ــ أجد ان هذا السؤال كبير ولايجمع في بضعة سطور لكنني استطيع القول بان الرواية العراقية استطاعت ان تضع يدها على موضع الجرح العراقي والذي يمتد بجذوره بعيدا في التاريخ والمتعارف بان بناء أي نص ادبي لابد وان يستمد مقوماته من مجريات الاحداث فلذلك فالبناء يتغير وفق المراحل التاريخية والتحولات التي تشهدها المجالات الاجتماعية والسياسية التي يمر بها الشعب ولااظن ان أي شعب مر بما مر به شعبنا العراقي خصوصا في بحر العقود الاخيرة سواء من خلال انقلابات عسكرية وحروب القت بظلالها على نفسية المواطن العراقي فضلا عن تدمير شمل الجانب الاجتماعي والاقتصادي للبلد وهذه الويلات انعكست ايضا على كاهل المثقف والروائي العراقي فمنهم من خفت صوته واستسلم للظروف التي كانت راهنة في حينها ومنهم من اختار الابتعاد ومنهم من كان عصيا على الاحداث فغرس مداده في عصيرها المر فانتج نصوصا رائعة قد يلجا اليها الدارس اذ ما غاب عن الساحة المؤرخ المحايد..ومن مميزات الرواية العراقية وخصائصها انها تلامس الواقع وترتبط بالتاريخ والمكان وقد تخطت التقليدية والتجريبية منذ العقد السادس من القرن الماضي حيث دشنت عهدا جديدا في النصف الثاني من تلك الحقبة حيث اختفت التقريرية من صفات الرواية العراقية وبتلك الفترة وقع السرد العراقي تحت تأثير الادب الروسي وخصوصا الادباء الكبار الذين عدوا اعمدة هذا الادب ثم تلى تلك الحقبة ظهور الاهتمام بالرواية الفرنسية الحديثة فانعكس ذلك بتاثر بعض الروائيين بهذه الموجة ودام ذلك كل حقبة السبيعينيات وبعد تلك الحقبة ارتدت الموجة لتسير على نمط الواقعية السحرية ولعل مرد ذلك يعود الى تشابه المعاناة التي عانت منها شعوب امريكا اللاتينية مع ما عاناه شعبنا اما تسعينيات القرن المنصرم ففيها انشغل الروائي العراقي بخيبته وانشغل ايضا بذاته التي سحقتها سنوات الحرب العجاف وما تبعها من حصار اقتصادي وتعرض للتهميش والتغييب اكثر مما تعرضت له الاجيال السابقة مما انعكس على اداء الرواية العراقية اما بعد عام 2003فزاد الاهتمام بالرواية العراقية حيث أصبحت لها السيادة في تصدر المشهد الثقافي كما ارتقت مستوى الطموح بعد ان كانت متاثرة فنيا وتنوعت لتعبر بعمق الحياة العراقية المائجة بالاحداث فيالها من منجم ثر لكل أديب استعان بالقلم لينظر الى مسرحها المأساوي سواء من قريب او من بعيد اما الشق الاخر من السؤال والذي يتعلق بمشهديةالرواية الموصلية فاستطيع القول بان الموصل مازالت من مدن الظل حيث مازال الأديب الموصلي يقبع في سجن الافق الضيق لان انوار الحضارة والمدنية لم تصل لتغيب تلك الظلال اما عن أدباء المدينة فمنهم من هو منكفيء ومنعزل ومنهم من هو يتمتع بالنشاط ونشاط مثقفي المدينة يتمتع بالفردية لان المدينة تعاني افتقاد رعاية المؤسسات الثقافية كما تستبد في بعض ادباء المدينة نزعة نرجسية تحملها جيناتهم وتسهم تلك النزعة الى حد كبير بإحباط الكثير من المشاريع الثقافية الجماعية ولايشذ عن ادباء الموصل بهذا الخصوص الا قلة قليلة يتقدمها القاص المبدع انور عبد العزيز الذي نعتبره مفخرتنا واستاذ الجميع وهو يجسد الاديب الانسان الذي يمد يده الى الاخرين دوما متفاعلا مع جميع الاجيال بالتوجيه والمتابعة والنقد البناء..
ر هل تؤمن بتصنيف الادباء والكتاب الى أجيال والى أي جيل تنسب نفسك وهل للحرب انعكاس على ما كتبته ؟
ــ كل جيل يتاثر بمواصفات عصره ومعطياته المتجددة ولهذا فهنالك اختلاف خبرات فنية وفكرية لجيل عن الذي سبقه ولكن هنالك ثمة خيط متين من الثوابت التي تربط كل جيل مع الاجيال التي سبقته فلا تتعرض لتبديل او تغيير وهي سنة من سنن الله سبحانه وتعالى اما عن جيلي فهو جيل التسعينيات الجيل الذي اناخه حصار اقتصادي لاسابق له على ارض العراق اما عن انعكاس الحرب على ما كتبته فانا لم اتاثر الا بقدر متابعتي للروايات العالمية التي شكلت الحرب مناخا لتجسيدها كالاعمال الروسية التي انتجها تولستوي ومنها روايته الحرب والسلام وروايات شليخوف الدون الهاديء و لقد قاتلوا من اجل الوطن و مصير انسان و الدكتور جيافاكو لبستراناك وبعيدا عن الادب الروسي هنالك رواية ذهب مع الريح لمارغريت ميتشيل..
/5/2012 Issue 4202 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4202 التاريخ 17»5»2012
AZP09