الموصل – الزمان
جفّت العيون الكبريتية، لتودع الموصل ماءها العلاجيّ وتراثها الشعبيّ بصمتٍ ثقيل.
وكانت عين الكبريت في الجانب الأيمن من المدينة، مزاراً وملاذاً لأجيال من العراقيين و الموصليين.
وامّحت معالم المكان تحت وطأة الإهمال وتغيّرات المناخ وشحّ المياه، فيما بقيت الأطلال تشير إلى زمن كانت فيه “العيون” تتكلم، وكان الناس يداوون أجسادهم وقلوبهم بالماء الدافق من أعماق الأرض.
واختفى البخار الصاعد من فوهة العين، بعدما انخفض منسوب نهر دجلة إلى معدلات تاريخية لم تبلغها منذ عقود، حتى بلغ مستوى الجفاف في بعض مناطق شمال العراق ما نسبته 75% مقارنة بعام 2020، وفق تقرير وزارة الموارد المائية العراقية مطلع هذا العام.
وخلت الصور المتداولة من زوّار المكان، وبدت عين الكبريت في حالة أشبه بالعدم، وقد تحولت إلى حفرة يابسة، فيما تصاعدت على مواقع التواصل أصوات الموصلين الذين نعوا “معلماً لن يعود”، بحسب تعبير تدوينة للكاتب الموصلي ياسين الدرويش على صفحته الشخصية، وكتب: “عين الكبريت ماتت بصمت.. وجفت معها ذاكرة الطفولة، ووصايا الجدات”.
وارتبطت عين الكبريت بتراث الموصل الصحي، حيث كانت توصف لعلاج الأمراض الجلدية وآلام المفاصل منذ عهد الدولة العثمانية، وظلت مقصداً لسكان المدينة حتى أواخر التسعينيات، قبل أن تبدأ بالتراجع التدريجي نتيجة الإهمال ونقص الاستثمار المحلي.
وتكررت الظاهرة ذاتها في الجنوب العراقي حين جفت “عين أبو نِخيلة” في محافظة ميسان عام 2019، وهي عين كبريتية كانت تستخدم في علاج الروماتيزم، بعدما نضبت مياهها تماماً بسبب الحفر العشوائي للآبار وهبوط منسوب المياه الجوفية.
وتأثرت عيون العراق الطبيعية بانخفاض الإيرادات المائية من دول الجوار، إذ سجّل العراق عام 2023 انخفاضاً بنسبة 60% في تدفق المياه من نهري دجلة والفرات، بحسب بيانات رسمية لوزارة الموارد.
وسجّلت نينوى نفسها في السنوات الأخيرة واحدة من أعلى معدلات التراجع في مصادر المياه، ما أثّر بشكل مباشر على المراعي والأنهر والعيون.
وأرجع خبراء بيئيون سبب جفاف العين إلى مزيج من نقص التغذية الجوفية وغياب صيانة البنية التحتية، إذ لم تشهد العين أي مشروع إعادة تأهيل منذ عام 2003، بينما فشلت محاولات متفرقة من قبل بلدية الموصل لتحويل الموقع إلى منطقة سياحية طبية.