عودة إلى إلاستنساخ

تلك الكتب

عودة إلى إلاستنساخ

عندما فرض الحصار على العراق لم تقف المعاناة عند حدود شحة الغذاء والدواء ومستلزمات العمل الصناعي والزراعي فقط، ولم تقف ضغوط هذا الحصار عند تدهور العملة النقدية، وفقدان اجزاء كبيرة جدا من قيمتها الشرائية فحسب وانما انقطع العراق عن الخارج على صعيد الكتب والاصدارات فلم تعد تصله الاصدارات العربية والاجنبية من كتب ومجلات اصبح من الصعب على المؤلف العراقي  ايجاد مطابع ودور  نشر تساعده على طبع كتابه وتوفير فرص النشر  امامه،  ونتيجة لذلك لجأ باعة الكتب والمجلات  الى استنساخ الكتب المطلوبة  حسب اعداد الراغبين فيها، وخاصة من الذين يبحثون عن المصادر والمراجع  المطلوبة لدراساتهم العليا، كما  لجأوا الى محاولة الحصول على كتب عربية مهمة صادرة خارج العراق، واستنتساخ  نسخ معينة منها، وبيعها باسعار عالية.

واضطر الذين لا يجدون فرصة من المؤسسات الرسمية لطبع نتاجاتهم والذين يستعجلون نشرها، والذين يحبذون النشر على حسابهم الخاص الى استنتساخ نسخ قليلة من هذه  النتاجات، وتوزيعها على الاقربين من الاصدقاء، والاكتفاء بردود افعال وملاحظات ووجهات نظر هؤلاء الاصدقاء، وقد صدرت العديد من هذه النتاجات ولكن يصعب الحصول عليها لقلتها، ولانها وزعت في حدود ضيقة، وطبعت بنسخ قليلة جدا.

وقد يتبادر الى الاذهان ان ظروف الحصار انتهت في العراق، وانتهت مخلفاتها وتداعياتها، وان مطابع البحث مفتوحة امام المؤلفين برحابة صدر، وباسعار زهيدة وبكل طاقتها الانتاجية، ولاي موضوع واختصاص، ولكن ذلك غير صحيح، فيمكن الاستعانة بدور النشر لطبع كتاب معين، ولكن ذلك يقتضي  ان يكون الكتاب مربحا من الناحية التجارية، وان  لا يطلب المؤلف اي شيء من اتعابه،او ان  يدفع مبلغا معينا لطبع ونشر الكتاب، ولان الاتفاق  مع دور النشر على الطبع والنشر غالبا ما ياخذ وقتا طويلا عند التنفيذ، ولانه يتطلب مبالغ مالية كبيرة في بعض الاحيان فان بعض المؤلفين يلجأون الى استنساخ مؤلفاتهم باعداد قليلة لا تتجاوز حدود المئتين من النسخ، وقد تصل في بعض الاحيان الى خمسين نسخة لتوزيع اغلبها على الاصدقاء  والابقاء على خمس او عشرة نسخ للطلبات الطارئة.

وقد وجدت احد الناشرين الذين يمارسون عملية الطبع والنشر في شارع المتنبي يحاور مؤلفا على طبع ونشر كتابه مشترطا عليه بين شراء وترويج نسخ كتابه  عند طبعه  او ان يطبع الكتاب بخمسين نسخة على طريقة الاستنساخ لان الكتاب  من وجهة نظره غير تجاري، ولانه غير مستعد لتحمل خسائر طبعه.

وفي باب المعظم  في بغداد تنتشر مكاتب كثيرة لاستنساخ الكتب والاطاريح والرسائل  الجامعية،  وغالبا ما نجد اصحابها يعتذرون منك، لانهم منشغلون ولا يجدون الوقت لتنفيذ واستنساخ كتابك، وعندما يتيحون لك هذه الفرصة فانهم يقسطون المبالغ حسب مراحل الطبع، فهناك  سعر للتنفيذ، وسعر للاستنساخ وسعر للغلاق وسعر للتصحيف،  بحيث تاخذ منك النسخة الواحدة العديد من الاف الدنانير مقابل طبع متواضع قد تشوبه تشوهات في الاستنساخ والالوان والغلاق، وقد يحدث فيه تكرار  في الصفحات وتاتي  فيه صفحات فارغة.

والاستنساخ  لا ينتج في اغلب الاحيان غير نسخ قليلة، يوزعها المؤلف  على اصدقائه المقربين، ولا يحصل منها على اي تعويض عن خسارة في طبعها، وهي بالتالي ليست عملية طبع ونشر للكتاب، وا نما هي عملية توثيق وحفظ الكتاب من الضيا ع والفقدان.

وهناك من جعل بيته مكتبا للطبع المستنسخ، واشغال نفسه بتنفيذ واستنساخ كتاباته ومؤلفاته، ولكن الاستنساخ في جميع الاحوال عملية  مكلفة ومرهقة ولم  تكن  من اختصاص المؤلف، وكان الاستنساخ الكتابي في المراحل القديمة  يعتمد على الوراقين في اغلب الاحيان وليس  على المؤلفين.

ولعل من المفارقة ان يتحدث العربية المئات من الملايين من العرب  وغير العرب، وان لا يجد بعض المؤلفين فيها فرصة غير استنساخ مئة وخمسين او اقل واكثر ذلك بكثير، والمفارقة الاخرى ان التقنيات الطباعية الحديثة وجدت لانتاج اكثر بوقت اقل  واسرع ولاشباع  حاجة اكبر عدد من الناس، ولكننا  نستخدم هذه التقنيات لانتاج اقل ووقت ابطأ، ولاقل عدد من الناس.

رزاق إبراهيم حسن

مشاركة